868
0
المنظمة الكشفية في الجزائر... أكثر من 82 سنة من العطاء...والإنتقال من بث روح الوطنية إلى تعزيز المواطنة
لا تزال المنظمة الكشفية بإطاراتها وقادتها تستثمر في بناء إنسان صالح لنفسه ولوطنه، وتراهن على فئة الاطفال باعتبارها حاملة مشعل التنمية والتقدم.
بين الماضي وما قدمته من تضحيات جسام وحاضر تواجهه تحديات خطيرة، لا يزال أبناء الحركة الكشفية يواصون المسيرة ولا يزال تاريخ 27 ماي من كل سنة يخلد الشهيد محمد بوراس مؤسس هذا الصرح التربوي.
زهور بن عياد
حول تاريخ المنظمة ودورها الحيوي يؤكد القائد العام لقدماء الكشافة الإسلامية مصطفى سعدون، أنه قبل الحديث عن الكشافة علينا أن نتكلم على الشهيد محمد بوراس الذي أعدم في 27 ماي 1941، وهومن مواليد 1908 ، رحل إلى العاصمة سنة 1926،احتك بالنخبة المثقفة من خلال حضوره للندوات التي كان يلقيها الشيخ الطيب العقبي في نادي الترقي، كما سجل نفسه في مدرسة الشبيبة العربية، بالإضافة إلى الدروس المسائية في الحقوق بجامعة الجزائر.
الإرهاصات الأولى
تكونت شخصية بوراس ونضجت، وفي 1930 يوم إحتفلت فرنسا بمئوية الإستعمار الفرنسي بمهرجان كبير شارك فيه كشافين من فرنسا، أعجب بالكشافة وفكر في تأسيس كشافة لها هوية جزائرية إسلامية.
في سنة 1935 حاول الحصول على الإعتماد من الإدارة الفرنسية، ليبدأ بتأسيس جمعية محلية تحت تسمية فوج الفلاح.
تحصل على الإعتماد سنة 1936،و اتخد من منزله في شارع أحمد علام حاليا مقرا له ثم انتقل إلى شارع بن اشنب بالقصبة الوسطى أين يقع اليوم مقر فوج الإرشاد التابع لقدماء الكشافة الاسلامية.
بدأ ينشط بوراس في فوج الفلاح ولاحظ بداية تاسيس أفواج أخرى على المستوى الوطني في قسنطينة فوج الرجاء والصباح، فوج الهلال في تيزي وزو وغيرها من الافواج، وهنا كتب رسالة في آوت 1936 يتحدث فيها مع القائمين على فوج الاقبال في البليدة على إمكانية توحيد الأفواج الكشفية وعرض على الجمعيات المحلية تأسيس فيدرالية.
فوج الإرشاد ينشط في أول مقر كشفي أسسه بوراس
في شارع ابن شنب بالقصبة الوسطى يقع مقرأول مقر كشفى أسسه محمد بوراس سنة 1936 ، وكان ينشط به فوج الفلاح.
لا يزال المقر يشّع بالنشاط والحيوية ولايزال يستقطب أطفال القصبة العتيقة في أكثر الأحياء شعبية في الجزائر العاصمة،وفي ذات الصدد يؤكد محافظ فوج الإرشاد إبراهيم كربوش أن الفوج تأسس سنة 1989 ولا يزال يؤدي رسالة بوراس من خلال الانشطة والبرامج المتنوعة.
وعن اليوم الوطني للكشاف يقول كربوش أن الإحتفال يأتي كل عام ليخلد ذكرى الشهيد بوراس الذي أعدم في ميدان الشرف بالخروبة.
مؤتمر الحراش وتأسيس فيدرالية الكشافة
انعقد مؤتمر في الحراش سنة 1939 كان جدول الأعمال توحيد الأفواج تحت لواء فدرالية الكشافة الإسلامية الجزائرية،وهنا تغيرت نظرة فرنسا للمنظمة وأصبحت تراها على أنها خطر يهددها باعتبارها تنظيم وطني يجمع كل الكشافيين.
