85
0
الشهداء في برمجيات الذكاء الاصطناعي...سرد جديد للذاكرة

تسعى الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لتعزيز مسار الرقمنة الشاملة في كل المجالات، لاسيما ما تعلق منها بالتاريخ و الأرشفة الوطنية لسيرة الشهداء و أهم المحطات المفصلية للثورة التحريرية.
شيماء منصور بوناب
وفي هذا المنحى، اتخذت الجزائر عهدا جديدا لصون ذاكرتها الجماعية، باستخدام تقنيات تكنولوجية متطورة تراعي توظيف الذكاء الاصطناعي في محاكاة التاريخ والذاكرة برؤية حية و أكثر تفاعلية.
الذكاء الاصطناعي يحاكي التاريخ والذاكرة......بين الأطر التنظيمية و الرقابة الرقمية
استنادا على ذلك، ظهرت مؤخرا برمجيات جديدة من الذكاء الاصطناعي تحاكي التاريخ والذاكرة الوطنية، بسرديات اكثر تفاعلية و فنية، تبرز الحاجة الملحة إلى وضع أطر تنظيمية ورقابية صارمة لضمان نزاهة وموثوقية عالية لهذه السرديات.
وفي هذا الصدد، أوضح جلال بو عبد الله خبير في الأمن السيبيراني ، أنه يمكن حماية هذه السرديات من التشويه أو الحذف أو الاختراق من خلال اعتماد آليات تحقق رقمية (مثل البصمات الرقمية أو تقنية البلوكشين)، بالإضافة إلى إشراك مؤرخين وخبراء في مراجعة وتدقيق المحتوى.
كما يجب أيضاً توعية المستخدمين والجمهور بأهمية التحقق من مصادر المعلومات وعدم الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي دون مراجعة بشرية، وذلك للحد من مخاطر التلاعب أو القرصنة التي قد تستهدف ذاكرة الشعوب
وبالنسبة للأرشفة الرقمية لسيرة الشهداء أكد ، أنه توجد تحديات أمنية عديدة، أبرزها خطر الهجمات السيبرانية التي تستهدف قواعد البيانات والوثائق التاريخية بهدف التلاعب أو التزوير.
بالإضافة إلى ذلك، ضعف الحوكمة الرقمية وقلة السياسات الواضحة حول حماية البيانات الأرشيفية تفتح الباب أمام فقدان أو تسريب هذه المعلومات الحساسة. كما أن الاعتماد على تقنيات تخزين تقليدية أو غير محدثة يزيد من احتمالية تعرض الأرشيف للاختراق أو البرمجيات الخبيثة.
ولمواجهة هذه التحديات، شدد على الاستثمار في بنية تحتية رقمية مؤمنة، وتحديث أنظمة الأرشفة بشكل دوري، واعتماد معايير أمنية عالمية، مع تكوين فرق متخصصة في حماية التراث الرقمي.
الأرشفة التاريخية الرقمية... نظام متكامل مرهون بمعطيات و تقنيات سيبيرانية
في ذات الشأن يعد مجال التاريخ و الذاكرة، من بين المجالات الحساسة، التي تكون عرضة للتزييف و التغيير بحكم غياب نظام الأرشفة الدقيق، وعليه فحماية أمن البيانات الشخصية للشهداء، يفرض أولاً تأسيس نظام أرشفة موحد وشفاف يعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي الموجهة للأمن السيبراني، مثل تقنيات التعرف على التلاعب والتحقق من صحة البيانات. " حسب ذات الخبير".
وتابع ، من الضروري تطبيق سياسات صارمة حول الوصول للبيانات وقصر ذلك على الجهات المختصة، إلى جانب تشفير كل المعلومات الحساسة.
كما يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي في مراقبة أي محاولة لتعديل أو تزييف البيانات، وإصدار تنبيهات فورية لأي نشاط مشبوه والأهم هو التعاون بين الجهات الرسمية وخبراء الأمن السيبراني لضمان حماية هذه البيانات من أي استغلال أو تشويه.
الدقة و الشفافية الرقمية.... رهان التوثيق التاريخي
في ذات المنحى وبحكم تطور الذكاء الاصطناعي شاهدنا نماذج رقمية أو مشاريع قائمة تستخدم AI لتخليد ذكرى الشهداء، التي تطرح دائما تساؤلات حول دقتها ، أو حيازتها التي تفرض حسب الخبير السيبيراني، أولاً تدريب هذه الأنظمة على بيانات تاريخية موثوقة ومتنوعة تم تدقيقها من قبل لجان أكاديمية مستقلة يتم إنشاؤها بالموازاة مع انشاء لجان رقابة علمية وأخلاقية تراجع باستمرار مخرجات الذكاء الاصطناعي وترصد أي انحرافات أو تحيزات.
كما ينبغي تعزيز الشفافية في آلية عمل هذه البرمجيات وتوفير تقارير دورية حول مصادر المعلومات والمعايير المستخدمة مع المشاركة المجتمعية وإتاحة المجال للخبراء والمؤرخين لمراجعة النتائج تظل ضرورية لضمان عدم الوقوع في فخ السرديات الأحادية أو المشبوهة.
