706
0
الجزائر الجديدة ... استراتيجية وقرار من الشباب إلى الشباب
لا يمكن لدولة من الدول أن تدخل سجل التاريخ وتفرض نفسها ، دون أن تهتم بشبابها، ليس فقط لأن الشباب هو القلب النابض في حياة الأمم، وروح الحضارة والتقدم فحسب، بل أن العدد الهائل الذي تمثله هذه الثروة على غرار الجزائر، يفرض على القائمين على شؤون البلاد،التركيز على هذه الطاقة ومرافقتها بعناية وحكمة للوصول إلى المبتغى وتحقيق الأهداف المنشودة.
زهور بن عياد
شباب الجزائر يعد اليوم الثروة الأولى، ولكن الظروف التي مر بها الوطن من عشرية سوداء وسنوات عمّها الفساد، بقيت هذه الثروة ضائعة تبحث عن متنفس لها، وظهرت عوامل اليأس والإحباط بسبب انتشار المخدرات وبين صناع الحلم الكاذب "الجنة في أوروبا"، مما جعل تجارة الموت تزدهر، وجعل الكثير من الشباب يغامر في أعماق البحر ليكون مصيره إما غريقا أومشردا في أوروبا.
الحراك المبارك وبداية الإنفراج
في واقع مرير وجد الشباب نفسه أمام ثلاثية البطالة والمخدرات واليأس الناتج عن ضبابية الرؤية وغياب الأفق، وبعد أن ضاق ذرعا من الممارسات السلبية وانتشار الفساد في مختلف المجالات، انطلقت في 22 فيفري2019 مظاهرات لأول مرة بطريقة سلمية وحضارية أبهرت العالم، مظاهرات عبرت عن رفض الشباب للوضع القائم والذي يتطلع للتغيير.
بعد أشهر من التظاهر بلا كلل ولا مللل جعل هرم السلطة في البلاد ينقلب رأسا على عقب، وبقيت الجزائر صامدة بفضل حكمة أبنائها، وجهود المخلصين من قيادة الجيش الوطني الشعبي، لتتوج المرحلة بإنتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة شكل فيها الشباب الرهان الأكبر.
الجزائر الجديدة وإعادة بث روح التفائل
يجمع الكثير من الجزائريين أنه منذ تولي الرئيس تبون مقاليد الحكم تغيرت الكثير من الظروف،فبعد أدائه اليمين الدستوري أعطى الرئيس أهم محاور الإستراتيجية التي قال أن الهدف الأساسي منها هو استعادة ثقة الشعب في دولته وضمان استقرار البلاد، كانت هذه الإستراتيجية تجسيدا للإلتزامات ال54 التي قطعها للشعب الجزائري.
قرارت كثيرة فتحت آفاق الأمل، ليبزغ فجر جزائر جديدة تتسع لجميع أبنائها وتتطلع لتكون قوة في محيطها وهيبة في إقليمها،وظهرت هياكل جديدة جسدت الرغبة القوية في النهوض بالشباب ومرافقته.
المجلس الاعلى للشباب...صرح دستوري يهدف إلى إشراك الشباب في الحياة العامة
بهدف إسماع صوت الشباب وإشراكه في صنع القرار، تأسس المجلس الأعلى للشباب كهيئة استشارية في 20 جوان 2022، توضع لدى رئاسة الجمهورية كما تم تعيين مصطفى حيداوي رئيسا له بموجب مرسوم رئاسي.
يقدم المجلس الأعلى للشباب توصيات واقتراحات حول المسائل المتعلقة بالشباب وازدهاره في مختلف المجالات، كما يتم من خلال هذا المجلس اشراك الشباب في الإشعاع الثقافي وتمجيد تاريخ الجزائر وتقديم أراء حول مشاريع النصوص التنظيمية والتشريعية.
المراهنة على اقتصاد المعرفة والشركات الناشئة
رغم أن مفهوم اقتصاد المعرفة قد ظهر في تسعينات القرن الماضي إلا أن الجزائر لم تعرفه كواقع اقتصادي ومفهوم متداول سوى في سنة 2020، حين تم استحداث وزارة منتدبة خاصة بالشركات الناشئة واقتصاد المعرفة .
