أكد الكاتب و الروائي سليم عبادو ان الرسالة التي يحملها إصداره الجديد المعنون ب " بعيدا عن الأعين"، هي رسالة إنسانية في حق البطل المناوئ للاستعمار الفرنسي الذي فضل ان يضحي بحياته من اجل استقلال الجزائر المدعو "موريس أودان ".
أمينة جابالله
صرح سليم عبادو ل " بركة نيوز" ، لا يجب أن نسمح للنسيان بأن يطوي تلك الصفحات الناصعة التي تركها ابطال ارتبطت اسمائهم بالثورة الجزائرية المباركة ، و انتسبوا إليها حبا و طواعية أمثال "موريس أودان" و غيره من ثلة اصدقاء الجزائر الذين تنطبق عليهم صفة "ابناء الجزائر البررة " كونهم آمنوا بالعدالة الانسانية و ناهضوا الاستعمار الفرنسي و كانوا ممن فضلوا الموت في سبيل الحق و استرجاع حرية شعب و ارض لم يولدوا فيها على ان يعيشوا تحت رحمة جلاد من ابناء جلدتهم .
كما جاء على لسانه "أحس بدين في رقابنا لم نسدده لأمثال هؤلاء الأبطال من الرجال الأحرار، فهؤلاء كمعالم طريق نبيل وجميل يجب على الإنسانية أن تسلكه".
الرواية تمزج بين الوقائع وبعض الخيال
أفاد المتحدث بانه اعتمد في هذه الرواية على الوقائع التاريخية مع بعض من الخيال الذي عادة ما يملأ بعض الفراغات في الأرشيف أو التوثيق والشهادات، كما اعتمد أيضا على عنصر المشهد المطعم بالصور والحركة والحوار، كما أنه بمجرد صدور الرواية سارع المخرجون السينمائيون والمنتجين لتحويلها لفيلم قد يرى النور مستقبلا.
و بالرجوع لمضمون الكتاب " بعيدا عن الأعين " الصادر عن دار "سامي" للطباعة والنشر ،ذكر عبادو بانه استعرض محطات بارزة من حياة الراحل "موريس أودان " ،منذ ولادته إلى غاية إخفائه القسري واغتياله من طرف مظليي الجنرال ماسو.
محطات من حياة أودان
و في ذات السياق ذكر عبادو بانه أستهل عمله بدءا من تاريخ ولادته في يومِ 14 فيفري سنة 1932، أين رأى لاول مرة نور الحياة في ثكنة للجيش الفرنسي كان يقودها والده "لويس أودان" بمدينة باجة التونسية، ليترعرع بعدها في كنف الجيش الفرنسيّ، طفلا بمدرسة "حمّام ريغة" العسكرية-المرحلة الابتدائية- جنوب الجزائر العاصمة، ثمّ مدرسة "أوتون" العسكرية بفرنسا –المرحلة الثانوية-حتّى سنّ 17 من عمره، أين لفظ الحياة العسكرية بعدما رآه من قمع وتمييز كان يُمارسهما الجيش الفرنسي ضدّ المدنيين الجزائريين.
انتقل إلى الحياة المدنية، وتخصّص في الرياضيات، التي درسها ثمّ درّسها بجامعة الجزائر للعلوم. (وتحصّل على دكتوراه في الرياضيات بعد مناقشة أطروحته غيابيا بجامعة السّربون، في 02 ديسمبر 1957، ستّة أشهر بعد اختفائه).
