328

0

التحدي الحقيقي.. تجاوز مستوى من استعبدك يوما

 

بقلم: مسعود قادري

 

عندما يعود الإنسان إلى مخزون ذاكرته، ليسترجع مواقف وأحداث كثيرة تركت بصماتها في النفس ونقشت في الذاكرة لتبقى مع مر السنين والعقود تاريخ مستقل بكل تفاصيله وحيثياته ..

      فبالرجوع إلى المسيرة المهنية والاتصالات السابقة  مع الخارج من خلال رحلاتنا الصحفية إلى بعض أقطار العالم  من مختلف القارات، نستعيد ذكريات  نقشت في الذاكرة لمدلولها المؤثر في حياة الأمة والفرد.. وهذه الذكريات تطفو فوق السطح كلما صادفتها مناسبة ذات صلة تعاود الظهور لتسجل حضورها عندما تقارن وضع أمتك وبلدك مع أوضاع أمم كانت بالأمس القريب دونك شانا أوأقل مستوى  من بلدك اقتصاديا واجتماعيا و..

لكنها شمرت عن الساعد وقررت تحدي البلد الذي استعمرها ذات  مرة  ليس لبلوغ مستواه فقط ، بل لتخطيه  وتجاوز مستواه  بفضل أمرين اثنين  لا ثالث لهما،  تثمين العلم والقدرات والطاقات الفكرية لأبناء الأمة من الجنسين   وتقديس العمل كوسيلة لبلوغ الأهداف المرجوة بأتباع طرق النجاح التي سلكتها الشعوب من قبل ومن بينها المستدمر نفسه  لكن بعيدا عن المحاباة والمحسوبية  وتوارث المناصب دون أحقية ومؤهلات...

سنة 1988 كنت من بين الرباعي الصحفي الذي عين من وزارة الإعلام وقتها لمرافقة الوفد  الرياضي الممثل للبلد في العاب سيول الأولمبية، ولم تكن للجزائر وقتها علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية  ـ التي كانت مصنفة عندنا من بين الدول المساندة للإمبريالية، والمتخلفة " بين حاضنتين " بتعبير ذلك الزمان وطبعا حسب التضليل الإعلامي  الاشتراكي للمرحلة ـ  ، فالعلاقات الكبيرة كانت لبلدنا مع كوريا الشمالية، كانت  تعطي لنا صورة قاتمة عن الجنوب الكوري، مخالفة تماما للواقع ..

لكن عند وصولنا إلى سيول عاصمة البلد  قبل يومين من انطلاق العاب سيول الأولمبية في سبتمير 1988 كانت الصورة مختلفة تماما منظرا وسلوكا وتحضرا و... من بين الصور التي علقت بالذاكرة  من تلك الدورة . الدقة في التنظيم والتخطيط.. فقد  أعد الكوريون للحدث  منشآت رياضية  وإدارية وسكنية  أبرزها الأحياء العملاقة التي خصصت لإيواء الوفود المشاركة بكل تخصصاتها والتي هي في الأصل سكنات  للكوريين الذين ساهموا في إنجازها لتعود إليهم بعد الحدث الأولمبي فينالون شرف المساهمة في تنظيم حدث عالمي مع دولتهم  فيفتخرون بذلك .. !؟.

