452
0
الشورى في ذكرى "لؤلؤة الإسلام "
الشيخ محمد الغزالي {1917 ــــــ 1996} نموذج فريد في دعاة القرن العشرين
محمد مراح
الشيخ محمد الغزالي {1917 ــــــ 1996} نموذج فريد في دعاة القرن العشرين؛ حسم بشخصيته الأزهرية
المعادلة الوحيدة لاستئناف المسلمين وجودهم ورسالتهم ، في دورة حضارية لم تعرف لها البشرية نظير .
المعادلة هي :
{ إمكان الاستخلاف الحضاري = فطرة نقية +عقل نظيف + توازن الانتقاء والابتكار} .
وفي ظلال ذكراه الثامنة والعشرين رحمه الله ، نسوق نموذجا من فكره النيّر الوهاج ، تتجسذ فيه هذه المعادلة ، التي نزعم أنَها ضابط فكره ودعوته.
هاهنا هنيهة : أ/وعندما اندلعت الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954، كان الغزالي مسؤولاً في وزارة الأوقاف المصرية، ولم يتردد في فتح المساجد لرجال جبهة التحرير الوطنية لتكون منبراً للدعاية للثورة التي آمن بشرعيتها، وتفاءل بنصرها القريب، فيقول عن المجاهدين الجزائريين: “كانت تضحياتهم سيلاً مواراً بالدماء والأشلاء، حتى تأذن الله بالفرج، وانكسرت القيود، وعادصيحات التكبير تنبعث من المساجد التي غلقت. / مولود عويمر "الشيخ محمد الغزالي في الجزائر- الأستاذ الدكتور مولود عويمر" ، https://shamela-dz.net
ب/ :يقول الدكتور عمار طالبي :" ولا انسى موقفا اغرورقت فيه عيناه [ الشيخ الغزالي]بالدموع، وشهق شهقة عميقة، لمّا ان زرنا مدينة خنشلة ... وقمنا بزيارة مقبرة الشهداء، وكانت قصتها عجيبة؛ إذ عُثررعلى حفرة هائلة ألقي الاستعمار الفرنسي فيها جثث ألف شهيد بقيودهم واغلالهم ولباسهم وأحذيتهم، فنقلوا ودفنوا في مقبرة فيها ألف قبر لألف شهيد" /. أ.د. عمار طالبي"الشيخ الغزالي كما عرفته في الجزائر" مجلة إسلامية المعرفة، عدد السابع الخاص بالشيخ الغزالي رحمه الله . 1417ه 1997م .
وقد توجهت أنظار كثير من العلماء وقادة الإصلاح والتغيير الإسلامي للمراجعة والاجتهاد في نوازل الأمة و مستجداتها ؛ اجتماعيا ، وتربويا وثقافيا وربما فلسفيا ،واقتصاديا وسياسيا . كل ذلك على ضوء معايير/ عوامل هي : التراث العلمي والحضاري للأمة الإسلامية ـ الثقافة والنموذج الحضاري الغربي الطاغي الغالب ـ الواقع الإسلامي البائس .
وقد اخترنا الحديث عن فقه الشورى الإسلامي المعاصر عند الشيخ محمد الغزالي للاعتبارات الآتية :
- المساحة الواسعة التي احتلتها المسألة السياسية والتفكير السياسي من فكر وجهاد الشيخ محمد الغزالي. حتى لا يكاد يخلو كتاب من كتبه منها نحو عشرة كتب من تراثه العلمي الدعوي يمكن عدها كتبا في الفقه العلمي الحركي السياسي
- يمكن اعتبار فقه الشورى النواة التي يدور عليها اجتهاده وتجديده الفكري الدعوي السياسي .
- الجرأة التجديدية التي اتسم بها فقهه السياسي خصوصا في مسألة نموذج الحكم الإسلامي ، وقاعدته الذهبية في فقه الشورى.
