125
0
إيران والموقف التفاوضي بين التشدد والإعتدال

بقلم :كمال برحايل
التقدير الإستراتيجي بالعودة مجدداً إلى إستئناف مسار المفاوضات الثنائية ، بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية ، تتميز هذه المرة باستبعاد الإتحاد الأوروبي ،وهو يدل على امرين والأول هو بلوغ مرحلة الاستعصاء المزمن في التوصل للحل للأزمة النووية الإيرانية ، والبحث عن الحل الوسط يكون البديل لاتفاق لوزان والأمر الثاني، هو إمكانية تقديم تنازلات ثنائية متبادلة بين الطرفين فقط لاتشمل أطراف أخرى ، ومكمن الخلل هو تسييس تقارير اجهزة المخابرات ، أو اللجوء لقراءة الطالع لإرضاء طلب طرف معين، بجعله في مأمن ابدّي عن التهديد العلني بالرد على الرد وهذا عملياً مرفوض ، بحكم الخيار الإيراني المتمسك على الحق في المشروع في الحصول واستخدام وامتلاك الطاقة النووية ، لأغراض سلمية وتنموية للبلاد و من أولى الضمانات المقدمة للأطراف المباشرة ، هي استناد إيران لفتوى صادرة عن المرشد الأعلى للثورة ، بالتحريم الشرعي لامتلاك وتخزين السلاح النووي ، وتعد بمثابة رأي استشاري ملزم يعتد به في الدولة والحركية في العاصمة العمانية مسقط ، تنم عن مسعى حقيقي للتسوية السلمية المرتقبة في هذه المفاوضات الثنائية للملف النووي الإيراني ،الذي أصبح بمثابة الحجةً لتوجيه الضربة للمواقع النووية الإيرانية، وليت الأمر يختزل في مجرد بناء الثقة ، وما يليه من تبعات على الأطراف المباشرة بالبرنامج الإيراني ، وتستمر المماحكة بين طرف يشكك ويتهم ويهدد ، وطرف يصارح يخصب ويضمن، بالتالي ما هو السبيل المقبول ، للتعاطي مع هذه المعادلة الجدلية.
في السابق اطمأنت السياسة الخارجية الأمريكية ، واستكانت لقيام نظام موالي في إيران وفق أولا مبدأ الرئيس ترومان لمحاربة الشيوعية في العالم ، وثانيا طبقا لسياسة الاحتواء لجورج كينان ، ولكن تدفق السيل الجارف للثورة الإيرانية،أمسى بمثابة الصدمة ، حين سارع الامبراطور محمد رضا للفرار، عقب تراجع القوى الليبرالية والعلمانية وتقدمت المشهد الثوري القوى الدينية ، لإحداث التغيير ، بتقديم نموذج بديل وهذا بالانتقال من حكم وراثي إلى حكم جمهوري ، يستند إلى الشرعيّة الشعبية ، حسب مبدأ التداول السلمي على السلطة ، ومنذ هذه اللحظة الرمزية، سيكون العالم على موعد مع نمط سياسي غير مألوف في البيئة الدولية ، بتحلي بهيمنة المرجعية الدينية على القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكلمة الثورة بدلالة التحول نحو ، الأفضل كانت كمفهوم مجرد بدأ بانطلاقة الثورة الفرنسية ، فهي حركة مؤطرة وانتفاضة شعبية باستخدام القوة للتغيير ويمتد لجميع الأنساق
الاجتماعية والسياسية .
وعن سيرورة الثورة اقتبس ما ورد في كتاب "مصر إلى أين ما بعد مبارك وزمانه " للصحفي محمد حسنين هيكل ، ويقول في ص 7 " إن الثورة تمر عبر ثلاث مراحل أي الحالة والحدث ثم الثورة ،وتفسر أولاً بحالة الثورة وتنطلق من قلق وضعف الثقة لتنتقل ، ثانيا إلى حدث الثورة متضمنا انفجار مفاجئ وبداية التصدع وتحقيق السقوط ، وأخيراً مرحلة الفعل أي حالة الثورة وتشمل قيام البديل وتنفيذ المطالب" .
