6608
0
الملكة "تينهينان" الأم الروحية للتوارق... صاحبة الجمال والحكمة
تين هينان ملكة أمازيغية جزائرية، وهي الأميرة والملكة الأولى للتوارق، ويُطلق هذا اللقب على المرأة الكثيرة الترحال والسفر.. اسم يتداول بقوة بولاية تمنراست، وخاصة عند أصحاب اللثام الأزرق، أوالتوارق، والتي تشكل بالنسبة لهم الأم الروحية التي استقرت بمنطقة الأهڤار وأسست سلالتها التوارق.
نزيهة سعودي
اشتهرت الملكة تينهينان بالجمال والحكمة والدهاء وهو ما جعلها تصل إلى الحكم بسهولة فقد كانت تتمتع بقدرات خارقة وإمكانيات جبارة ساعدتها في الدفاع عن شعبها وأرضها ضد الغزاة، مما جعل الصفات النبيلة في قبيلة الطوارق تنتقل عبر النساء وليس الرجال مثل بقية الشعوب، عُرفت تينهينان عند المؤرخين بلقب «أم الطوارق»، وتتفق الروايات التاريخية، والتي يعني اسمها "ناصبة الخيام"، تعرّضت لمضايقات من أسرتها الحاكمة في "تافيلالت" بالمغرب، إذ أُجبرت على الزواج من أمير أفريقي، فرفضت ثم فرّت رفقة حاشيتها نحو الصحراء.
هربت من ديارها بحثاً عن الحرية
ظلت تينهينان ومن معهما، يسيرون في الصحراء الشاسعة أياما وليالٍ، فنفذ منهم الزاد والماء حتى كادوا يهلكون، إلا أن الخادمة «تاكامت» تفطّنت إلى أسراب النمل وهي تحمل حبات الشعير، فعرفت تينهينان أن الماء لن يكون بعيدا، فاقتفوا مسار النمل حتى وصلوا إلى ما يعرف باسم منطقة "الأهقار"، وهناك وجدوا الماء و الأمن وكل مقومات الحياة، فشيدت صرح مملكتها وأدخلت تقاليد جديدة على المجتمع منها على الخصوص العمل وتخزين الزاد لوقت الشدة والاستعداد الدائم لقهر الغزاة القادمين من الشرق.
تقول الرواية الموروثة إن والدها قرر تزويجها بأمير إفريقي، فرفضت وهربت إلى ضواحي تمنراست. لكن رواية تاريخية أخرى تشير إلى أنها هربت نتيجة هجوم شنه الإمبراطور الروماني قسطنطين في القرن السابع، وهو ما يتناقض مع ما كشفه قبرها من أسرار. وفي كلتا الحالتين، فإن تين هينان هربت بحثاً عن الحرية، ولأنها كانت كثيرة الترحال، ونصبت الخيام لمن كانوا معها سميت "تين هينان" أو "ناصبة الخيام"، وفقاً للهجة "التماهاك" القديمة.
حكمت عددا كبيرا من القبائل
منطقة "الأهقار" كان يسكنها قوم «الأسباتن» المعروفين بخشونة طباعهم وخصوصية لباسهم المتشكل من جلود الحيوانات وبعبادتهم للطبيعة. كما عرفوا أيضا بالتحدث بلغة لها خط يسمى «التيفناغ». ولا يزال الطوارق حتى اليوم يستخدمون هذه الحروف التي توارثوها أبا عن جد في كتاباتهم الخاصة وتزيين قطع صناعاتهم اليدوية.
هزمت الملكة الجديدة للطوارق العديد من القبائل التي كانت طامعة في مملكتها، فطوعتهم جميعاً، ما جعل رجال مملكتها يطيعون أوامرها ويثقون في قراراتها.
ويقال بأن تين هينان استغلت جمالها لتسيطر به سياسيا على منطقة مزدهرة وقتها وحكمت عددا كبيرا من القبائل تنحدر منها جميع قبائل الطوارق الحالية في بلدان الصحراء الكبرى الإفريقية، والتي تتوزع حاليا بين الجزائر وليبيا وموريتانيا والنيجر ومالي وتشاد. كما تروى الروايات كثيرا عن شجاعتها وأوصافها الروحية ومشاعرها القلبية، وهي صفات جعلت سكان الأهقار ينصبونها ملكة عليهم، ولعل على هذا الأساس نفهم سبب انتقال صفات النبل عن طريق النساء في المجتمع الطوارقي، حتى أن الأطفال في العائلات النبيلة ينسبون لأمهاتهم وليس لآبائهم.
سميت منطقة "أهقار" نسبة لأحد أبناءها
تزوجت تينهينان فيما بعد، لكن لم يذكر التاريخ اسم زوجها الذي أنجبت منه أولاداً وبنات كان أشهرهم "أهقار" الذي سمي على اسمه جبل "الهقار" الواقع في منطقة تمنراست بالجزائر.
يقول عبد الله هسوف، في كتابه "الأمازيغ: قصة شعب" أن ابن تينهنان تنسب له المحكياتُ أصل ارتداء اللثام من طرف رجال الطّوارق، بسبب هروبِهِ من إحدى المعارك، وهو في طريق العودة، أحس بندم شديد بعد أن تنبه أن ذلك الصنيع لا يليق بقائد جيش وابن الملكة تينهينان.
بقي مُرابطاً بجيشهِ على مشارف الدّيار مدّة شهر كامل لا يستطيع الدّخول مخافةَ ملامة النسوة له، ولمّا طال بهم الحال ونفد ما معهم من زاد، وجدوا أنفسهم مجبرين على دخول الديار، فما كان من القائد سوى أن يغطّي وجههُ الذي يحملُ ملامح العار وكذلك فعل بقية جنده.
قبر الملكة يستعرض في متحف باردو بالجزائر
كشف هيكلها أنها كانت امرأة طويلة ورشيقة، وأنها كانت عريضة الأكتاف وذات ساقين نحيفين، ويستعرض متحف باردو في الجزائر قبر الملكة ومجوهراتها وحتى هيكلها العظمي، بعدما نقلتها من ضريح «أباليسا» بالأهقار بعثة فرنسية ـ أميركية مشتركة كانت أول من اكتشف موقع دفن المرأة الأسطورة والعثور على هيكلها العظمي عام 1925 من الميلاد.
و«أباليسيا» مكان موجود في ذاكرة الطوارق، يؤمون إليه ويقدسونه لأن الجدة والملكة تين هينان كانت ترقد فيه، وما زالت مجوهراتها تشكل إلهاماً للإكسسوارات الفضية أو المذهّبة التي ترتديها نساء الأمازيغ حتى يومنا هذا.
تركت تينهينان خصوصية واضحة في مجتمع الطوارق، وهذا ما يؤكده المؤرخ الشهير، ابن خلدون، حين يتحدث عن الطوارق ويصفهم بأنهم "أبناء تيسكي"، ويعني أبناء المرأة العرجاء، وهذا يتطابق مع ما توصلت إليه أبحاث الحفريات المكتشفة، والتي أكّدت بدورها أن تينهينان كانت عرجاء، فقد أصيبت الملكة في إحدى المعارك بجرح في رجلها، ما جعلها تعرج في مشيتها، ثم تحوّل هذا الجرح إلى "غرغرينا"، وتسبب هذا الداء في وفاتها.