- لو طلبت وصفا لسمة الجو السياسي الأبرز الذي هيمن على محيطه المصري المباشر وامتداده العربي الإسلامي ، لما وجدت أنسب من صفة / واقع " الاستبداد"، الذي يمكن أن ُتقارب على ضوئه كل الحالة السياسية آنئذ ، وما أفرزته من أحوال كئيبة في كل مناحي الحياة. ولذا لا يستغرب الدارس إذا وجد كتاب محمد الغزالي " الإسلام والاستبداد السياسي/ طبع عام 1951م أحد الكتب الأربعة الأولى فيما ألف.كما يمكن فهم كيف رد إليه معظم أسباب تخلفنا حضاريا في أكثر أدوار تاريخنا الإسلامي، حتى ليعد المساحة المظلمة في خريطة مسار الحضارة الإسلامية، عدا فترات/ الاستثناء التي تؤكد الحكم ولا تنقضه.
- إحساسه العميق بالأزمة ـ في بعدها السياسي ـ التي عصفت بالكيان الإسلامي ، فغروب الحكم الإسلامي الراشد في فترة مبكرة من التاريخ الحضاري للأمة الإسلامية، أفضى إلى نموذج حضاري مشرق : عبودية لله عز وجل ، وإبداعا علميا وفنيا خالدين، وعلاقات اجتماعية وإنسانية ودولية باهرة، خذل اكتمال صورته الحضارية زيغ شائن عن النهج ا القرآني النبوي والراشدي مسار الحضارة الإسلامية سياسيا.
- قيام نموذج حضاري بت صلته بالوحي والدين مطلقا، لكنه أبدع في عالم المادة ، وقدم نموذجا سياسيا ، قبر من خلاله الاستبداد الداخلي، ونظم العلاقات والأداء سياسيا بين الفرد والمجتمع والدولة، على نحو حُفظت فيه الحقوق، وأعلي من مقامها، وألتزم الحاكم حدوده البشرية الطبيعية ، بإدراكه لوظيفته الحقيقية ، ومديونيته للذين فوضوه أمر سياستهم.
القوة والعمق اللذان طبعت بهما التجربة الراشدة النموذج الإسلامي القويم في الحكم، في زمن مبكر من التاريخ الإنساني، وما كان يعد به ـ عالميا ـ من نُقلة في الأداء السياسي النموذجي المثالي لو قدر له أن يستمر
الشورى/ نواة فكر الشيخ السياسي التجديدي) ينظر إليها في فكره عبر :
- النقد: ويشمل التجربة غير الموفقة للحكم باسم الإسلام في كثير من أدواره ، والجانب النظري الفقهي ـ الواقع الإسلامي المعاصر المنحرف عن سوية أي حكم .
- الفقه الشوري البديل الذي تطرحه تجربة الغزالي الدعوية الفقهية ،
- قاعدة طلب الحكمة من مصادرها أنى وجدت: وهي مبدأ إسلامي أصيل صميم لم تتهيبه عصور الاجتهاد الأولى الزاهرة ( خصوصا النموذج العمري) . ويتجلى إعمال الفقه السياسي الشوري الغزالي في الاقتباس من الممارسة الديمقراطية الغربية ما يلائم التجدد الحضاري الإسلامي المعاصر.
- 1/ النقد: يرى الشيخ الغزالي النقد ضرورة إنسانية حيوية، لارتباطه بإنسانية الإنسان في صورتيه الفردية والاجتماعية ؛"وحاجة الأمم للنقد ستظل ما بقي الإنسان عرضة للخطأ والإهمال، بل ستظل ما بقي الكملة من البشر يخشون الملام ويخافون الحساب، وما دامت العصمة لا تعرف كبيرا أو صغيرا، فيجب أن يترك باب النقد مفتوحا على مصراعيه " و تأسيس النقد على قواعد من المنطق السليم والعلم يخرج به عن مجرد وجهات النظر الانطباعية، وردود الفعل العاطفية إلى تشييد طبقة في البناء والتأسيس للفهم والتشخيص، والتشوف نحو الأصوب.وهذا ما أنجزته تجربة الغزالي الفكرية.
