560
0
الشهيد عباس لغرور .... من أبرز العقول التي خططت للثورية الجزائرية
تداولت العديد من المقالات و الكتب التاريخية عدة أسماء لرموز الثورة وقادتها الذين تركوا بصمتهم من ذهب على سجل خالد، ودخلوا التاريخ على مصرعييه إلا أن هناك الكثير من الأبطال والشخصيات الذين رسموا مجدا، ولكن لا يكادون يذكرون ولعل من أبرزهم الشهيد عباس لغرور، الذي عرف بحنكته و فطنته السياسية و النضالية .
إعداد شيماء منصور بوناب
عرف لغرور بين الأوساط الثورية كشخصية نضالية تسري في عروقها الغيرة الوطنية و النخوة الرجالية التي عزمت على تحقيق النصر و لو بالشهادة.
وحسب ما توفر من معطيات و معلومات تاريخية التي تكشف عن سيرة واحد من أبرز وأعظم رجالات ثورة نوفمبر الخالدة ، الشهيد لغرور فإن الميدان السياسي كان التربة الخصبة التي انطلق منها نحو العمل الثوري بخطوات عملاقة كان القائد فيها و المجاهد و المناضل و الفدائي و ابن الشعب البسيط .
الشجاعة والحزم من أبرز سمات شخصيته
ولد عباس بن محمد الملقب الغرور في الثالث والعشرين جوان 1926م بالنسيغة خنشلة في عائلة متوسطة الحال بمعيار ذلك الوقت شأنه شأن كل الجزائريين الذين ذاقوا الفقر والجهل والحرمان .
عائلة عباس لغرور كانت تعيش في ظروف مقبولة نسبيا مقارنة بأوضاع معظم الجزائريين، ولكن رغم ذلك لم تسمح فرنسا لهذه الأوضاع بالاستمرار ، حيث أمرت بمصادرة أراضي الغرور من طرف معمر يدعى لويس بريسات LOUIS BRUSSET والغريب في الأمر أنه بواسطة أحد أفراد العائلة استطاع عباس أن يقنع والده بتسليمه قطعة أرض مساحتها سبعة هكتارات واعتبارها حصته من الارث وقد باعها إلى المستوطن BRUSSET مدعيا مشروعا تجاريا وهو في الحقيقة كان خطة لجمع الأموال لتمويل صندوق الثورة.
و حسب ما ورد في شهادات بعض المجاهدين فإن الشهيد عباس لغرور اتصف بالإخلاص ونكران الذات، متواضع يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، وحنون مع أفراد الجيش لا يميز نفسه عنهم سواء في الأكل أو النوم، شجاع ومقدام في الحرب، دقيق بملاحظاته وتحرياته وحازم في قراراته.
وعلى لسان المجاهد محمد الشريف الشابي أحد المقربين العباس لغرور إن أهم مميزات عباس لغرور التواضع الشديد، والطيبة، والأخلاق الكريمة، والتدين القوي والشخصية المؤثرة، كما كان كريم اليد و اللسان. وذلك حسب ما تدوالته بعض المراجع الأكاديمية.
عباس لغرور والاستعداد الثوري
بدأ ابن دوار أنسيغة خطواته في مجال السياسة من خلال المشاركة في قيادة المنطقة الأولى في حرب التحرير، إلى غاية وفاته يوم 25 جويلية 1957 في تونس.
وبالحديث عن السياق الثوري،انضم الشهيد عام 1946، إلى حزب الشعب الجزائري أين عمل بالشراكة مع المناضل إبراهيم حشاني المسؤول الجهوي لمنطقة الأوراس، إلى غاية التبليغ عنه للجيش الفرنسي بعد أن شوهد مع هذا الأخير في أحد الأسواق الشعبية، بعد ذلك جاء الأمر بطرده من العمل ليجد نفسه وسط المدينة العلمة يبيع الخضر و الفواكه في دكان بسيط استغله لتمويه فرنسا عن نشاطه الحقيقي.
استغل مناضلوا الثورة دكان بلغرور كمكان سري للاجتماع وعقد اللقاءات التي كان من أهم مشرفيها البطل شيحاني بشير، مسؤول حركة انتصار الحريات الديمقراطية على مستوى باتنة، ونظرا للصفات التي كان يتميز بها الشهيد فقد أوكلت له مسؤولية الإشراف على قسمة الحزب بخنشلة.
لم يكتف الشهيد بهذه العمليات السرية ، إذ تداول عنه أنه كان من أبرز الفاعلين في مظاهارات 1 ماي و 8 ماي 1945 التي وقعت في المدينة، مع تنظيم مظاهرة احتجاجية عام 1951 ضمت شريحة من شبان المدينة، تنديدا للوضعية المأساوية التي كان يعاني منها الشعب الجزائري .
كل هذه الأحداث كانت منعطفا حاسما في حياة عباس لغرور الذي شارك وبفاعلية في العديد من هذه المظاهرات ابرزها التي جرت في خنشلة والتي أشرف عليها الوطنيون قصد المطالبة باستقلال الجزائر على غراركافة الدول الواقعة تحت ظلم الاستعمار الغاشم والتذكير بالوعود التي وعد بها الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية والتي تضمنت منح الحرية والاستقلال للشعوب الخاضعة تحت السيطرة الأجنبية في حالة انتصار الحلفاء ) ،وبقي ذلك اليوم التاريخي راسخا في أذهان وقلوب أبناء خنشلة إذ رفع العلم الجزائري الأول مرة أمام مرأى الإدارة الاستعمارية، وغنت الجماهير وصفقت طويلا، واجتمع المتظاهرون في جو من الوحدة والأخوة والشعور بحب الوطن، ولم يكن حامل العلم في ذلك اليوم المشهود إلا الشهيد "عثماني التيجاني" رفيق عباس لغرور .
