2107
1
مهنة المهرج في الجزائر بين الشغف وغياب التكوين
ولد المهرِّج من رحم حاجة الإنسان إلى الضحك، ليكون نقيض الجد في كل شيء، وكثيراً ما نجد بيننا أو بقربنا “مهرِّجاً” غير محترف هاويا ، صديقاً أو قريباً أو أحد أولاد الحي الذي يقفز ويقوم بحركات مضحكة مزعجة في آنٍ واحد أمام كل عابر طريق.
فالمهرِّج مرتبط بهذه الحاجة الإنسانية العميقة هي الضحك أعطته دائماً مكانة خاصة وطابعا مميزا لا يشترك فيه مع الآخرين، وتحول إلى مهنة منتشرة لها أربابها ونجومها وثقافتها وفنونها، وعليه دفعتنا بالبحث عن تحديات هذه المهنة في الجزائر .
مريم بوطرة
تفيدنا المراجع العامة عادة بأن المهرِّج حتى بالمعنى الأكثر حداثة ودقة للكلمة، كان موجوداً منذ أيام المسرح الإغريقي، حيث كان برأسه الأصلع وماكياجه الفاقع الغريب، يؤدي وصلات وأدواراً ثانوية في المسرحيات الهزلية وغالباً بشكل إيمائي تتخلله أحداث غير مفهومة.
ولكن ثمة مراجع أخرى تؤكد لنا وجود الشخصية نفسها في نوع من الأعمال المسرحية كان يؤدى في قصور الفراعنة، ولا سيما أيام الفرعون داخيري- آسي من الأسرة الخامسة حوالي القرن الخامس والعشرين ق.م. والمراجع نفسها تتحدث عن مهرِّجين مشابهين وجدوا في “مسارح” الصين منذ القرن الثامن عشر ق.م. على الأقل، وفي أمريكا ما قبل كولومبوس.
المهرج هو شخص يقوم بأداء فن الكوميديا والترفيه، عادةً من خلال ارتداء ملابس ومكياج غريب لجذب انتباه الجمهور،مستخدما عادة الحركات الهزلية والنكات لإضحاك الحضور في السيرك والفعاليات الترفيهية، أما تاريخياً، كان المهرج يستخدم لإضفاء جو من المرح والسعادة، ولكن تفسيرات كثيرة قد تباينت على مر العصور.
التهريج يتطلب مهارات ومواهب محددة لجذب الجمهور وإضحاكه
وهي مجموعة المواهب الفنية فطرية في فنون الكوميديا والترفيه.،يمكنه استخدام مجموعة متنوعة من الحركات الهزلية والتعابير الوجهية لخلق الضحك بالإضافة إلى التعامل مع الجمهور تتطلب القدرة على التواصل الجيد من خلال فهم تفاعل الحضور وتكيف أدائه وفقًا لذلك.
التجهيز والزي الملائم يُعتبر زي المهرج جزءًا مهمًا من الشخصية.،يجب أن يكون الزي ملفتًا ومبتكرًا لجذب الانتباه، كما يمكن استخدام مكياج خاص لإبراز السمات الكوميدية وكذا تصميم العروض بشكل محكم لضمان تدفق الضحك والترفيه والتفاعل الجسدي.
المهرج " کو کو" والعودة إلى حديدوان
عمران فتحي من مواليد1987 الملقب بالمهرج " کو کو" معروف في الساحة الفنية بالجزائر بداية مشواره كانت بين 2007 و 2008 يعتبر التهريج عبارة عن هواية حَلم بها منذ الصغر إلى أن أصبح لديه مشوار حافل بالنجاحات وجمهورمن الأطفال وأوليائهم حضى بحب كبير لشخصية "كوكو" والعمل الذي يقوم به.
كان عمران فتحي مهتم جدًا بالتهريح حيث كان من متتبعي المهرج المعروف باسمه المسرحي حديدوان، من مواليد 1948 ، وكان ممثلًا جزائريًا في مسرح الأطفال، لعب دور بشكل رئيسي في مسرحية الأطفال «الحديقة الساحرة» مع حمزة فغولي الذي لعب دور «ماما مسعودة».