فقد تناول نقده الجانب العملي للتجربة غير الموفقة للحكم باسم الإسلام في كثير من أدواره التاريخية والواقعية، والجانب النظري الفقهي:
أ ـ الجانب العملي ( تاريخيا وواقعيا) : شخصه من منشأه ؛ وهو الخطوة الأولى في بناء الحياة السياسية، المتمثل في كيفية اختيار الحاكم قال :" ونحن نلحظ ـ دون كد ـجرثومة خبيثة تفتك بالسياسة الإسلامية، وتدع فراغا سيئا بين الأمة والدولة، تلكهي طريقة اختيار الحاكم الذي يلي الأمور، ويقود الأمة إلى ما لا تعرف وتقر من أهداف، ونحن نريد استئصال هذه الجرثومة لا تركها ، والتغلب على ما تنشئ من علل وأوجاع " .و معلوم من التاريخ والواقع المعاصر العربي الإسلامي بأن الحكام في أكثر الأحوال ـ يختارون بطرائق لا إرادة حقيقية فيها لشعوبهم. وهذه البداية الخاطئة تُنتج من السياسات ما لا تكون موضع الرضا بالضرورة من تلك الشعوب، فتُقهر ـ بذلك ـ وتزيف إراداتها ، ويُذهب بها في غير وجهة.
وقد يكون هذا ما دعا الغزالي إلى اعتبار "الاستبداد السياسي ... ليس عصيانا جزئيا لتعاليم الإسلام، وليس إماتة لشرائع فرعية فيه، بل هو إفلات من ربقته ودمار على عقيدته" ؛ فالحرية مبدأ مقدس في الإسلام بدءا من اعتناقه والسير مع تعاليمه عن رضا وطواعية، والشأن السياسي لا يختلف عن ذلك . بل إن المناقض الطبيعي للحرية السياسية وهو الاستبداد والإكراه ولود لحالات من الرفض والاستعداد للعنف ، والأزمات الخلقية والاجتماعية المهددة لأمن واستقرار المجتمع والدولة ، ولكل من ذلك أثره على الجوانب المعنوية والعقائدية فيهما.
- ب ـ الجانب النظري : يرى الشيخ الغزالي أن الخلل لم يقتصر على الجانب العملي فقط ، بل طال الجانب النظري ؛ إذ تأثر فقهنا السياسي بواقع الحال ، واتجه في أحوال كثيرة ينظَر له بمنطق "الأمر الواقع" فحسب دون استرداد ـ مثلا ـ للتجربة الراشدة ؛ لذا فهو يرى " نقصا في معالم الفقه الدستوري من حياتنا الفقهية الرحبة، مع وفرة مادته في مواريثنا السماوية.
ومن هذه المسألة تنطلق الرؤية التجديدية لدى الشيخ الغزالي للفقه السياسي؛ فعلى الرغم من الغنى الذي تتوفر عليه النصوص الشرعية ( قرآنا وسنة تحديدا) يعد رصيدنا الفقهي السياسي غير كافي للتفاعل مع ما استجد من أساليب اختيار الحاكم ، وبناء المؤسسات الدستورية ، وآليات سيرها تشريعيا وإداريا.
وقد اعترى مبدأ "الشورى" الإسلامي نقص بالغ تبعا لطريقة اختيار الحاكم تجسد في ثلاثة معايب هي: 1" ـ سوء فهم معنى الشورى ، وإنشاء أجهزتها المشرفة على شؤون الحكم- 2 – عدم اعتبار مما نتج عن الاستبداد في تاريخ المسلمين، ومن غياب مجالس الشورى – 3 – جهل بالأصول الإنسانية التي نهضت عليها الحضارة الحديثة، والرقابة الصارمة التي وضعت على تصرفات الحكام " .
ومجابهة هذه الأزمة الفكرية العلمية والتشريعية والهيكلية، يفرضها ـ في تقدير الشيخ الغزالي ـ مستقبل الإسلام وأمته يقول : " أظننا لن نحرز نجاحا يُذكر خلال القرن الجديد إذا بقينا على فقهنا الضيق المحدود الذي عشنا به خلال القرون الأخيرة ، فإن هذا الفقه لم يعالج الخلل المتوارث في علاقة الحكومات بالشعوب، ولم يساند الحريات العامة الصحيحة، ولم يُنمَ القدرات على علاج الأخطاء السياسية والاقتصادية الشائعة في بلادنا" " فالأمة الإسلامية أولى أمم الأرض بأن تحتاط ضد الاستبداد السياسي وأن تمنعه من قتل مستقبلها بعدما أسقم ماضيها وعرقل خطوها وشل رسالتها ".