تزامن هذا التوحد مع بداية الحرب العالمية الثانية ، مما جعل صعّب نشاط المنظمة وزاد التضييق عليها، خاصة وأن بوراس كان يسعى لربط علاقات مع الألمان وهنا إستقال من الفيدرالية كي لا يتأذى التنظيم في مارس 1941،
اعتقل بوراس في 03ماي وحوكم في محكمة عسكرية في 14 ماي، ليصدر في حقه حكما بالإعدام، وينفذ الحكم في 27 ماي.
وهنا يعقب سعدون كان فعلا بوراس يشكل خطرا على فرنسا، وما سرعة المحاكمة والتنفيذ إلا دليلا على محاولة فرنسا القضاء عليه.
إعدام بوراس وبداية مرحلة صعبة
بعد إعدام بوراس يوضح القائد العام لقدماء الكشافة قائلا " مرت الفدرالية بفراغ إعدام القائد والقيادات متخوفة، وهنا إحتارت الإدارة الفرنسية عن كيفية التعامل مع المنظمة هل توقفها أم تتركها تنشط".
وهنا كانت القيادات الكشفية ذكية حيث اقترحت أن يسيّر المنظمة القائد بوكردنة بإعتباره يملك جنسية فرنسية بالإضافة إلى أنه مثقف وقريب من الإدارة الفرنسية، واقترحوا أن يكون بجانبه فرحات عباس والشيخ بن زكري للمحافظة على المكاسب التي تم تحقيقها.
في ظل الحرب العالمية تم التضييق على المنظمة، لتسترجع أنفسها، سنة 1944 أين تم تنظيم تجمع كشفي كبير في "لالا ستي" بتلمسان،وتم جمع كل الافواج الكشفية وتم إعادة هيكلة الفيدرالية وهناك ترأس المنظمة الطاهرتجيني.
مشاركة الكشافة بقوة في مظاهرات 8ماي 1945
شاركت المنظمة الكشفية في المظاهرات وكان أول شهيد في المجازر الكشاف بوزيد سعال، فالسلطات الأمنية الفرنسية بعد هذه الإبادة أعدت تقرير في سبتمبر1945، أكدت فيه أن الكثير من المتظاهرين هم قادة كشفيين أم جوالة ، وهنا وضعت الفدرالية تحت الدراسة والتحليل لكل برامجها ونشاطاتها وعلاقاتها مع مختلف التنظيمات الإصلاحية والسياسية.
ليخلصوا في النهاية إلى خطورة التنظيم ، واختيار أحد الحّلين إما حّل التنظيم أو إبقائه تحت الرقابة،وفعلا تم اختيار المقترح الثاني وأصبحت الفيدرالية تحت الحراسة المشددة فكل نشاط أصبح يشترط رخصة.
وكان للفدرالية علاقة وطيدة بحزب الشعب وجمعية العلماء وكل التنظيمات السياسية والإصلاحية دعمت الكشافة بالأفكار والعلاقات وكان أول من دعمها بقوة الشيخ ابن باديس.
الكشافة أرضية للتحضير للثورة
في مرحلة الثورة التحريرية ساهم القادة الكشفيون بقوة في الثورة فتكوينهم على الإنضباط وإلتزامهم بالسرية ساعدهم في تأطير الثورة.
وفي ذات الصدد يشير سعدون إلى أن اللقاءات المهمة للثورة كان ورائها قادة على غرار لياس دريش قائد فوج الأمال بالمرادية، ومراد بوقشورة قائد كشفي كذلك.
فالكشافة لعبت دورا كبيرا في الثورة التحريرية وهذا ما كان متخوف منه الجيش الفرنسي ووقع بالفعل، سويداني بوجمعة كان قائد فوج النجوم بقالمة، والعربي بن مهيدي و ديدوش مراد ، وغيرهم فالحركة الوطنية والحركة الكشفية وجهان لعملة واحدة .
مؤتمر الإنبعاث وانبثاق تنظيمين متوازيين
في 1962 انعقد مؤتمر الإستقلال شارك فيه كل القادة الكشفيين، وباتت تنشط الفيدرالية تحت قيادة محفوظ قداش، في 1975 أصبحت تابعة للإتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية وأصبح فرع الكشافة، إلى جانب فرع الطلبة والشباب،كما تم إقصاء كل الكشفيين الذين تجاوز سنهم 30 سنة،وذلك بقرار من الرئيس الراحل بومدين الهواري.
