502

0

انهيار الخدمات الصحية بمستشفى أحمد مدغري بسعيدة... كرامة المريض بين مطرقة الإهمال وسندان "المعريفة"

صمت ثقيل يخيم على ممرات مستشفى أحمد مدغري بسعيدة، لا تكسره سوى أنين المرضى المتراصين على الكراسي، وتنهيدات مرافقيهم الذين فقدوا الأمل في موعد قريب أو فحص دقيق. المستشفى الذي يفترض أنه أحد أركان العدالة الاجتماعية، بات عنوانا للتيه، ومرآة عاكسة لانهيار القيم الصحية والإنسانية، وسط منظومة تصارع البيروقراطية، الفوضى، و"المعريفة".

الحاج شريفي

 

منذ اللحظة الأولى لدخول المستشفى، يكتشف الزائر حجم الفجوة بين الشعار والممارسة. أعوان الأمن عند البوابة يتعاملون مع المرضى وكأنهم دخلاء على مؤسسة أمنية، لا مرفق استشفائي. بعضهم يصرخ في وجوه الناس، يمنعون الدخول دون مبرر، و دون توجيه واضح. أما من لا يملك "الوجه المألوف" أو "الواسطة"، فعليه أن ينتظر، وأن يصبر... أو يعود أدراجه.

في الداخل، المشهد أكثر تعقيدا. المرضى يتنقلون بين المصالح وهم يحملون أوراقهم بين أيديهم، كمن يحمل عبئه على كتفيه. قسم الاستعجالات لا يستعجل شيئا، وقسم الأشعة تعطل فيه جهاز "السكانير" منذ أشهر، دون مؤشرات على إصلاح قريب. المواطنون يطلب منهم التوجه إلى عيادات خاصة أو السفر إلى مستشفيات خارج الولاية. وهنا يطرح السؤال الكبير: أين ذهبت الملايير التي صرفت لتجهيز هذا المرفق؟ وهل يعقل أن يحرم المواطن البسيط من أبسط الحقوق بسبب جهاز لم يصنف أولوية في أجندة الإدارة؟

المأساة لا تقف عند حد السكانير. حتى التحاليل الطبية، التي يفترض أن تجرى داخل مخبر المستشفى، تطلب من المريض خارجه، وفي مخابر خاصة بأسعار تفوق قدرة الزوالي. هذا الأخير لا يملك لا وساطة ولا مالا، بل ألما يتفاقم كل يوم، وصفحة دواء لا يستطيع تنفيذها. وحده المريض الفقير من يدفع الثمن.

وسط هذا المشهد، تظهر ظاهرة أخرى تنخر ثقة الناس في المنظومة: "المعريفة". في كثير من الأحيان، لا يسبقك إلى الفحص لا حالتك الحرجة، ولا تقريرك الطبي، بل اسمك إن كان معروفا، أو وجهك إن كان مألوفا. المريض الذي يعرف "واحدا في الداخل" تفتح له الأبواب، وتقدم له الخدمة. أما الباقون، فيطلب منهم الانتظار، أو يرسلون إلى "صديق الطبيب"، أو يتلقون عبارات باردة مثل: "ارجع غدوة"، أو "ماكاش الطبيب"، أو "الآلة خاسرة".

الخلل لا يقتصر على المعدات والبروتوكولات، بل تسلل إلى النفوس. بعض الممرضين أصبحوا يتعاملون مع المرضى بازدراء، وكأن وجودهم صدقة، لا واجب.
 ممرضة تحمل هاتفها وتتجول، تضحك في ممر الطابق، تصور "ستوري"، وتتبادل الرسائل، بينما في الغرفة المقابلة طفل ينتظر حقنة، أو عجوز تئن من الألم. هناك من الممرضين من يؤدي عمله بضمير، لكن آخرين لا يهمهم إلا "ما يخصهم"، وإن سألت، جاءك الرد: " اصبر". المريض الفقير هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة غير الإنسانية.

وفي حالات عديدة، نصدم بالتناقض العجيب بين طبيب يكافح لتقديم الخدمة وسط ظروف قاسية، وبين ممرض أو مصلحة إدارية تضع العوائق بدل تسهيل الخدمة. طبيب يحاول، والممرض يعيق. طبيب يشخص، والممرضة غير موجودة. كل شيء متشابك، لكنه لا يصب في مصلحة المريض.

جهود رئاسية وتوصيات ميدانية

وسط هذه الصورة القاتمة، لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وفي العديد من تصريحاته واجتماعاته الوزارية، أكد أن إصلاح المنظومة الصحية أولوية وطنية لا تقبل التهاون، مشددا على أهمية التكفل بالمرضى في كافة مناطق الوطن، خاصة في الولايات الداخلية. وقد دعا الرئيس مرارا إلى تحسين ظروف الاستقبال والعلاج، وربط التمويل والعتاد بمردودية المرافق الصحية واحتياجاتها الفعلية، مع محاربة المحسوبية والإهمال الإداري.

وفي هذا السياق، يواصل والي ولاية سعيدة العمل على تجسيد رؤية الدولة وتعليمات رئيس الجمهورية، من خلال الحرص على خدمة المواطن وتوفير متطلبات العلاج الكريم، ومتابعة سير المشاريع الصحية، مع الدفع نحو تحسين الأداء داخل المرافق العمومية، خاصة المستشفى المرجعي أحمد مدغري. كما لا يتوانى الوالي في تقديم التوصيات للمصالح المعنية بضرورة تحسين ظروف الاستقبال، ضمان جاهزية العتاد، وتحسين سلوكيات بعض العاملين بما يتماشى مع قدسية مهنة الصحة وكرامة المريض.


أمام كل هذا، تطرح أسئلة حارقة:

من يراقب سير العمل داخل المستشفى؟

لماذا تعطل الأجهزة دون تعويض؟

أين هي لجان التفتيش والرقابة؟

هل يعقل أن يتم تجميد مصالح كاملة في مؤسسة يفترض أنها تضمن الحق في الحياة؟

متى يحاسب المتقاعس؟ ومتى يكرم المجتهد؟


لا يمكن الحديث عن كرامة المواطن في ظل هذه الفوضى ما دامت المؤسسات تدار بـ"المعريفة"، ويعامل فيها الزوالي كمواطن من درجة ثانية. المواطن لا يطلب معجزة، يطلب فقط أن لا يهان حين يمرض، وأن لا يذل حين يحتاج دواء أو فحصا.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services