كما لم يكن عباس ليترك أي مناسبة أو فرصة للتذكير بالأحداث والإنجازات الكبرى لنضال الشعب الجزائري، وهذا مقطع من خطاب القاه في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة 5 ماي 1945 "لإخواني الأعزاء، أود أن أهنتكم على نجاح عملية الأسبوع الماضي التي تمثلت في تعليق ملصقات الحزب وكتابة الشعارات الوطنية على الجدران : حرروا المعتقلين السياسيين، تحيا الجزائر حرة ...
ثم ذكر بالنظام الداخلي للحزب وأهدافه لإبطال الحكم الاستعماري واستعادة السيادة والهوية الوطنية دون أي تحيز عرقي أو ديني، حول حرية الجزائر في تقرير مصيرها ، وإقامة دولة جمهورية ، ديمقراطية شعبية ، اجتماعية مستقلة بكل مؤسساتها، وأضاف "هكذا إخواني ، أدعوكم لكي تكونوا حذرين وتحافظوا على سرية أعمالنا ومنظمتنا ".
وقد سلط المستعمر كعادته على المدينة وأهلها كل وحشيته، فتم توقيف المئات من أبناء خنشلة، وبعد تلك الأحداث لم يفقد عباس لغرور عزيمته بل زادت والتهبت أحاسيسه الوطنية وإيمانه بقضيته العادلة، وعقد العزم على وجوب تحرير الجزائر من نير الاستعمار باستعمال القوة لأنه تيقن بأنه السبيل الوحيد نحو استقلال هذا الوطن )، والواقع أن هذا الحلم لم يكن حلم الأوراسيين وحدهم بل كان حلم كل الجزائريين، ويبقى المعمرون وحدهم من أحسنوا بالخطر أكثر من غيرهم لما لمسوه عند المواطنين .
الاستعمار الفرنسي يطلق تعليماته لتوقيف الشهيد الرمز
وبحكم غيرته الزائدة على الجزائر طالب و ندد الشهيد في العديد من الاحتجاجات بتحقيق التوازن الاجتماعي و تطبيق العدالة الاجتماعية من خلال القضاء على البطالة و كذا فك ازمة الخبز الذي جعلت الشعب الجزائري يعاني بسبب غياب الغذاء و احتكاره من قبل فرنسا .
تبعا لذلك عمل بلغرور على تسليم فرنسا هذه المطالب قصد المصادقة عليها لكن فرنسا عاملته بعنصرية حين ألقت القبض عليه مع رفاقه ليحكم عليه بالسجن لمدة 3 أيام، شهد فيها مختلف أنواع التعذيب و الاستبداد و الظلم الذي جعله يتعرض إلى الإصابة بمرض صدري جعله ينتقل إلى باتنة للعلاج.
ونتيجة تعرضه للأزمة الصحية ، تكفل حزب حركة الانتصار بجميع نفقات علاجه إلى أن تماثل للشفاء وعاد إلى خنشلة ليواصل نشاطه السري داخل الحزب، وبرفقة الشهيد مصطفى بن بولعيد وعاجل عجول وشيحاني من أجل التحضير للثورة في منطقة الأوراس، و تولي مهمة شن الهجومات ليلة أول نوفمبر 1954.
وبعد سنتين من تفجير الثورة غادر الجزائر إلى تونس في شهر أكتوبر 1956 برفقة عدد من الإطارات منهم عدد من الطلبة اللذين غادروا مقاعد الدراسة لتحرير الوطن أمثال منتوري محمود.
كان للغرور دورا بارزا في تونس من أجل عقد مؤتمر مصالحة بين قادة الولاية لغرض اتخاذ موقف موحد بجانب قادة الثورة بالخارج حول قرارات مؤتمر 20 أوت 1956.
رغم التحضير المحكم للمؤتمر إلا أن مؤامرة دبرت لإفشاله كما اعتقل في نفس الوقت قادة الثورة بالخارج اثر تحويل طائرتهم، وقد اغتيل عباس لغرور يوم 25 جويلية 1957 في تونس مع عدد من إطارات الثورة الجزائرية من طرف رفقاء الثورة في ظروف لا تزال غامضة.
ومن هذا المنطلق يظهر أن الشهيد الرمز الذي كان من اعظم المناضلين المساهمين في إشعال فتيل ثورة 1 نوفمر1954 في الأوراس، والذين كانوا قد تيقنوا أن الاستعمار الفرنسي لا يقبل التخلي عن امتيازاته، التي اكتسبها بالهيمنة وبإخضاع الشعب الجزائري، إلا بالقوة، هو الامرالذي جعل لغرور من أحد أكبر المخططين للحرب الثورية في الجزائر.
في الختام تؤكد المراجع التاريخية أن لغرورمنذ اللحظات الأولى للثورة المسلحة برهن على حنكته وشجاعته وقدرته على القيادة والمناورة وإلحاق الهزيمة بالعدو من أهم المعارك التي شارك فيها أثناء الثورة كانت معركة الجرف الشهيرة التي دامت 3 أيام 22/23/24 سبتمبر 1955 و معركة الزاوية الشهير ثم معركة تفسور ششار 1955، وكذا معركة البياضة استمرت 24 ساعة كاملة.