يعتبر حديدوان واحدًا من الفنانين الكوميديين المشهورين في الجزائر وقد قدم العديد من العروض والبرامج التلفزيونية والعروض المسرحية التي تعتمد على الكوميديا، يتميز بأسلوب فكاهي خاص يحاكي فيه العديد من الشخصيات والثقافات المختلفة، وقد حقق شهرة واسعة في العالم العربي بفضل مواهبه الكوميدية.
اذ أثر حديدوان على عمران وإزداد شغف وحب هذه المهنة توجه بعدها مباشرة إلى المسرح بعين النعجة تعلم على يد الأستاذ حمزة زكاوي ،علمه كيفية الوقوف على خشبة المسرح والتأثير في الجمهور وإدراته ليتحصل على أحسن تمثيل في المسرح كما تحصل على عدة شهادات أخرى .
من الشغف إلى الممارسة على الخشبة
انطلق المهرج کو کو في تجسيد فكرته، بداية العمل على المسرح كانت صعبة بكونه مطالب بتبليغ رسائل هادفة للأطفال، و معالجة مواضيع ذات مغزى ،أيضا مسؤولية إدخال البسمة للعائلات ولا سيما الأطفال بطريقة عقلانية تشمل ذلك أسلوب الحديث مراعيا نبرة الصوت ومخارج الحروف وكيفية التعامل مع الأطفال وكيف يكون الإنسجام بين المهرج والطفل والعكس، وحتى مع العائلات بعدها قام بتكوين لمدة خمس أشهر خارج الجزائر حيث قدمت له عروض لتهريج في فرنسا وأراد تقاسم الخبرة مع أبناء الوطن .
يؤكد بدوره على أن تطوير القدرات يكون بالاعتماد على النفس من خلال البحث عن مواضيع التي تعود بالنفع على الطفل والأخذ من التجارب العالمية في هذا المجال ،يشيد أيضا بالدعم الذي تلقاه من الوالدين الذين كان لهم الفضل في ما هو عليه .
بخصوص نظرة العائلة الجزائرية للمهرج يرى أن إقبال العائلات أصبح منعدم نوعا ما وهذا راجع حسبه إلى إختلاف الأجيال ،حيث كان للمهرج قيمة وميزة ومكانة في الأوساط العامة ،في حين اليوم ينظر للمهرج على أنه ساذج أو أن هدفه هو جني الأموال يقول في هذا الصدد أنه بهذه الطريقة قد يظلم المهرج وهو إعتقاد خاطئ لا بد من وعي تام لما يقدمه هذا الأخير في سبيل إدخال الفرحة على قلوب الأطفال، فالعمل شاق ومتعب.
وبالحديث عن التحديات التي واجهها عمران في وضع إثبات نفسه أشار إلى البدايات التي عادة ماتكون شائكة خاصة عندما يتعلق الأمر بالعتاد والملابس إستذكربذلك أول عرض بلباس مايسمى في الوسط الجزائري "زنقاوي" مقطع لحث الناس أن هذا العمل ليس فقط ألوان، بعد ذلك سعى إلى تطوير العمل أحسن بالبحث عن الملابس اللائقة, و مساحيق التي يضعها المهرج على الوجه وغيرها.
أيضا من بين الصعوبات التي يواجهها المهرج في المسرح تتعلق بالعائلات التي تلقي كلام غير لائق ك "تافه" و الأبله اللمّاح الساذج الساخر اللامبالي السعيد المسحوق..وغيرها تطيح من معنويات المهرج بالإضافة إلى عدم وجود مركز أو جهة رسمية خاصة بتكوين هؤلاء وفي هذا السياق طالب من السلطات المعنية إنشاء مراكز تكوينية في هذا المجال.
