33
0
التفرقة بين الأبناء .....انهيار أسري بطيء

تعتبر التفرقة بين الأبناء، انهيار أسري بطيء، يتخذ عدة سلوكيات سلبية تمارس دون وعي وانتباه من الوالدين، تجعل العلاقات متشنجة بين الأطفال بسبب التفضيل الذي يعتبر بؤرة العقد النفسية في حياة الطفل .
شيماء منصوربوناب
يجمع العديد من الأساتذة المختصين في علم النفس الأسري، على أن التفرقة بين الابناء هي أسلوب عنصري غير عابر، كونها تمثل العامل المؤثر في تشكيل شخصياتهم وعلاقاتهم المستقبلية.
التفرقة الأسرية....بين الأسباب و الأنواع
وقد أكد المختصون، أن هذه التفرقة تراعي جوانب عدة يمكن تحديدها في التفرقة العاطفية من خلال إظهار الحب أو الاحتضان لأحد الأبناء أكثر من الآخر، بالإضافة إلى التفرقة في العطاء المادي كتفضيل أحد الأبناء بالهدايا أو المصروف أو تلبية الطلبات.
كما نجد التفرقة في الفرص سواء في التعليم أو الترفيه أو النشاطات لأحد الأبناء وحرمان الآخرين، ذلك دون التفرقة في العقوبة أي معاقبة ابن على خطأ وتجاهل نفس الخطأ عند الآخر.
وفي هذا الصدد لفتت المختصة الأسرية و التربوية الكوتش نايت مسعود ، بأن التفرقة بين الابناء ممارسة غير واعية من الوالدين تجعل العلاقات متشنجة بين الأطفال بسبب التفضيل الذي يكون بؤرة العقد النفسية في حياة الطفل .
موضحة أن هذه التفرقة تنسج تشوهات نفسية في حياة الطفل المهمش بسبب ميول أبوي تظهر سيماته بشكل واضح في التعامل مع الأبناء في شكل فروقات و مقارنات مسيئة، يتعداها الأمر إلى إهانات جارحة لأحد الاطفال على حساب طفل آخر.
ونوهت بأن هذا السلوك يعزز في نفس الطفل الشعور بالقلق والتوتر على المدى البعيد كما يخلق له فجوة حادة في علاقته مع إخوته حينها فقط يدخل في صراعات نفسية وحقد وحسد وأحيانا تصبح الحالة أكثر شدة تجمع بين الأضرار النفسية والجسدية على حد سواء.
وبخصوص الأبناء الأكثر تعرضا لهذه التمييز ، تشير الأخصائية، للطفل الوسطي ، الذي ينشأ بين أخوين أحدهما الأكبر "الفرحة الأولى" كما يطلق عليه، والآخر المدلل الصغير ، هذا التباين يجعل الطفل في شتات و إهمال إذ ليس هو العنصر الاخير فيدلل و ليس الكبير فيقدر.
هذه العلاقة تولد صراع داخلي للبحث عن موقع الطفل في الأسرة ، يحاول جاهدا ابراز مكانته بينهم بكل الطرق و الوسائل حتى إن أصبحت تلك الوسائل آلية تمرد و تهجم .
تجارب حية و حالات نفسية من الواقع الجزائري
واستنادا لتجارب ميدانية مرت عليها في مكتب الاستشارة، أشارت الكوتش لواقع مراهقة تعاني نفسيا من اضطرابات سلوكية حادة بسبب أختها الصغرى ، التي كانت سببا في تغيرها جذريا، حيث اصبحت الأخت المولودة حديثا، محط الانظار و الاهتمام في حين ان الأخت الكبرى ضلت بعيدة كل البعد عن ذلك، وهو الأمر الذي دفعها لتفسير سلوكيات أسرتها وأمها بوجه الخصوص في معاملتها لها على أنها نفور منها أو كره.