2/الفقه الشوري البديل الذي تطرحه تجربة الغزالي الدعوية الفقهية، مع كشف مصادرها :
تنطلق نظرة الغزالي لضرورة الشورى والحريات العامة ، المتنافية مع الاستبداد من دليل فطري في الطبيعة الإنسانية ، دون تفرقة بين أجناسها و أديانها، فيقول :" إن الله تعالى نهى عن الظلم فيما أنزل من الوحي؛ فهل تظن الظلم مستحبا في البلاد التي لم يبلغها ما انزل الله ؟ لا، إنها تستقبحه، وتكره وقوعه، وتحتاط من أذاه، فإذا اخترعت عدة أساليب لحماية نفسها منه، فلا علينا أن نتدبر هذه الأساليب، وأن نأخذ بها لحماية أتنفسنا كذلك"
" إن النفس الإنسانية تطغيها سعة السلطة، ونفاذ الكلمة، كما تطغيها كثرة المال و بسطة الثروة، وقد عانت الأمم قديما وحديثا من إطلاق لأيدي الحكام مهما أوتوا من عبقرية"(2) .
فهذه الطبيعة الفطرية في الإنسان التي تسعى لحماية نفسها من الظلم والضيم، لا يضيرها في شيء أن تأخذ عن بعضها بعضا ما تضع من وسائل ومبادئ وآليات تحقق لها الحماية من طغيان قبيل على قبيل فيها ، لغنى مالي أو امتداد نفوذ حكم وعلو كلمة ، بل إن حماية المجموع الإنساني من المواهب الفطرية [ كالعبقرية التي كثيرا ما تفضي إلى الإعجاب بالرأي] و قد تُطغي صاحبها، تغدو مسألة ضرورية في الحكم، وليس أدل على هذا من الحركة النازية في تاريخ العالم المعاصر، وقبلها الطموح الإمبراطوري لدى نابليون بونابرت، وغيرهما في التاريخ كثير.
و تماثل الحال هذا بين الأمم لا يحرم "ناشدي الخير للمسلمين أن يقتبسوا بعض الإجراءات التي فعلتها الأمم الأخرى لما بُليت بمثل ما ابتلينا به. خصوصا أن الاستبداد كان الغول الذي أكل ديننا ودنيانا .
وتناط المسؤولية التجديدية لفقهنا السياسي بفئة مميزة من الفقهاء ؛ إصلاح أداة الحكم يحتاج إلى فقهاء أتقياء أذكياء . فالصفتان ضروريتان للوفاء بالغاية ؛ التقوى لأمن الزيغ وراء خُلَب الدعوات المفرطة ـ مثلا ـ في الحريات ، أو الانفلات من ضوابط وقواعد الشرع ومصادره بدعوى التجديدي والعصرنة والحداثة. أما الذكاء فالحاجة إليه في مثل هذا وفي الاجتهاد على ضوء مقاصد الشرع وغاياته واستلهام لاجتهادات السلف الصالح في المجال السياسي والاستفادة مما لدى الغير إذا كان صالحا ويحقق مقاصد الشرع كالاجتهادات العمرية . وعليه لا يرى ما "يمنع الفقيه المسلم من قبول كل وسيلة أصيلة أو مستوردة لتحقيق الغايات التي قررها دينه؟".
فنظرية الاستخلاف الإسلامية تقتضى عمارة الأرض بالصلاح والخير، بما يدفع الإنسان إلى "استثمارها واستغلال منافعها وتسخير مرافقها، بما يكتشف من أسرارها وقوانينها، وما يقيم فيها من عمران وتجهيز يحكم من سيطرته عليها وإخضاعها
لهذا فإن " الأمة مصدر السلطة، هي وحدها التي تختار حكامها، وهي التي ـ إذا شاءت عزلتهم ، وليس لأحد حق إلهي، ولا وصاية عليا على الناس، تجعل وجوده السياسي ضربة لازب ، أو تجعل انقياد الجماهير له فريضة محكمة. إذا كانت لشيء ما مكانة دينية فهو الرأي العام الإسلامي، الذي إذا أحب كانت محبته آية على رضوان الله، وإذا كره كانت كراهيته آية على سخطه".