في الأخير يقول محدثنا بأن المهرج هو مكون لللأطفال، وهو مايقوم به من خلال فرقته "الأبرار کیدس" المكونة من 35 شخص فيها كل ما يحتاج الطفل من رسم ، تزين وقوف على الخشبة وغيرها ،أخيرا وجه رسالة إلى المهرجين مفادها ضرورة تغيير النظرة لهذة المهنة و العمل على الرسائل وليس على الجانب المادي :"ليس کل من يلبس ألوان ويضع مساحيق يقول أنا مهرج، المهرج هو من يضع برنامج لنفسه متطور هادف".
الرسائل التي يمررها المهرجين
التهريج عبارة عن رسالة وعروض بهلوانية ومسرحية فرقة الأبرار كيدس تقوم بمسرحيات تتحدث عن موضوع ما للتحفيز،مثلا عن الطبيعة للحفاظ على المحيط و عدم حرق الغابات ،أيضا مسرحية الأمانة و هي تحث على صون الأمانة وكذلك على الصحة والحفاظ على سلامة الأسنان وهذا بهدف إيصال رسالة هادفة و عند انتهاء كل عرض يتم إستجواب الأطفال عن مدى استيعابهم للموضوع ولمعرفة درجة التأثير لتأخذ الملاحظات بعين الإعتبار.
وكون هذه الرسائل موجهة للأطفال تحدثنا مع المختصة البيداغوجية شهيرة لحول عن تأثير هذا الأخير على مستوى تركيز وانتباه الطفل في الفصل الدراسي تؤكد بأن غالبا ما يتم إستدعائه في فترات غير فترات الدراسة إلا في حالة ما كان هناك، ينعكس إيجابا على نفسية الطفل، بحيث يقدم رسائل هادفة ممزوجة بالتسلية تفيدهم في مشوارهم الدراسي عن طريق التوعية بإعطاء نصائح تعود بالفائدة على تحصيله الدراسي وحتى في حياته اليومية.
بين الفكاهة والتعليم ...
وعن إمكانية أن يؤدي تواجد مهرجين في بيئة مدرسية إلى تشتيت انتباه الطلاب وبالتالي التأثير على تحصيلهم الدراسي تؤكد بأنه ينبغي مراعاة الأوقات المناسبة وينبغي جمع جميع تلاميذ المدارس في يوم واحد حتى لاينشغل التلميذ الذي يكون داخل الحصة عما يجري في الخارج في حالة ماكان هناك مهرج وبتالي يحدث تشتت لدى الطفل ويغيب التركيز والإنتباه للدرس لذا ينبغي تخصيص يوم فراغ خاص بالمهرج.
أما عن مدى تأثير ذلك التفاعل مع المهرج على مستوى التفكير الإبداعي لدى الطفل تجيب المختصة البيداغوجية أنه إذا كان المهرج يستعمل ألعاب الذكاء تشغل الذاكرة أو تستدعي التركيز والانتباه تعطيه الفسحة لإيجاد أجوبة هنا يكون التأثير على التفكير الإبداعي وبتالي يظهر جليا دور المهرج في الحرم المدرسي، من خلال ابتكار الحيل والأفكار وطرق تجعل الطفل يرسخ تلك المعلومات في ذهنه لأنها قدمت بطريقة مسلية.
ومن جهة أخرى ترى ذات المتحدثة أن غالبا مايكون تكرار نفس الموضوع الذي يقدمه المهرجين،وعليه دعت كافة المهرجين إلى تنويع الرسائل وإستعمال كل ما يثير ذكاء الأطفال حتى تكون تسلية وفائدة في الوقت نفسه.