وهذا ما سأحاول إسقاطه على النموذج الإيراني الذي أحدّث المفاجاة ، بعد تواري بريطانيا العظمى ،واقتصر الدور على الولايات المتحدة بجعل الشاه شرطي المنطقة، في خدمة المصالح الامريكية ، ومباشرة بنجاح الثورة بقيادة اية الله الخميني، انحصر النموذج بصيغة لاشرقية ولاغربية ، وتدركه بالتميز في تشكل مواقف السياسة الخارجية ، منها رفض
الاعتراف بالكيان الصهيونى ومنح درجة سفير لممثل منظمة التحرير الفلسطينية ، مع إهداءه مقر السفارة الإسرائيلية، والحرص على تدعيم وتمويل أفراد المقاومة في فلسطين المحتلة والممثلة بحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي ، وحزب الله في لبنان ، وتدعو إلى تحرير الأقصى.
وأصبحت هذه المواقف هي المؤشر الثابت، في الحوار والعلاقة القائمة مع الغرب ، وينبع بالتالي من هذه المواقف شرعية المطالب الإيرانية، وتتلخص تحديداً بعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، والاعتراف بشرعية النظام الثوري، وتقديم الضمانات الأمنية بعدم إسقاطه ، وبالنتيجة فإن المحدد الأمني هو أولوية لانتهاج الغرب خطاب التهديد تجاة ايران ، المصنفة ضمن محور الشر ، والسؤال القائم منذ عقدين ما هو المعيار للتصنيف، أم شرعية الأنظمة التقدمية التي تجرا على قول لا هي المقياس .
وحالياً إيران تمتلك قاعدة علمية ،جد متقدمة وشرعت في استغلال الموقع الجغرافي، بمنطقة التقاطع بين قارة اسيا والشرق الأوسط ،مع إطلالة على بحر العرب مكنت من إقامة التحالف الإقليمي ،مع الدول المجاورة موظفةً الإمكانات الطبيعية ، من النفط والغاز لتزايد الطلب خاصة من والهند والصين ، التي سرعان ما بادرت إلى الوساطة بين إيران والمملكة العربية السعودية ،وتمخض عنها عودة
العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، وتعتبر هذه خطوة لفك العزلة الإقليمية على إيران ، والمفارقة ان هذه المنطقة متحالفة تقليدياً ،مع الولايات المتحدة الأمريكية .
وتستمد ايران من تلك المحددات والمواقف، القوة لتكريس استقلالية القرار ، في ضوء التوافق بين التيارات المتشدد المحافظ والتيار لإصلاحي المعتدل ويحظى الملف النووي ، بالإجماع وبعدم التنازل للغرب ، وأصبح مصدر عز وفخر وطني للشعب الإيراني ، الذي يعتقد في من يقدم على التنازل ، سيجبر لاحقا على المزيد من التنازلات .
وتعتمد في هذه المواقف والمحددات على التماسك الداخلي ، لأية مواجهة قادمة ،ويكمن جوهر الخلاف بين إيران والغرب ، بالتشكيك في تطوير ايران القدرات الصاروخية والبرنامج النووي والسعي لامتلاك السلاح النووي لتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي، وللعلم ايران دولة موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتلتزم بالمادة الرابعة وتنص على " الحق غير القابل للتصرف للتصرف في تطوير البحوث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية دون تمييز ".