بداية النضال
كما رصد الروائي أبرز و أهم و اشجع مهمة في حياة الراحل " موريس أودان "حينما انضمّ إلى الحزب الشيوعي الجزائري -الذي تأسّس في عشرينيات القرن العشرين، وعقد مؤتمره التّأسيسي في باب الواد سنة 1936، فاستقلّ تنظيميا عن الحزب الشيوعي الفرنسي، لكنّه بقي تابعا له في التّوجّهات إلى غاية تفجير الثّورة التّحريرية، أين انضمّ الحزب إلى الكفاح المُسلّح تحت راية جبهة التّحرير الوطني صيف 1955، فمُنِع نشاطه من طرف السلطات الفرنسية في 13 سبتمبر 1955- ناضل فيه من أجل استقلال الجزائر، حتّى اعتقله مظلّيو الجنرال الدّموي "ماسو" ليلة الثلاثاء 11 جوان 1957 من منزله بحيّ "شون دمانوفر" بالعاصمة، بعدما كانت الجمعية الفرنسية قد صوّتت لصالح إحالة مسؤولية إعادة الأمن بالعاصمة لأفراد الفرقة العاشرة من المظلّيين، وإطلاق أيديهم على المدنيين الجزائريين العُزّل بلا مُحاسبة، عقِب سلسلة العمليات التي قام بها أبطال جيش التّحرير الوطني في ذلك الوقت، فاعتُقِل أكثر من 18000 جزائري بنواحي العاصمة، وصُنِّف أكثر من 3000 منهم كمفقودين إلى يومنا هذا.
مشهد الإستشهاد
و في ذات الصدد ، تعمد سليم عبادو ان يصف مشهد استشهاد البطل الشريف "موريس أودان " و كأن الزمن توقف ليعري حقيقة المستدمر الغاشم الذي صب جل غله على واحد ممن آمن بقضية عادلة لا يمكن العدول عنها مهما كان الثمن ، في فقرة " فارق موريس أودان" الحياة تحتَ التّعذيب، ثمّ قاموا بإحراق جثمانه بنيران آلة التّلحيم لكي لا يتعرّف عليه أحد، ودُفِن في مكان مجهول إلى يومنا هذا".
وفي ذات السياق يصور عبادو موقف "جوزيت " أرملة البطل الوفية و مدى صبرها على فراق رفيق دربها "موريس أودان وذلك من خلال هذه الفرقة "لم يظهر "موريس" منذ يوم اعتقلته قوّات المظلّيين التّابعة للجنرال "ماسو".
وبقيت زوجته "جوزيت" مُصمّمة على كشف الحقيقة كاملة عمّا يكون قد حصل له. ولم تترك بابًا إلّا وطرقته من أجل ذلك، فقد نذرت حياتها وفاءً لذكرى زوجها، وحبيبها المغدور "موريس أودان".
اعتراف وشهادة ممن شارك في قتل أودان
كما تطرق عبادو في " بعيدا عن الأعين", الى ما بعد ارتقاء "الشهيد موريس أودان وذلك بعد ذكراه 61 و باسلوب يحاكي التاريخ و السرد في آن واحد ،وذلك من خلال فقرة حاول فيها تجسيدً شهادة واحد ممن شارك في قتل البطل "موريس أودان " و التي جاءت كالآتي " في يوم الأربعاء 14 فيفري 2018، المُصادف ليوم مولد "موريس أودان"، يقول "جاك جيبيي" –اسمٌ مستعار-بصوتٍ رخوٍ ومُتردّدٍ وهو يلتفتُ يُمنة ويُسرة: "أظنّ بأنّني أنا هو مَن قام بدفن موريس" ومُستعدّ لتقديم شهادتي.
هذا بعد أن صمتَ أمثاله لعقود، حوالي مليوني شابٍّ فرنسيّ أدّوا الخدمة العسكرية بالجزائر وكانوا شهودا على حوادث التـّعذيب حتّى الموت، التي طالت الجزائريين العُزّل على أيادي جلّادي الجيش الفرنسيّ، صمتوا خِشية انتقام الأغلبية المُتورّطة والمُتواطئين معها.
وتستوفي سطور رواية "بعيدا عن الأعين لصاحبها "سليم عبادو " بعيدا عن الاعين" ما جرى في يوم الخميس 13 سبتمبر 2018، من موقف صعب سمعت من خلاله "جوزيت " شهادة اعتراف خطير حول قتلة زوجها و بشكل رسمي ،حيث ان ذلك اليوم صادف يوم منع "الحزب الشيوعي الجزائري" من العمل السياسي، أين تنقّل رئيس الجمهورية الفرنسية إلى منزل "جوزيت" زوجة "موريس" بفرنسا، وقدّم لها اعترافًا رسميّا بضلوع الدّولة الفرنسية ومسؤوليتها في حادث إخفاء وتصفية "موريس أودان" ،وفق ما جاء في تفاصيل الرواية حسب تصريح سليم عبادو .