مع بداية التعددية الحزبية وفي سنة 1989 انعقد مؤتمر الإنبعاث،انبثق عنه تنظيمين: الكشافة الإسلامية الجزائرية وقدماء الكشافة الإسلامية.
وترأس محفوظ قداش قدماء الكشافة ليليه مسعود ثوابتي، لتنتهي القيادة للقائد مصطفى سعدون عام 2011، ليصبح سنة 2018،قائد عام ورئيس الجمعية .
وعن أهم قادة المنظمة الكشفية يكشف عن أهم الشخصيات التي تركت بصمتها في تاريخ المنظمة الطاهر تجيني وعمر لاغا والشيخ محمود بوزوزو ومحفوظ قداش.
العمل على تكوين إنسان صالح
عملت المنظمة الكشفية حسب مايؤكده محدثنا بالأمس على بث الروح الوطنية ونحن اليوم نتحدث عن المواطنة، فدورالمنظمة اليوم هو محاولة تكوين إنسانا صالحا لنفسه وعائلته ومجتمعه ووطنه.
وهذا التكوين يخضع لبرنامج متنوع يتعلم منه الفرد كيف يفكر ويقرر ويشارك وكيف يبادر،وهذا لضمان تكوين متوازن عند الطفل حتى يندمج في المجتمع بسهولة ليكون منتجا ونافعا لغيره.
كما تركز قدماء الكشافة على العمل الجواري وتعتمد على العمل بالممارسة والتوعية بالأقران مثلا فيما يخص التحسيس بالمخدرات وانطلاقا من فكرة التربية بالأقران و الشاب بالشاب، تم عقد شراكة مع مديرية الأمن الوطني لتنظيم دورات تكوينية لفائدة الكشفيين حول مخاطر هذه الآفة، لينطلقون في عملية التحسيس والتوعية.
الذاكرة الجوارية مشروع واعد لربط الشباب بتاريخ الوطن
وكذلك في مشروع الذاكرة الجوارية يقول القائد العام لقدماء الكشافة "رأينا أن الاطفال والشباب ينفرون من المحاضرات التاريخية في قاعات مغلقة، فارتأينا تجسيد المشروع، بالإعتماد على السياحة ،فالأطفال يتجولون في مناطق الجزائر ويكتشفون جغرافية بلادهم ويلامسون تاريخ وطنهم".
كما انه تعتمد المنظمة اليوم عدة برامج ترفيهية و تكوينية كالطفل المقدسي وبرنامج الاسوة الحسنة وبرنامج الديموقراطية التشاركية مع الشباب خاصة ممن يصلون لمرحلة الجوالة، هذا التكوين والاهتمام بالشأن العام بالحي والمدينة والوطن ليكون الشاب نافعا لبلده ومجتمعه.
استقطاب أكثر من 30 الف منخرط
على المستوى الوطني تتكون قدماء الكشافة الإسلامية من 450 فوج عبر الوطن، وهناك بعض المحافظات الولائية ، في حين يوجد ولايات بها أفواج كشفية، ووصل الإنتشار إلى كافة التراب الوطني ، كعين قزام وجانت وإليزي، وهي اليوم تؤطر أكثر من 30 ألف منخرط والعنصر النسوي في ازدياد مستمر وقد بلغ اليوم نسبة 24 بالمئة من المنخرطين.
أهم التحديات التي تواجه المنظمة الكشفية يقول محدثتنا، أن العمل التطوعي صارصعبا خاصة بالنسبة للشباب أمام غلاء المعيشة وفقدان الثقة في العمل الجمعوي ،لذا نحاول استقطاب المنخرطين حتى يستمروا ليكونوا قادة كشفيين، فالعنصر البشري مهم ونحن نركز على التكوين ليكمل الشباب مسيرة محمد بوراس" .
والمنظمة على أبواب تنظيم المؤتمر الثامن لقدماء الكشافة تحت شعار المجاهد "حمدان بن عبد الوهاب" من 15 إلى17 جوان القادم وهذا المؤتمر سيكون محطة تقييمية وتقويمية،ومحطة للمراجعة ووضع استراتيجية للسنوات الخمس القادمة.