84
0
التمويل الإسلامي ودوره في دعم الاقتصاد الجزائري: فرص النمو وتحديات التطبيق

في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، أصبح التمويل الإسلامي أداة مالية متقدمة تجمع بين تحقيق الربحية والاستدامة الاقتصادية، مع الالتزام بالضوابط الشرعية التي تحظر الفوائد الربوية، وهو ما يجعله خيارًا جاذبًا للدول ذات الاقتصاد الناشئ مثل الجزائر.
الحاج بن معمر
فالتمويل الإسلامي لا يقتصر على كونه وسيلة لجذب الاستثمارات، بل يمثل نموذجًا اقتصاديًا يربط بين المسؤولية الاجتماعية، الاستقرار المالي، والتنمية المستدامة، مما يتيح للدولة تنمية قطاعات اقتصادية متنوعة دون المساس بمبادئ الشريعة، وفي الوقت نفسه الحد من المخاطر المالية التقليدية المرتبطة بالقروض الربوية.
تشير بيانات السوق المالي الإسلامي إلى أنّ حجم التمويل الإسلامي عالميًا تجاوز تريليونات الدولارات، مع نمو سنوي مستمر يقارب 10 إلى 12٪، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين في هذه الأدوات وقدرتها على جذب رؤوس الأموال نحو مشاريع منتجة. وفي الجزائر، بدأ الاهتمام بالتمويل الإسلامي يزداد خلال السنوات الأخيرة، مع صدور قوانين وتنظيمات تسمح بإطلاق الصيغ الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية، وهو ما يمثل خطوة استراتيجية نحو تنويع الأدوات التمويلية المتاحة لدعم الاقتصاد الوطني. وقد صرح الدكتور رشيد بوشيخي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الجزائر، بأن "التمويل الإسلامي يمكن أن يشكل رافعة اقتصادية حقيقية إذا ما تم تكييفه مع الواقع الوطني، مع التركيز على المشاريع الإنتاجية والصناعية التي تخلق فرص عمل وتدعم النمو المستدام".
الجانب الاقتصادي للتمويل الإسلامي يكمن في قدرة الدولة على تمويل مشاريع كبيرة دون زيادة عبء الديون التقليدية، إذ إن الصيغ الشرعية مثل المشاركة والمضاربة والمرابحة توفر آليات تمويل مرنة تشجع المستثمرين المحليين والدوليين على الانخراط في التنمية. فالجزائر، التي تسعى لتقليل الاعتماد على المحروقات، يمكنها استثمار التمويل الإسلامي لدعم المشاريع الزراعية، الصناعية، والسياحية، بما يعزز الإنتاجية ويخلق فرص عمل للشباب، ويحول الاقتصاد نحو مسار أكثر استدامة.
الجانب السياسي لدعم التمويل الإسلامي يتجلى في دور الحكومة في إصدار التشريعات وتنظيم السوق المالية، لضمان الامتثال للمعايير الشرعية، حماية المستثمرين، وتعزيز الشفافية. فقد أكدت وزارة المالية الجزائرية أن "تطوير القطاع المصرفي الإسلامي يمثل أولوية استراتيجية لدعم التنويع الاقتصادي، مع وضع آليات رقابة صارمة لضمان حسن إدارة الموارد المالية وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية". وتبرز هذه الخطوة كجزء من رؤية شاملة تهدف إلى دمج الاقتصاد التقليدي والتمويل الإسلامي بما يحقق الاستقرار المالي والنمو المستدام.
التحديات التي تواجه تطبيق التمويل الإسلامي في الجزائر ليست فقط تنظيمية، بل تشمل جانبًا ثقافيًا وتعليميًا، إذ يجب زيادة وعي المواطنين والمستثمرين بفوائد التمويل الإسلامي وآليات عمله. كما أن تدريب الكوادر المالية والقانونية على هذه الأدوات يشكل ركيزة أساسية لضمان نجاحها وفعالية تطبيقها. ووفقًا لتحليل أعده فريق من خبراء البنوك الإسلامية، فإن "التعليم والتدريب يمثلان مفتاح نجاح أي استراتيجية تمويل إسلامي، ويجب أن يشملوا جميع مستويات القطاع المالي من موظفين إلى مدراء، لضمان فهم شامل للمبادئ الشرعية والتطبيق العملي السليم".
جانب آخر مرتبط بالتمويل الإسلامي هو الربط بين التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي، إذ توفر الصيغ الإسلامية مثل الصكوك الاجتماعية والمرابحة المشروطة فرصًا لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم رواد الأعمال، وتحفيز الابتكار، وهو ما يساهم في توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة ويعزز التكافل الاجتماعي. وفي هذا السياق، صرّح ممثل البنك الدولي في الجزائر، كمال برهام، بأن "التمويل الإسلامي يوفر أدوات مبتكرة لتمويل المشاريع ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي معًا، مما يعزز التنمية المستدامة ويخلق بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين".
