98

0

"الصمت القاتل: كيف حوّلت الأنظمة العربية والإسلامية غزة إلى مذبحة صامتة؟"

بقلم /  الحاج عيسى بن معمر 

 

في ظلِّ دويّ القنابل التي تُهشِّم عظام الأطفال تحت أنقاض بيوت غزّة، وصمتِ السّياسة الرسمية العربية والإسلامية الذي يُشبه صمتَ القبور، تتحوّل حرب الإبادة الإسرائيلية إلى اختبارٍ حقيقيٍّ لإنسانية الأمم وأخلاقية الأنظمة.

منذ 7 أكتوبر 2023، ارتفع عدد الشهداء في القطاع إلى أكثر من 164 ألفًا، بينهم آلاف الأطفال والنساء، بينما يُراوح 14 ألفًا في عداد المفقودين تحت الركام، وفقًا لتصريحات حركة الجهاد الإسلامي.

ورغم هذه الأرقام الكارثية، تظلُّ الحكومات العربية والإسلامية أسيرةَ صمتٍ مُطبقٍ، بل ومتواطئةً في بعض الأحيان، بينما تُحوّل الشعوبُ غضبَها إلى شوارعِ المدنِ وهتافاتِ المسيرات،  لا يقتصرُ الصمتُ العربي على مجردِ غيابِ الموقف، بل يتجاوزه إلى تعاونٍ مُباشرٍ مع آلة القتل الإسرائيلية.

فبعضُ الأنظمةِ العربية، كما يُشير الصحفي هشام جعفر، لم تكتفِ بالتخلي عن واجب النصرة، بل ساهمتْ في تقديمِ دعمٍ ماديٍّ وسياسيٍّ للكيان الصهيوني، مقدِّمةً مصالحَها الاقتصاديةَ على حسابِ القيم الإنسانية، هذه "الواقعية" المُزيَّفة تتعارضُ جذريًا مع إرادةِ الشعوب التي تُعبِّرُعن غضبها عبر إضراباتٍ شاملةٍ، كما حدث في الضفة الغربية ومخيمات الشتات في 7 أبريل 2025، حيث شلَّت الإضراباتُ المدارسَ والجامعاتَ والمحاكمَ تضامنًا مع غزة.

وفي الأردن، خرجت مسيراتٌ حاشدةٌ أمام السفارة الأمريكية في عمّان، مُطالبةً بقطعِ العلاقاتِ مع إسرائيل وإلغاءِ اتفاقية وادي عربة، في مشهدٍ يُجسِّدُ الفجوةَ بين مواقفِ الشارعِ وسياساتِ الحكومات.

لا يُمكن فهمُ صمتِ المجتمع الدولي دون الغوصِ في شبكةِ المصالحِ الغربيةِ المُعقَّدة، فكما يُوضح الكاتب أحمد رفيق عوض، تُهيمن اللوبياتُ المؤيدةُ لإسرائيل على وسائل الإعلامِ والجامعاتِ وحتى القراراتِ السياسية في أوروبا وأمريكا، حيثُ يُعتبرُ انتقادُ إسرائيلَ "تابوًا" يُهدِّدُ المصالحَ الانتخابيةَ للسياسيين،  بل إنّ بريطانيا، كما يكشف الصحفي الاستقصائي مات كينارد، شاركتْ بشكلٍ مُباشرٍ في الحرب عبر توفيرِ معلوماتٍ استخباراتيةٍ ودعمٍ لوجستيٍّ للجيش الإسرائيلي، ما يجعلُها شريكًا في الإبادة الجماعية إلى جانب الولايات المتحدة.

هذا التواطؤُ يُفسِّرُ لماذا فشلتْ كلُّ المحاولاتِ البرلمانيةِ العربيةِ، مثل تلك التي ناقشها الاتحاد البرلماني الدولي في طشقند، في إجبارِ المجتمع الدولي على اتخاذِ موقفٍ حاسمٍ، فلسطين ليست مجرد أرضٍ أو قضيةٍ سياسيةٍ، بل هي رمزٌ دينيٌّ وتاريخيٌّ يُجسِّدُ الصراعَ بين الحقِّ والباطل، بين العدلِ والظلم.

ففي الوجدانِ الإسلاميّ، تُعتبرُ القدسُ ثالثَ الحرمين الشريفين، وهي قبلةُ المسلمين الأولى ومكانُ إسراءِ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أمّا في الوجدانِ المسيحيّ، فهي مهدُ المسيحِ عليه السلام وأرضُ الأنبياء.

هذا البُعدُ الدينيُّ يجعلُ من قضيةِ فلسطين قضيةً عالميةً تمسُّ ضميرَ الإنسانيةِ جمعاء،  ومع ذلك فإنّ الصمتَ الرسميَّ العربيَّ والإسلاميَّ يُفاقمُ من جرحِ فلسطين، ويُحوِّلها إلى مأساةٍ إنسانيةٍ تُعاني من الإهمالِ والتجاهلِ من قِبَلِ من يُفترضُ أن يكونوا حماةَ الحقِّ والعدل.

في النهاية، فإنّ الصمتَ الرسميَّ العربيَّ والإسلاميَّ حول حربِ الإبادةِ في غزّة ليس مجردَ تقصيرٍ سياسيٍّ، بل هو خيانةٌ للقيمِ الإنسانيةِ والدينيةِ التي تدَّعي هذه الأنظمةُ تمثيلَها،  إنّ استمرارَ هذا الصمتِ يُهدِّدُ بتحويلِ فلسطينَ إلى مجردِ ذكرى في كتبِ التاريخ، بينما تُدفنُ الحقيقةُ تحت أنقاضِ البيوتِ المُدمَّرةِ وأجسادِ الأطفالِ الأبرياء.

إنّ الوقتَ قد حانَ ليقفَ العالمُ بأسرهِ أمامَ مسؤولياتِه، ويُعيدَ النظرَ في مواقفِه تجاهَ هذه القضيةِ العادلة،  ففلسطينُ ليست مجردَ أرضٍ، بل هي ضميرُ الإنسانيةِ الذي يجبُ أن يظلَّ حيًّا ونابضًا بالعدلِ والكرامة.

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services