الأبعاد الأخلاقية و القيمية لرقمنة الذاكرة الوطنية
وبالحديث عن رقمنة الذاكرة الوطنية ، استجابة للتطورات التكنولوجية الراهنة كشف قادري وليد أستاذ محاضر في تخصص الإعلام الآلي، أن عملية الرقمنة التاريخية يصادفها العديد من التحديات الأخلاقية والفكرية لاسيما في مجال سيرة الشهداء الجزائريين التي تعتبر من بين المجالات الحساسة في شق الموافقة على إعادة إنتاج صوت أو صورة الشهيد دون إذن صريح من العائلة.
مضيفا أن التحيزات التاريخية تشكل خطرا قد يؤدي إلى تشويه أو تبسيط مضامين ثرية بالمعاني تفرض في عملية الرقمنة الحرص التام و الدقيق في طرح سيرة الشهداء من ناحية ابراز معاني التضحية والبطولة في بيانات ومعطيات حية، لا يُفقدها بعدها الإنساني والرمزي.
وتحت عنوان نحو حوكمة أخلاقية لرقمنة التاريخ الوطني " من سرديات الشهداء إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي" ذكر ، أن مسألة الحفاظ على الأمانة التاريخية للمحتوى والوقائع والسير الذاتية تعد من بين أهم محاور المستندات الأخلاقية في التوثيق الرقمي، إذ أن رقمنة سيرة الشهداء يفرض عدم التحيز و اختيار المصادر الموثوقة و طريقة المعالجة الرقمية التي لا تؤدي إلى تشويه أو تبسيط المضامين.
مشددا على وجوب الحذر من التسليع التجاري للذاكرة، أو استخدامها في سياقات لا تليق بمقام الشهداء، مثل الألعاب الترفيهية أو المحتوى التسويقي.
أما فيما يخص الضوابط الأخلاقية الأساسية، أشار الى التحقق من صحة المصادر التاريخية المستخدمة وضمان تنوعها مع التعاون مع المختصين في التاريخ والشريعة والأخلاق في عملية الرقمنة لضمان التوازن.
فضلا عن احترام حقوق الأفراد والعائلات المرتبطة بالشهداء عند نشر صور أو معلومات خاصة من خلال احترام الامانة العلمية و الالتزام بكل شروطها.
دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صون الذاكرة الجماعية و الهوية الوطنية
ومن ناحية استثمار في هذه التطبيقات لفائدة صون الذاكرة الجماعية و الهوية الوطنية، لفت قادري ، لدور الواقع المعزز في عرض مواقع المعارك التاريخية بشكل تفاعلي على الأجهزة الذكية، مع إعادة بناء مشاهد من الثورة الجزائرية أو انتاج افلام سينمائية أو مقاطع تاريخية تعرض بالمتاحف الوطنية.
ومن الجانب الترفيهي ، أشار لتطوير ألعاب تعليمية تفاعلية تحاكي مراحل النضال الوطني، وتمكن المتعلمين من اتخاذ قرارات تاريخية وتحليل نتائجها مع انشاء هولوغرام hologram
منوها بأن بناء الذاكرة الوطنية باستخدام الأنظمة الذكية يتطلب تصميماً معرفياً مدروساً يقوم على أسس علمية، وليس فقط على تجميع البيانات يراعي في ذلك إنشاء بنوك معرفية موثوقة بإشراف مؤرخين ومراكز بحث مع استخدام أنظمة لتأمين المعلومات ومنع تعديلها بغير إذن رسمي.
بالإضافة لتطوير خوارزميات شفافة وقابلة للتدقيق من طرف المجتمع الأكاديمي والمدني. وبالتالي تكون برمجة الذكاء الاصطناعي لخدمة الحقيقة التاريخية وليس لتزييفها.
خوارزميات الذكاء الاصطناعي في خدمة الذاكرة
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُبرمج لحفظ الأحداث كما وردت، ولكن دون ضمانات أخلاقية ومعرفية صارمة، تظل هناك مخاطرة بالتحريف أو الإقصاء. فالإنسان هو من يضع البيانات، يختار المصادر، ويحدد ما هو "مهم" أو "ثانوي". لذلك، يجب أن يكون هناك لجنة وطنية متعددة التخصصات تشرف على إعداد المعطيات وكتابة السرديات.
مع ضرورة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التفسيرية (Explainable AI) التي تسمح بفهم كيف ولماذا تتخذ قرارات أو تسترجع معطيات بعد ما يتم إشراك هيئات عليا اكاديمية متخصصة في مراجعة مخرجات الذكاء الاصطناعي وضمان تمثيل شامل لمختلف الرؤى التاريخية و تكون المؤسسات الوطنية العلمية والأرشيفية هي المرجع، وليس شركات البرمجة الخاصة أو الأطراف الأجنبية.