1769

0

الشيخ عبد الكريم الفكون ...شخصية فذة في تاريخ الجزائر

 

إبتعد الكثير من الباحثين في عصرنا هذا عن حال مفكرين ساهموا في تراثنا العربي الأصيل، ولاسيما لجلة من علماء وأدباء في الجزائر عموما، وعلى وجه الخصوص قسنطينة. ومن أبرزهم شخصية الإمام والعالم عبد الكريم الفكون القسنطيني.

 الذي أتى عليه حين من الدهر ، ظل فيه كنزا دفينا وركازاً مخبوءا، بعيداً عن الأضواء، مختفياً في دوائر الظلال، لا يكاد يرسوا على شاطئه باحث أو يأنس لأجوائه دارس، أو يرنوا إليه قلم.وذلك بالرغم من البريق اللامع الذي تألقت به شخصيته بوصفه علماً من أعلام المدرسة السلفية إبان القرن العاشر الهجري.ولا يزال الأمر كذلك حتى التفت إليه بعض الباحثين ففتحت الطريق إلى دراسة تلك الشخصية الفذة في تاريخ الفكر الإسلامي وفي تاريخ الجزائر.

مريم بوطرة

 

مولده ونشأته:

هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن يحي الفكون التميمي من قبائل تميم العربية ، ولد عام 988ه/1580م، بقسنطينة. وسمي على جده؛ لأنه ولد على أثر وفاته. ويخبر الفكون نفسه أنه عندما كانت والدته حاملا به سألت جده الدعاء فقال لهاجعل الله عمارة الدار منك.

وأما والده فهو أبو عبد الله محمد، خطيب الجامع الأعظم، كان فقيها صوفي، توفي بعد رجوعه من الحج في أواخر محرم عام 1045هـ في إحدى قرى مصر وتسمى المويلح وأما أمه فهي عربية وزيادة إلى ذلك فهي تنتمي إلى النسب الشريف فقد ذكر الفكون في منشور الهداية فتنة وقعت بقسنطينة وذكر أن جده للأم كان مزوار الشرفاء وقائد جيش البلد .

العوامل التي ساعدت على تكوين شخصية الفكون العلمية 

شيوخه: قرأ الفكون على الشيخ التواتي (المرادي) سنة 1031 مرارا و(شرح ألفية بن مالك) وعقائد السنوسي بشراحها وابن الحاجب بمطالعة التوضيح عليه، والتذكرة للقرطبي وحضره للتفسير نحو 10 أحزاب، وكتاب مسلم بن الحجاج بمطالعة الأبي، كما قرأ عليه حاشيته جمع التكسير على المرادي له ومباحثات في الإعراب للسيوطي

كما قرأ كذلك بعض مسائل الاضطراب وبعض مسائل الفرائض على محمد الفاسي، الذي قدم من فاس ونزل بمدرسة الفكون وذكر أنه ناقشه فرأى منه قصورا سوى ضوابط معه وقد فتح عليه السنوسي شارح زمام الرائض في علم الفرائض للحوفي فلم يجد لهذا الشيخ معرفة في معاني الألفاظ، ولا بالصناعة الكورية فأطبق الكتاب لما تيقن من عجزه وطالعه وحده ففتح الله في عمل الفريضة بالطريقة الكرية.

وقرأ أيضا  للشيخ أبو ربيع سليمان بن أحمد القشي من بلدة نقاوز وانتقل إلى قسنطينة حيث درس على الفكون الجد ، ثم قصد الحجاز لكنه توقف بمصر حيث قرأ على عالمها سالم السنهوري المختصر والرسالة والألفية وألفية العراقي، ثم رجع إلى قسنطينة حيث قرأ عليه شرح الصغرى، وقطر الندى والأجرومية وبعض أوائل الألفية كما قرأ على أبو عبد الله محمد بن راشد الزواوي وأبو فارس عبد العزيز النفاتي الذي قرأ بتونس على الشيخ الشريف النجار،هذه هي العوامل التي ساعدت على تكوين شخصية الفكون العلمية رغم الجهل والفقر.

تلاميذه : مارس الفكون التدريس في مسجد المدينة وزاوية أل الفكون التي يبدو أنها كانت من بين من استقبل طلبة العلم ، فالزاوية بها إقامة للطلبة ، وقد استقر بها محمد بن راشد الزواوي وربما استقبل الشيخ ببيته سواء بغرض الزيارة أو طلب العلم.ولم يكن الفكون يأخذ أجر التعليم بل كان هو الذي يتكفل بالنفقة على طلبة العلم، فقد ذكر ثلاثا من طلبة العلم منهم اثنان من جبل زواوة فقال: وقصد بذلك صاحبنا أبو العباس تخفيف المؤونة على عامله الله بالحسنى فأجريت لهم ثلاثتهم المؤونة

وقد تخرج على يد الفكون كثير من العلماء الكبار لعل من أشهرهم أبي مهدي عيسى الثعالبي من موطن الثعالبة توفي عام 1080هـ، تلقى العلم بمسقط رأسه ثم رحل إلى الجزائر، وقد تتلمذ على سعيد قدورة وعلي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي.