في شق أخر تحدثنا المختصة عن التأثيرات النفسية الإيجابية التي يمكن أن يحققها المهرج في تعزيز التواصل الاجتماعي والثقة بالنفس لدى الأطفال وهو راجع إلى تكوين المهرج خاصة في الجانب النفساني والبيداغوجي والتربوي حيث يقدم نصائح وأفكار بإعتبارها رسائل تمس كل الفئات منهم المظطرب والمنعزل عن العالم الخارجي بتالي حضوره فرصة ينبغي أن تستغل، فالتفاعل يكون بإنسجامهم مع ما يقدم لهم مع الزملاء خاصة في الألعاب الجماعية، تحفزهم على المنافسة وبتالي يعزز التواصل وزرع الثقة في نفوسهم ،في الأخير نوهت بدور المهرج البارز،موضحة أن نجاح هذه العملية تكون بإحتكاك المهرج وتواصله الدائم مع المختصين النفسانيين والبيداغوجين وكذا الأرطوفونيين لمراعاة كل الاختلافات الموجودة لدى الأطفال.
وعن كيفية التعامل مع الطفل تحدثنا مع محبوب الأطفال الفنان والمنشط يزيد بلعباس قال أن التعامل مع الطفل صعب جدا وفي نفس الوقت فيه نوع من المتعة والجمال ،فالتعامل مع الأطفال من جانب الترفيه والتسلية يستدعي الحيطة والحذر من الأولياء لأن كل ماهو ترفيهي يمكن أن يؤثر على شخصيته مستقبلا .
في الوقت ذاته أشار إلى إمكانية إستعمال الترفيه بالأغاني الموجه لطفل كالأغاني التي فيها عبارات مفيدة يبقى يرددها وبتالي أكد أن أغاني الأطفال التي تحمل رسالة نبيلة تبقى من الأشياء المفيدة في تكوين شخصية الطفل والرد على الظواهر التي إستفحلت وسط الأطفال في المدارس وغيرها.
وفي السياق ذاته نرى جمعيات كثيرة تستدعي المهرجين في مختلف نشاطاتها فكانت جمعية زهرة بلادي عينة لمعرفة على أي أساس يتم إختيار المهرج فأفادت رئيسة الجمعية شهرزاد الحقاوي بأن خلال النشاطات الترفيهية التي تقدمها خلال السنة تقوم بنشاطات جوارية يتم خلالها جلب مهرج التي تراه من بين الضروريات للترفيه عن الطفل، مشيرة أن ماكان يقدمه المهرج سابقا كان عبارة عن حكوات يرسخها الطفل في ذاكرته يتعلم ويستفيد منها.
وفيما يخص اختيارها "للمهرج كوكو" تقول أنه يقدم رسائل فيها مواضيع مختلفة تضحك الطفل ويستفيد منها وأشارت إلى إقتراحها لبعض المواضيع التي ترى أنها ذات فائدة وحسب المناسبات كالتنمر وعن المفرقعات عند الاحتفال بالمولد النبوي وحثهم على ماهو نافع لهم ،الدخول المدرسي وكيفية إستغلال العطل عن طريق حفظ القرآن وأنشطة أخرى بطريقة تهريجية.
وبالنظر إلى بعض المهرجين تقول انه ليس كل مهرج يرقى للمستوى المطلوب ولابد من تكوين في الجزائر للنهوض بهذه المهنة.
في الأخير يمكننا القول بأن مهنة التهريج في الجزائر مجال بحاجة إلى تطوير وتنمية من خلال إنشاء مراكز توظف أهل الإختصاص بالإعتماد إلى التجارب والبحوث العلمية عالميا وتجسيدها في بلادنا وإستنادا لقول الممثلة والمخرجة السينمائية المعروفة ديان كيتون، التي جمعت خلال عدة سنوات مجموعة من 65 لوحة تمثل مهرِّجين، من إنتاج فنانين هواة “إن المهرِّجين يُرسمون عادة كأشياء تزيينية، ولكنها تدعو إلى التأمل، فبدلاً من مهرِّج الحي الذي يشتت تفكيرنا بأدائه وحركاته، تسمح لنا صورته المرسومة بالتأمل فيها، والتأكد أن هذا المهرِّج لم يوجد لإضحاكنا فقط، بل أيضاً ليسمح لنا بالتطلع إلى أنفسنا عن قرب”.