فتتخذ قاعدة طلب الحكمة من مصادرها أنى وجدت : لها سندا مشروعا في هذا المضمار الحيوي من الاجتماع الإنساني" فلماذا لا يحذو المسلمون حذو سائر الخلق ...ويقيموا حكما إسلاميا أقرب إلى الصواب منه إلى الخطأ؟ بل أقرب إلى الإسلام نفسه، وأنأى عن دعاوى الأسر الدعية، وجنون الأفراد العالين في الأرض؟"لرعاية مصالح العباد وتحقيق وجه من وجوه العبودية لله تعالى في معاش الناس، يستفاد من الآليات المناسبة لتحقيقها ، إذا كان غيرنا قد أبدعها.
وقد تفطن الشيخ الغزالي إلى مسألتين جوهريتين إحداهما ثقافية وأخرى اجتماعية ذاتا صلة بالنظام السياسي الإسلامي:
فترقية للحس الحضاري لدى الأمة الإسلامية من الناحية السياسية ، يرى ضرورة تثقيفها سياسيا كما تثقف في شؤونها الدينية جنبا إلى جنب " إن الفقه الدستوري عندنا بحاجة إلى أن يوسع ويُقعََد، ويدرس في المساجد مع أحكام الوضوء والصلاة ؛ لأن بقاء الإسلام والمسلمين متصل به" . فالمسجد والمدرسة مصدرا الإشعاع العقلي في المجتمع الإسلامي ينبغي أن يرقيا مستواه العقلي السياسي ، ضمانا لإخلاص العبودية لله وحده من جهة، وحصانة من تخلل الحكم الفردي أو الاستبدادي للكيان الاجتماعي.
إن عملية الاقتباس الحضاري وحدها لن تكون كافية لتحقق هدفها مهما يكن واضحا ونبيلا وفعالا ، فضلا عن مشروعيته، بل لا بد أن تكون العملية في سياق التغيير الحضاري داخل المجتمع الإسلامي ، كي تتفاعل المناحي المشكلة للكيان الحضاري للأمة فيما بينها بصورة متوازنة ، ومتداولة بينها المؤثرات والآثار بشكل إيجابي نافع، وهذا ما يُستفاد من قول الشيخ الغزالي :"فإنه قبل الاقتباس من أي نظام عالمي للوسائل التي تحقق قيمنا ـ يجب إحداث تغييرات جذرية في الطريقة التي نحيا بها " .فالوسائل وحدها بنى فوقية لا تذهب وحدها للوجهة التغييرية الإيجابية في الرؤية الإسلامية ، المؤسسة على بُنى تحتية روحية وثقافية واجتماعية موصولة بعقد التوحيد.
- المرجعية الأساس لمبدأ الشورى القرآن والسنة " ولدنا كتاب ينطق بالحق، ويحدد المنهج والغاية، ولدينا سنة مدروسة مأنوسة، تقدم (مواصفات كاملة و للحكم الراشد" .
- ضمانتها : الرأي العام الإسلامي *أليتها التي تقوم مقام الضمانة التشريعية والعملية يراها في دستور" مكتوب تضبط فيه الأمة الإسلامية علائقها بحكامها، وتحدد الخطوط التي يقفون عندها، ولا بد من انتخابات نزيهة ، يختار فيها أعضاء المجالس النيبابية ومن إليهم من ممثلي الأمة في شؤونها الدينية والدنيوية"(.
- ميادينها : " وعندما نتحدث عن الشورى، فإنما نعني جميع الشئون الدنيوية والحضارية العادية، ثم جميع الوسائل التي تتم بها الواجبات الدينية والأهداف الشرعية."
- ضوابطها كما تفتقت عنها الممارسة الإنسانية السليمة الفاعلة " إن الديمقراطيات الغربية إجمالا وضعت ضوابط محترمة للحياة السياسية الصحيحة ، وينبغي أن ننقل الكثير من هذه الأقطار لنسد النقص الناشئ عن جمودنا الفقهي قرونا طويلة".
- ومن ثمة " فما الذي يمنعنا ... أن ننظر في الوسائل التي اتخذها غيرنا لمنع الفساد السياسي أو منع الاعوجاج الاقتصادي ونقتبس منها ما لم يصادم نصا و لا يند عن قاعدة" .