 الناحية التنظيمية كانت دقيقة حيث تم  توفير وسائل النقل ، الإسكان والإطعام بشكل لا يترك مجالا للانتقاد والتقليل من قيمة العمل نوعا وكما . كذلك الأمر في تنظيم الأحياء السكنية الخاصة بالرياضيين   التي لا يحق لأي كان زيارتها قبل الحصول المسبق على تأشيرة ومرافق يوجه الزيارة من الدخول إلى الخروج .. أما من الناحية الأمنية،  فالمراقبة صارمة لكل المداخل والمخارج مع توزيع أعوان أمن مدنيين لمرافقة الوفود الإعلامية والرياضية والرسمية يؤدون مهامهم بلباقة وأدب واحترافية عالية ، تجعل من يرافقونه يحس وكأنهم مرافقوه. من جانب  الاتصال والتواصل كونت شباب كوريون في كل اللغات وعينوا كمترجمين للوفود المشاركة  فكان  أغلبهم في مستوى مهمته إلا مترجم الوفد الرياضي الجزائري فكان يشتكي من قلة العمل وتناقض مكونات الوفد حيث لم يفهم صاحبنا إن كان الوفد عربيا كما قيل له في التكليف الرسمي  أم فرنسيا لكون المحيط الذي وجد فيه لا علاقة له بالعربية ، فهو محيط مفرنس بالكلية تقريبا.. !؟. فقد وجدنا هذا الشاب حائرا في أمره خلال زيارتنا لمقر الوفد، يشتكي البطالة  وقلة التواصل مع محيطه الضيف ، الذي أبدى بعض أعضائه استياء كبيرا من قلة استعمال اللغة الفرنسية في الدورة وكأنهم فرنسيون .. .. !؟

 الشاهد هنا  والفكرة التي أريد تبليغها  للقراء الكرام بعد هذا  التقديم الطويل نوعا ما،هي أن مرافقنا الأمني  كان من الأعوان ألأذكياء اللبقين والمثقفين الذين كونوا تكوينا عميقا وزودوا بمعارف دقيقة عن  الجزائر واصلها وفصلها وتاريخها القديم والحديث والبلد الذي احتلها ومدة احتلاله  وغير ذلك من المعلومات التي تجعله يندمج معك بسهولة " هذا العون الشاب  اسمه بارك " كان لطيفا ومؤدبا ولا يحرج أحد ، كما كان يتعاطف مع الجزائريين في المنافسات وخارجها ويعتبر الثورة الجزائرية قدوة للعالم المتحرر .. فقد كان دائما يردد لنا قوله :" لقد عانينا نحن في كوريا من الاحتلال الياباني ورأينا منه العجب مثلما قاسيتم أنتم مع الفرنسيين فنحن نكره اليابانيين كما تكرهون أنتم الفرنسيين .. !؟.." وكرهنا لهم يجعلنا نجتهد كثيرا في تطوير بلدنا لنلحق بهم ، بل لنتخطاهم في الصناعة والتكنولوجيا وكل مجا لات الحياة ..هذا الكلام ضل دائما يرن في أذني  ويدفعني إلى المقارنة بين  الكره الدافع للمنافسة والتطور والكره الذي  التي حوله البعض إلى إعجاب يبقيك تابعا لمستدمرك  في كل خطواته ولا تستطيع التحرر منه  فكريا وثقافيا واقتصاديا و..  فهو كره عند فئة دون آخرين  فالذين يكرهون المستدمر كثيرا ما يساهمون في خدمته مجانيا بتطوير لسانه وفرضه على أجيال المستقبل وبينما هناك كره ظاهر حفاظا على المصالح والامتيازات تجد الكره الحقيقي عند المغلوبين على أمرهم من الذين مازالوا يعانون مخلفات الاستدمار بكل تفاصيلها وحيثياتها ، لكن طاقة لهم في إظهار كرههم للاستدمار الذي خرب حياتهم وحياتهم أسلافهم ومازال ...

 لو فكر الجزائريون مثل الكوريون تفكيرا إيجابيا  لما بقينا تحت الضغط ولما تعرضنا في كل مرة للمساومات العنصرية والتفاهات التي تتسببت فيها فئات  معينة  من المحظوظين  خدمة لأحباب زمان  فتنعكس بالسلب على المجتمع الذي بقي بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال  تابعا لغويا وفكريا  لمن دمره وأهانه طيلة 132سنة ولا يستطيع الخروج من  الدائرة التي وضعته فيها اتفاقيات كان يمكن التخلي عنها منذ مدة طويلة .. !؟..