وفي السياق التاريخي للمسار التفاوضي ، يلاحظ التدرج في التصعيد بالتحول من الشك إلى الاتهام العلني في نوايا أيران ، وقد تكرس بعد دخول اجهزة المخابرات الاسرائيلية ، في تقييم وتحليل البرامج النووية ،حسب ما يوثقه مفتش الأمم المتحدة السابق عن الاسلحة في العراق سكوت ريتر ، في كتاب استهداف إيران ويقول بالصفحة 64 " لكن الموقف سرعان ما أنعكس على الموقف الأمريكي ، الذي كان قاطعا لا يوجد لدى ايران ،اية حاجة منطقية لبرنامج الطاقة النووية ، وبناءً على ذلك فإن اي جهد في ميدان النشاط النووي، لا يخدم سوى كغطاء لإنتاج الاسلحة النووية ".
وما نتلمسه موخراً هو التحول النوعي لمقاربة واشنطن ،بتجنب اللجوء للقوة والحرب ، للتعامل مع إيران وينم عن اليأس في إقناع تل أبيب بعدم جدوى الضربة العسكرية، لأنه لايشكل تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي ، ولكن إسرائيل تراه مؤشر للتكيف التدريجي الأمريكي، والقبول بشرعية البرنامج النووي وسبق حدوث هذا الأمر باتفاق لوزان ، خلال إدارة الرئيس باراك أوباما ، حينما فضل الخيار الوسط بمعنى استحالة تدمير البرنامج ، وعدم جدوى العقوبات مما يرجح بإقرار خيار الحل الدبلوماسي للملف النووي ، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة ، باشراف الرقابة الدولية على البرنامج الإيراني من خلال الرصد والتحقق وأثبته التقارير الدورية ، الصادرة عن الوكالة الدولية الطاقة النووية بتقيد إيران ببنود الاتفاق ، والذي سرعان ما ارتد بمجيء إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والذي انتقده بشدة ، كونه أسوء اتفاق يوقع ، دون الحصول على المقابل معلناً ، الانسحاب من اتفاق لوزان .
وحالياً المشهد الأمريكي منقسم ، بين تيار الحل الدبلوماسي ويضم نائب الرئيس الأميركي دافيد فانس ووزير الدفاع ، وتيار الحل العسكري المكون من مارك روبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي ، لكن إيران تعتبر الإتفاق لايزال قائما مع الأطراف الموقعة ، مبقية على تبتي خيار النموذج كوريا الشمالية ، مهددة بالعودة للتخصيب أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ، مع ارجاء استخدام الورقة الصينية والروسية في الوقت المناسب ،
لقد استحال على الإدارة الأمريكية ، كيفية إدارة الأزمة النووية مع ايران ، باستثناء فترة الرئيس باراك أوباما التي تعدّ سابقة في الأزمة النووية، وأن ديمومة اللاحل سيؤول إلى الغوص وبالمزيد من اللايقين ،ويمنح الفرصة للتيار المتشدد بالدعوة لخيار الانسحاب ، حتى من التفاوض لاقتناعه بصعوبة تدمير المشروع النووي ، بالقصف الجوي وفي مذكراته بعنوان الواجب يقول وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، في الصفحة 228 " لم تكن الولايات المتحدة متصالحة مع مسألة حيازة إيران أسلحة نووية لكننا بحاجة لحل طويل الأمد ، لا تأخير لمدة سنة او ثلاث سنوات وتابعت قائلا ان من شأن أي ضربة تقوم بها الولايات المتحدة او إسرائيل ان تنهي الانقسامات داخل الحكومة الإيرانية وتعزز موقّف العناصر الأكثر تشددا " وهذا الانطباع يعجل بدخول النووي وبامتلاك القنبلة النووية ، كسلاح ردع ، ويتكشف في ضوء الموقف التفاوضي المتفائل بإمكانية تبديد المخاوف من البرنامج النووي الإيراني ، بتقدم بناء في المحادثات بين الطرفين ، وفي حال الفشل سيشكل معضلة أمنية بالغة التعقيد ستتجاوز الإطار الاستراتيجي ، والحقيقة الغائبة ويصبح صراع عقائدي وحضاري مع الغرب .
آخر الكلام : من أقوال أبراهام لينكولن
" من ينكر الحرية على الآخرين ، لا يستحقها لنفسه "