- وعليه " فالذي نراه ممكنا بل واجبا،فهو التوفيق بين مبدأ الشورى عندنا ، وبين الأنظمة البرلمانية الناضجة عند القوم " .فليس من ميزان العدل الإسلامي " الغض من قيمة الثمار التي وصل إليها غيرنا في أفق المصالح المرسلة؟ وما معنى الركون إلى آبائنا وحدهم إذا كانوا قد قصروا في ناحية فاقهم فيها غيرهم؟ " " إنني عندما أدافع عن الحق لا أفضل العصا الوطنية على المدفع الأجنبي، فإن التعصب للجهل والقصور بلاهة وسخافة ".
- بل القاعدة التي تنضح بها مبادئ الإسلام وقيمه الحضارية في ميدان الضرب في الأرض وإعمارها هي" أن إهمال النشاط الإنساني في الميدان العقلي بُعد عن الإسلام يضارع الابتداع في ميدان العبادات . إن الغلو بالزيادة في المنقول كالغلو بالنقص من المعقول : كلاهما شطط عن الحق؛ وجور عن الصراط ؟.والرجل الذي يعبد الله بما لم يشرعه ضال، والذي يعبده بالتوقف حيث لا حد، والتوجس حيث لا حظر ضال كذلك؟ ".
يلاحظ مما عرضنا أن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى، تفاعل مع المسألة السياسية للأمة ، على اعتبارها مسألة وجود أمة بكيانها الحضاري ؛ من عقيدة ، وشريعة، وشهادة على الخلق، لامتلاكها أسباب ذلك كله في سبب وجودها وهو كنزها الغالي من مبادئ وتشريعات وقيم الإسلام الخالدة.واستحقاقها الوجود الحي الفاعل الرائد رهين باسترداد كيانها السياسي على نهج الرشد الذي خرجت به للعالم يوم خرجت دعوة ذات رسالة ودولة ، فاحترمها العالم ودان لها، فاستحقت قيادته.
ربط فكر الغزالي الكيان السياسي للأمة بمدى امتصاصه ، وتمثله لقيم الحكم الشوري العادل ، الضامن للحريات ، النازل عند إرادة الأمة دون تمحل تحت أغطية وأردية دينية أو عرقية أو غيرهما لانتقاص الأمة من حقها المشروع في اختيار من يحكمها ويحقق أشواقها في الحرية والعدالة والتقدم ، والاستظلال بظل الهدي الرباني السمح.
نفذ بصر الشيخ الغزالي بعمق وصفاء إلى جوهر التجربة الديمقراطية الغربية ، واختارها بوضوح ـ اختصارا طريقا للآلات والوسائل بروح التشريع الاستصلاحي الإسلامي لتجسيد النموذج الحكمي الشوري الإسلامي ، دون حرج في جلب الوسيلة المؤدية المشروعة للغاية الشريفة . فقطع الفكر الغزالي التردد والجدل حول مدى مشروعية الاقتباس في الشأن الإسلامي العام مما هو أدوات لحمل مضامين شرعية إسلامية ، تتلقاها الفطر السليمة بالقبول والترحاب،فهي انتهاء نداؤها.
قد لا يكون الشيخ الغزالي فرغ لبحث المسألة السياسية والحكم الإسلامي وأدواته على النهج الأكاديمي . إن الشيخ الغزالي لم يكن همه تقديم زاد معرفي متخصص، بل عرض لهذا القضية وغيرها في أكثر ما كتب بروح وأسلوب الداعية المصلح الذي يحرص على تشخيص المشكلات و الخلوص إلى حلولها العلمية والإصلاحية التغييرية ، على أن يتولى غيره من الأكاديميين والفقهاء وغيرهم من أهل التخصص ما قد أصاب فيه من حلول بمناهجهم العلمية الأكاديمية بالتقعيد والتخطيط والبحث المتخصص، ودليلي على ما أقول أنه على الرغم من تمدد المسألة السياسية في فكر الغزالي على طوله ، حتى يندر أن تعثر على كتاب لا يتضمن إشارة ما إليها، فإنه لم يخصص كتابا بعينه لبسط القول فيها بسط المتخصصين الذي تهمهم النتائج العلمية، دون ربطها بأي هدف آخر مهما يكن جليلا.