وتابعت، هذا الاعتقاد وَلّد داخلها نوع من التهميش النفسي الذي جعلها تخترع شخصية وهمية داخل عقلها تحادثها تحت مسمى "بيتر" الذي كان صديقها الخيالي المرافق لها .
هذه الحالة التي أصبحت ملازمة لها جعلتها تعيش في واقع وهمي سيطر عليها، حتى في فترة العلاج حين حاولنا اقناعها بحقيقة بيتر الوهمية، فتجاوبت بطريقة عنيفة وقالت" خذي كل شيئ إلا بيتر...!!!."تضيف الكوتش"
استنادا لهذا الواقع تتضح حجم الكارثة التي تشكلها المعاملات التمييزية بين الأبناء، يعني يصبح الطفل يتهرب من واقعه و ينفر من ذاته ويبحث عن البديل فقط ليرضى نفسه المهملة و المهمشة من طرف الأولياء.
مؤكدة أن الآثار السلبية لهذه السلوكيات تبقى في عمق الطفل في ذاته المتخفية حتى يكبر ، و إن لم تتعالج تزيد حدتها أكثر ، وهو ما شهدته في مكتبي حين عالجت امرأة متزوجة تعيش حالة من الوسوسة، و عدم الانتباه و التركيز، فبعد معاينتها قالت أن أختها دائما ما تقف في وجهها بسبب مشكلات صغيرة أوحتى دون أي شيئ..
وبالرجوع لذاكرتها تشير الى أنها في فترة دراستها كانت معتادة على ترتيب لوازمها قبل النوم وفق جدول الدراسة لكن دائما ما تتفاجى في القسم بلوازم خاطئة عكس البرنامج،.... وبعد سردها لكامل القصة صارحتها اختها أنها من كانت تغيرها غيرة منها لأنها كانت الابنة الناجحة و المتفوقة عكس اختها .... لكن مع الأسف هذه الغيرة جعلتها ترسب في دراستها وحياتها دون دراية بان السبب هو معاملة والديها لها ولأختها.
تراكمات سلبية بسبب التفرقة الأسرية
في هذا الصدد شددت الأخصائية على الحب والطواعية في التعامل بين افراد الأسرة، لأن أي علاقة تبنى على الظلم و التفرقة تكون نهايتها الهلاك، بشكل تدريجي يؤثر بالدرجة الأولى على نفسية الطفل ويولد داخله صراعات حادة يصعب التعامل معها.
ولفتت بأن هذه الصراع له تبعات أخرى تنعكس على المجتمع ، من خلال قطع صلة الرحم بعد موت الولدين، وهو ما نجده شائعا بكثرة حين العلاقة تقطع نهائيا بعد فقدان عماد الاسرة.
وفي ذكرها لآليات حماية الاسرة من هذا الانهيار البطيء، قالت أنه بالنسبة للوالدين لابد من المعاملة الطيبة والحسنة لجميع الأبناء سواء كانوا مجتهدين أو فوضويين أو هادئين لأن الابن يستحق الاحترام ويستحق أن نعامله كإخوته.
وحثت في ذات الاطار على العدل بين الابناء لأنه واجب شرعي قبل أن يكون واجب تربوي وأن التفرقه ستؤثر على مستقبل هؤلاء الأبناء وتضر بصحتهم النفسيه وحتى الاجتماعية والأسرية.
مؤكدة أن صحة الاسرة و تماسكها مرهون باظهار الحب والود والاحترام والاهتمام لجميع الأبناء بطريقة متساوية .
كما أن احتواء الطفل نفسيا يراعي معالجة مخاوفه في وقتها لتفادي التراكمية السلبية المخزنة في ذاته الداخلية.
في الأخير شددت على أهمية تقسيم الأدوار في الأسرة وتوضيح الخطوط الكبيرة و الصغيرة في التعامل، مع تبيان المسؤوليات حسب خصوصية كل طفل وسنه من أجل ضمان التوازن الأسري الصحي الذي يعزز معالم تشكيل هوية الطفل بشكل صحي ايجابي.