1386
0
الباحث أوقاسم يحاضر في موضوع الشعر في جانت ويتحدث عن أسطورة "السبيبة " وألة العزف الحزين "إمزاد"
ندوة فكرية لخصت تاريخ جانت ومكانة الشعر عند التوارق
من قلب الصحراء ومن جانت الساحرة جاب بنا الباحث والشاعر يوسف أوقاسم عالم الشعر ومكانته في حياة المجتمع التارقي، من خلال ندوة فكرية احتضنتها المكتبة الوطنية الجزائرية بالعاصمة جمعت مختلف الشعراء والباحثين والتي أشرف على تنظيمها بيت الشعر الجزائري.
زهور بن عياد
الندوة الموسومة ب"الشعر في حياة الإنسان الثقافية بجانت"،كانت فرصة لإثراء النقاش وتقديم معلومات عن إرث جانت الشفهي والذي لا يزال يميز المنطقة المعروفة بطبوعها الغنائية التي تنطلق اساسا من الكلمة والشعر.
في بداية الندوة نوه الشاعر سليمان جوادي رئيس بيت الشعر الجزائري باللقاء البحثي الأدبي في رحاب هذا الوطن الذي تنوعت فيه الثقافة، مبرزا التراث الغني الذي تزخر به الصحراء ولاسيما منطقة جانت.
ومن جهته ذكر الشاعر فني عاشور بمشاركات الباحث اوقاسم في مختلف الندوات منها محاضرة عن الشعر الجزائري في منطقة التاسيلي وامتداداتها في جنوب ليبيا والنيجر ومالي وغيرها من المشاركات، مشيرا إلى ظروف اكتشافه للشعر في التاسيلي موضحا أن الشعر هناك يسبق الكلمات فالشعر مرتبط بالحياة وهو نتاج تفاعل الانسان بالحياة وأحيانا الحركة والرقص يمثل نوع من أنواع الشعر، فالحضارة في التاسيلي سابقة للبداوة وهي تختزن ارثا ثقافيا عظيما.
الشعر في جانت هواءا يتنفسه السكان
قبل الحديث عن الشعر في جانت عرج أوقاسم عن تاريخ المنطقة مبرزا اختلاف الباحثين في فترة سكنها رغم أن العديد منهم ربطها بمرحلة انتاج الفن الصخري التي كشف بعض الانشطة الممارسة كالفلاحة والرقص واللباس، ومنهم من ربطها بانطلاق الزراعة في الصحراء 6000 سنة قبل الميلاد، ومنهم من ربطها بزمن التصحر الذي عرفها شمال افريقيا.
فالحياة الجماعية منذ أن بنى القصور وعمل في الحقول يؤكد الباحث أنه لازم ذلك منتوجا أدبيا مما أنتجته الذاكرة الجماعية،ساهمت في تذليل صعاب الحياة وتثقيف الأجيال وتكوين الشخص المثالي المستعد لمواجهة الحياة فكانت، منتوجات أدبية تتمثل في القصص والأحاجي والشعر بكل أنواعه ولعبت حياة الترحال نفس الدور في إنتاج مواد أدبية خصت المنطقة.
فالمنتوجات الأدبية يضيف أوقاسم ،دورها ليس التثقيف فحسب بل جمعت بين التثقيف والتكوين الأخلاقي والتربوي في جانبها التطبيقي ،والفلسفي في جانبها التعلمي، وتم نقلها من الكبار الى الصغار في مهمة مجتمعية متواترة أبا عن جد.
وفي عداد المنتوجات الأدبية يتصدرها الشعر باعتباره العمود الفقري للغناء وهومطلوب في الأعراس كما تظهر غزارة الشعر في موسم الربيع، كما أن التزاوج بين العربية والتارقية أنتج نوع جديد من الشعر جعل الشاعر يستنجد بالقاموس العربي عندما يجد نفسه فاقدا لكلمة يريدها لإتمام قصيدته.