كان التوجه لهذه الإستراتيجية ضرورة حتمية لإمتصاص تلك الطاقات الإبداعية التي تزخر بها الجزائر ، وكان قرار رئيس الجمهورية يهدف إلى إيجاد مناخ اقتصادي وتطوير نظام يعتمد بالأساس على الشباب وأصحاب المشاريع المبتكرة.
ويتم تجسيد تلك الأفكار عن طريق شركات ناشئة التي أثبتت قوتها كرافد من روافد تطوير الإقتصاد، كما ان فتح المجال أمام اقتصاد المعرفة من شأنه أن يقود الإنتقال بالإقتصاد الوطني من نظام ريعي إلى نموذج يعتمد على قطاعات منتجة.
مؤسسات تدعم التوجه الإقتصادي
وكخطوات عملية تم ترقية الوزارة المنتدبة لإقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة إلى وزارة وألحقت بها حقيبة المؤسسات المصغرة في سبتمبر 2022.
وبالموازاة مع هذا القراراستحدثت عدة هيئات مساعدة كصندوق استثمار مخصص لتمويل المشاريع الشبانية ، والتي ترقى لمستوى الأفكار الإبداعية المبتكرة، وكذا الوكالة الوطنية لترقية الإستثمار حيث خصصت أغلفة مادية معتبرة لتمويل المؤسسات الناشئة والشباب حاملي المشاريع المبتكرة، كما تم استحداث علامة مؤسسة ناشئة والتي فتحت الأفاق أمام الشباب أصحاب الافكار الخلاقة.
وقد ظهرت بوادر نجاح هذا التوجه الإقتصادي بتميز عدة شركات ناشئة و تموقعها في الفضاء الإقتصادي الوطني والدولي كشركة "يسير"، التي احتلت حسب تقرير صادر سنة 2022، المركز الأول في الجزائر ونالت الرتبة 16 من بين 50 شركة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما وسعت فروعها في الداخل والخارج.
الجامعة خزان الإبتكار
ولأن اصحاب المشاريع ينطلقون من رصيد معرفي وتكوين أكاديمي جامعي ، فإن المخطط الذي استحدثته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ركز على الجامعة والطالب، وبتعليمات رئاسية تم إصدار القرار رقم 1275 المؤرخ في 27 سبتمبر 2022، والذي يحدد كيفيات إنشاء شركة ناشئة كمشروع نهاية التخرج ، كما تم تنشيط حاضات الأعمال على مستوى المؤسسات الجامعية.
بموجب هذا القرار أصبح الطالب الجامعي بدل إنجاز مذكرة تخرج توضع في الأدراج صارت له فرصة تجسيد أفكاره في مشروع شركة ناشئة يختم بها مساره الجامعي وينطلق إلى فضاء ريادة الاعمال.
وقد عمدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في هذا الإطار لعقد إتفاقيات شراكة مع وزارة إقتصاد المعرفة والشركات الناشئة والمؤسسات المصغرة، لتصبح بذلك الشركات الناشئة المستحدثة بالوسط الجامعي قيمة مضافة للإقتصاد الوطني، حيث يتمكن الطالب في نهاية التخرج بعرض مشروع مذكرة للحصول على "شهادة جامعية مؤسسة ناشئة"، والحصول على وسم "لابل"مشروع مبتكر وبهذا يتم ضمان الإنتقال من طالب إلى رائد أعمال.
نستنتج مما سبق ذكره أنه على الرغم من بعض النقائص والتحديات، إلا أن وبإجماع الكثير من الخبراء والشباب على حد سواء، فالقرارات والإجراءات التي تجسدت في الميدان في السنوات القليلة الماضية أبانت عن النية الصادقة للسلطات العليا في البلاد، للنهوض بالشباب الجزائري، كما كشفت أن الجزائر تزخر بطاقات إبداعية وبشباب مبتكر يستطيع أن يحمل على عاتقه النهوض بالوطن نحو التقدم والإزدهار المنشود.