 لكن بعض الأحداث أهمها وفاة شيخه الأنصاري بالطاعون عام 1057هـ وثورة بني الصخري في الشرق الجزائري، والثورات ضد الباشا يوسف الذي كان مقربا للثعالبي ورميه في السجن، جعل الثعالبي خائفا على نفسه فتوجه إلى قسنطينة وإن لم مقامه بها لعدم استقرارها ولا شك أنه قد اتصل فيها بالشيخ عبد الكريم الفكون وروي عنه الحديث ونحوه ولكنه لم يلبث أن غادر قسنطينة، وقد ظل متنقلا بين قسنطينة وزواوة وبسكرة إلى أن غادر الجزائر سنة 1061ه قاصدا الحج .

من أبرز مؤلفات الثعالبي كنز الرواة المجموع من درر المجاز 

وقد أورد الثعالبي مرويات الفكون في كنزه، ووصف العياشي (كنز الرواة) بأنه أعظم الكنوز وأثمنها وأوعاها أبي سالم العياشي، لم يذكر ما قرأه وإن كان قد لخص لنا أهم ما اطلع عليه من مؤلفات منها(محدد السنان في نحو إخوان الدخان)، و(الديوان في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم) وذكر أنه قرأ عليه بعض كتاب الموطأ للإمام مالك، والصحيحين والسنن الأربعة (البخاري ومسلم) والنسائي والترميذي وابن ماجة وأبي داوود وطرفا من الأحكام الصغرى لعبد الحق الإشبيلي والشفاء للقاضي عياض، والشهاب القضاعي .كما أجازه الشيخ عبد الكريم الفكون وغيره من فطاحل علماء العصر

موقفه من السياسة: ما يمكن قوله هو أن الفكون كان بكره التقرب من الأمراء ومخالطتهم، ومجالسة السلاطين، كما أنه لم يتعرض لكثير من الأحداث السياسية المهمة التي وقعت في عصره، والتي من أبرزها ثورة ابن الصخري عام 1637،كذا الصراع بين الإسلام والصليبية في هذه الفترة، لكن الفكون كان رجل دين وعلم يؤمن بعدم التدخل في الشؤون السياسية والمحافظة على مكانة رجل الدين والعلم أمام رجل الحكم والسياسة

موقفه من التصوف: رغم نقد الفكون لمتصوفة عصره فإنه كان شخصيا من المتصوفين، وكان في الواقع شاذليا زروقيا. وهو لا يخفى ذلك أو ينكره بل يعلنه في غاية الصراحة. وكان يسير على مقتضى تعاليم الطريقة الشاذلية والطريقة الزروقية في أرائه وسلوكه. وقد تأثر بهذه التعاليم.

مؤلفات الفكون: لقد ترك الفكون تركة علمية هائلة من الكتب والكتيبات التي يسميها تقاييد أو رسائل و قد ألفها جميعا فيما يبدوا قبل توليه وظائف أبيه إلا أقلها كما سنعرف. وموضوعاته متنوعة فيها الاجتماعي مثل منشور الهداية ومحدد السنان، وفيها اللغوي والنحوي مثل فتح اللطيف وشرح شواهد أبي يعلى، ومنها الأدبي مثل ديوانه وقصائده الأخرى، ونحو ذلك. وهو من أكثر معاصريه تأليفا وأهمية وتنوعا.

 ونلاحظ أن بعض أعماله تقع في مجلد وبعضها لا يتجاوز الكراسة أو الاثنين. وهذه هي قائمة إنتاج الفكون منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، ألفه بعد 1045 ،محدد السنان في نحو إخوان الدخان ديوان شعر في المديح النبوي، سنة 1031تقييد ذكر فيه مرضه سنة 1025_1028، واشار إليه في منشور الهداية قائلا عن المرض ” وتلونه وعدم مجيئه على صفة واحدة،(مجموعة خطب)،هذه أسماء من مؤلفات ذكرها بنفسه أو نسبها إليه تلاميذه كالعياشي والثعالبي. وقد يكون له غير ذلك.

وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل توفي يوم الخميس السابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1073هـ ، شهيدا بالطاعون الذي حل بقسنطينة ، وختاما الحديث عن علم من أعلام الجزائر عموما، وعلى قسنطينة خصوصا، ناهيك عن المكانة العلمية الراقية التي كان يتمتع بها سواء من خلال مجالسته للعلماء والمشايخ ، أو من خلال آثاره العلمية التي تجلت في تلاميذه ومؤلفاته, التي شاعت وذاعت في أقطار العالم الإسلامي، كما عرفت سعة علم الفكون من خلال تنوع إنتاجه الفكري وشموليته لمختلف الفنون كالفقه واللغة والأدب والتصوف وغيرها.

كما أنه تأثر بالظروف المحيطة به وخاصة حركة التصوف ، التي غلبت على مؤلفاته مسحة صوفية تجلت في كثرة نقله وإستئناسه ببعض اللطائف التي قال بها أهل الإشارة دون أن ينساق وراءها.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services