التجارب الدولية في هذا المجال تؤكد قدرة التمويل الإسلامي على دعم الاقتصادات الناشئة، فدول مثل ماليزيا والإمارات حققت نجاحات كبيرة في تطبيق الصيغ الشرعية لتطوير البنية التحتية، الصناعات التحويلية، وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. الجزائر يمكنها الاستفادة من هذه الخبرات، مع تكييفها بما يتلاءم مع الظروف المحلية والموارد المتاحة، خصوصًا في القطاعات الحيوية مثل الزراعة، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية الرقمية.
التحدي المالي الرئيس يكمن في ضمان استدامة التمويل الإسلامي، بحيث لا يتحول إلى أداة تمويل قصيرة الأجل، بل يكون محركًا للنمو طويل المدى. وهذا يستدعي وجود سياسات مالية واضحة، تنظيم مصرفي صارم، وآليات تقييم ومراقبة مستمرة لجميع المشاريع الممولة، لضمان تحقيق العائد الاقتصادي والاجتماعي المنشود. ويشير خبراء محليون إلى أنّ "أهمية التمويل الإسلامي تكمن في استدامته وقدرته على ربط النمو الاقتصادي بالمسؤولية الاجتماعية، ما يجعله أداة فعالة للتنمية الشاملة إذا ما أُدير بشكل حكيم".
من ناحية المخاطر، يجب النظر إلى تحديات تقلبات الأسواق العالمية، ارتفاع تكاليف التمويل، وضمان الالتزام بالمعايير الشرعية، وهي عوامل تتطلب تنسيقًا بين القطاعين العام والخاص، وتطوير أدوات مالية مبتكرة مثل الصكوك والسيولة الإسلامية لتعزيز المرونة المالية. كما أن التحولات الاقتصادية العالمية نحو الاستدامة والاقتصاد الأخضر تمثل فرصة لتطوير صيغ تمويل إسلامي تتوافق مع مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة، وهو ما يمكن أن يضع الجزائر في موقع ريادي ضمن المنطقة.
جانب آخر ذو أهمية هو الربط بين التمويل الإسلامي وريادة الأعمال، إذ يمكن للأدوات الإسلامية تمويل المشاريع الناشئة والمبتكرة، مع توفير حماية للمستثمرين وتقليل المخاطر المرتبطة بالتمويل التقليدي. وهذا يعزز من قدرة الشباب على الدخول في السوق، دعم الاقتصاد المحلي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقد أشار مسؤول في وزارة التجارة الجزائرية إلى أنّ "تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر الصيغ الإسلامية يمكن أن يشكل رافعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي، خصوصًا إذا ما تم توجيهه نحو القطاعات الإنتاجية والمبتكرة".
كما أن التمويل الإسلامي يعزز التكامل بين الاقتصاد الرسمي والقطاع غير الرسمي، عبر إدماج المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن منظومة التمويل، وهو ما يساهم في ضبط الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية. فالربط بين التمويل الإسلامي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن يخلق بيئة مالية أكثر استقرارًا، ويحد من التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، مع تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
من الناحية الاستراتيجية، فإن الاستثمار في تطوير التمويل الإسلامي يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة، تشمل تطوير الإطار القانوني والتنظيمي، تعزيز الشفافية، تدريب الكوادر، وتشجيع الابتكار المالي، بحيث تتحول الجزائر إلى بيئة جاذبة للاستثمارات الإسلامية المحلية والدولية، وتصبح رائدة في المنطقة في هذا المجال. وختم الدكتور رشيد بوشيخي تصريحاته بالقول: "التمويل الإسلامي ليس مجرد أداة مالية، بل هو رؤية اقتصادية متكاملة يمكن أن تسهم في تحقيق تنمية مستدامة ومجتمع أكثر عدالة واستقرارًا".
في الختام، يمكن القول إن التمويل الإسلامي يمثل فرصة استراتيجية للجزائر لدعم الاقتصاد الوطني، تنويع مصادر التمويل، وتعزيز التنمية المستدامة. التحديات موجودة، لكنها قابلة للتجاوز من خلال التخطيط الاستراتيجي، الاستثمار في الكوادر البشرية، تطوير البنية التحتية، ودمج الأدوات المالية الإسلامية ضمن رؤية وطنية شاملة. إن نجاح الجزائر في تطبيق التمويل الإسلامي لن يقاس فقط بالقدرة على جذب الأموال، بل بقدرتها على تحويل هذه الموارد إلى مشاريع إنتاجية ومستدامة تعزز الاقتصاد، تحمي السيادة الوطنية، وتحقق رفاهية المواطنين على المدى الطويل.