وعند دخول الإسلام للمنطقة يؤكد الباحث أن ذلك كان في 665 م، وهذا جعل المحتفلون فرحون بالنبي الكريم ينظمون قصائد وأشعار في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بالتارقية،واستمر تنظيم الأشعار وفقا لما يمليه الضمير ويتحدث به الشعور ولقد تحدث الشعر في كل مناحي الحياة، كما اعتبره أهل جانت المدرسة التي يجب التمدرس فيها.
التساوي بدل القصيدة وصوتيات بدل الأوزان
حسب الباحث أوقاسم فعند التوارق لا توجد كلمة تقابل الشعر بل التساوي يعني القصيدة، وتتكون القصيدة من الرأس والصدر والعجز، فالرأس يمتاز بالتحية ,والمقدمة ،ويمتازالصدر بالفكرة العامة أما العجزيمتاز بالوصية أوالإخبار ونجد الشعر العمودي المتسلسل على شاكلة بحور الشعر العربي.
قد تأتي القصيدة في بيتين أوثلاثة لكنها تفي بالغرض من حيث تسجيل الهدف وتبليغ الرسالة والشعر فيه التقديم والإيجاب، والشعر التارقي يبنى على الصوتيات.
وعن اهتمام المجتمع الترقي بالشعر يضيف الشاعرأن الإهتمام يبدأ منذ الولادة وتنظم من أجل المولود أسبوعا للإحتفال ودق الطبول ليغرس فيه حب الغناء، كما أن هناك قصيدة خاصة بكل مولود تكبر معه.
فالقصائد تصف كل شيء جميل وهي مرتبطة بالمناسبات والأعراس والكل يفتخر بما لدية وكانت فترة الصراعات والحروب تشهد غزارة المنتوج الشعري.
السبيبة وإمزاد أساطير تثير الفضول
أثارت احتفلات "السبيبة" الخاصة في منطقة جانت العديد من الأسئلة التي أثرت النقاش حول أصل وجودها بين الحقيقة والأسطورة وفي ذات الصدد يقول أوقاسم" ندرك علميا أن الأسطورة حقيقة مقدسة لإستغلال الأدب والسبيبة مزيج بين الحقيقة والخيال.
وعن قصة السيدة التي تخرج كل ليلة وتنقر الطبل ويجتمع حولها الناس في السبيبة، فالأساطير تغذي الثقافة ويشيرالباحث أنه انطلاقا من بعض المصادر وما احتوته الرسوم الصخرية من صور لرقصة السبيبة ، فهي تعود لسنة 1227ق.م،كما تفيد الذاكرة الشعبية أن السبيبة مرتبطة بانتصار موسى عليه السلام على فرعون، ومنذ ذلك الحين أصبحت عادة ملازمة لسكان المنطقة منذ قرون .
وتوارث الأجيال أن عدم الإحتفال بها سيغضب الطبيعة على السكان، ويقال لما توقفت حدث غضب الطبيعة فرجعت امراة بنقر الطبل وعادت السبية كموروث ثقافي تمارس رقصاتها كل عام ويستذكر الباحث أن الإحتفالات لم تتوقف سوى في سنة وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، وتعتبر جانت المدينة الوحيدة في العالم التي تملك رقصة سبيبة.
أما إمزاد فهي آلة عزف مقدسة عند مجتمع إيموهاق يؤكد أوقاسم أن قداستها تكمن عندما يعزف إمزاد لا أحد يتحرك، قيل أن في احدى الحروب، أبت القبائل وضع السلاح والإستسلام حتى جاءت إمراة مسنة وذهبت إلى ربوة أين جلست وابتكرت إمزاد وبدأت تعزف.
كل من سمع الوتر الحزين يأتي إلى جنب المرأة ويستمع للألحان وهناك قصة تقول أن هناك أسدا كان يهدد الناس فالمرأة التي عزفت على إمزاد جعلته يجلس بجانبها، وتبقى منطقة جانت من أكثر المناطق الغنية بموروثها وأساطيرها وعادات تجعلها تتميز في صحراء الجزائر.