 فلنقارن أنفسنا مع كوريا الجنوبية التي صارت واحدة من عمالقة الصناعة والتقنيات الدقيقة والكبيرة والاقتصاد العالي  وهي من شركائنا الاقتصاديين حاليا في عدة مجالات وأين نحن ..؟ ! هم ينافسون اليابان مستعمرهم السابق في التطور العلمي والتقني والصناعات المختلفة الدقيقة والكبيرة ، لأنهم فصلوا  منذ استقلاله في أمورهم مع مستعمرهم ولم يتركوا له فرصة لي الذراع في كل مرة، كما هو شأننا مع بعض مخلفات العهد الاستدماري العنصري  الذي تتحين بعض  طوائفه العنصرية  الظروف لتنقض عليها بأسلحتها الإعلامية المضللة وتصريحات أبناء المعمرين السابقين والضباط المجرمين المهددة والمتوعدة وكأننا مازلنا تحت مضلتهم .. مع أننا ـ والحمد لله ـ نملك إمكانيات كبيرة للتحرر النهائي من فرنسا وتبعياتها لكننا  بقينا تحت طائلة أبنائها بالتبني المتحكمين في بعض قطاعات حياتنا رغم عدم حاجتنا إليهم.  وكمثال على ذلك  القطاع الصحي الذي يعاني الأمرين في بلادنا وجحافل الأطباء الذين كونوا في معاهدنا وجامعاتنا يخدمون الفرنسيين بينما أهاليهم يعانون من قلة ورداءة الخدمات الصحية في البلد .. فلو خصصت الدولة اهتماما لجلب كل المختصين في الخارج وتشجيعهم بالقروض والتسهيلات لإقامة مستشفيات وعيادات  متخصصة عبر الولايات، لاسترحنا من فاتورة الضمان الاجتماعي الكبيرة التي تستفيد منها فئة المحظوظين في البلاد  ويدفع ثمنها الشعب مرتين   ، الأولى بالعملة الصعبة والثانية بالإهانات والضغوط التي يعتبرها الفرنسيون ـ  المتنكرون لخيرات الجزائر الجاحدون لمستحقاتها الكبيرة جدا لديهم منذ دخولهم البلد غازين قبل 180سنة  من الآن  وسرقتهم لخزائنها العامرة بالذهب والأموال والتحف القيمة والنادرية.. !؟ـ ـ  فيعتبرون تكاليف العلاج الزهيدة جدا مقارنة مع ما يستفيدون من البلد وما يجدونه من تفضيل في المعاملة  الاقتصادية والجارية  ـ أمرا يقلل من قيمة الجزائر التي يجعل منها بعضهم مشجبا يعلق عليه كل فشل سياسي أو اقتصادي يعترضه .. ويستخدمونه كورقة للضغط و السعي لعرقلة عجلة التطور في بلد يريدونه أن يبقى في خدمتهم وتحت سيطرتهم على غرار بعض المحميات  التي يعيثون فيها فسادا  ويمتصون خيرات شعوبها التي هي في أمس الحاجة  للقمة العيش  وفضلات الفرنسيين خاصة والأجانب عامة ..

فلو أخذنا العبرة من كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية وبجلنا العلم والعلماء وقدسنا العمل  لما بقينا نترقب  تصريحات  أبناء المعمرين المطرودين شر طردة من وطننا .. !؟ .. فلننظر أين هي كوريا ، بنغلاديش  وفيتنام  وحتى رواندا القريبة منا وغيرها من الدول التي تخلصت من ثقافة مستدمرها وأعطت الثقة التامة لأشبالها  ومثقفيها ، وأين نحن جراء ما تدبره لنا فرنسا ومن يخدمها في بلدنا  ممن يفضل كل مايأتيه  من باريس  رغم رداءته على أجود ما يأتي من غيرها.. !؟

 إنه الانبهار بالمستدمر، رغم أن سلفنا الصلح انتصر عليه عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا.. لكن مخلفاته  في الأرض كانت نباتا خبيثا  وجب التخلص منه وإبعاده عن دواليب التسيير والحكم في البلاد مع ضرورة التغيير الجذرى  من برامج وأنظمة التكوين الفرنسية من مدارسنا العليا وخاصة المكلفة بتكوين إطاراتنا والتي أبقت الكثير منهم تابعا فكريا لما استقاه من مراحل تكوينها التي لا تخلو من دس  السم في العسل  وليس في الدسم فقط.. !؟

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services