257

0

المخزن..العزلة القارية تتعمّق

 بقلم: بن معمر الحاج عيسى

كان يُفترض أن تتحول الرباط أواخر سبتمبر 2025 إلى قبلة للبرلمانيين الأفارقة، من خلال احتضان الجمعية العامة السنوية للشبكة البرلمانية الإفريقية لتقييم التنمية (APNODE) أيام 24، 25 و26 من الشهر نفسه.

غير أنّ ما أُعدّ له ليكون مناسبة لإبراز “الدبلوماسية النشطة” للمغرب، انتهى إلى إعلان تأجيل مفاجئ للقاء إلى موعد لاحق، في خطوة حملت في طياتها أكثر من دلالة سياسية.

السبب المعلن: غياب المشاركة النوعية والكمية، وبالأخص غياب رؤساء البرلمانات، وهو ما أفقد المؤتمر وزنه المؤسساتي.

غير أنّ القراءة الأعمق تكشف أنّ الأمر يتجاوز مجرد عائق تنظيمي إلى تجسيد لعزلة متنامية للنظام المخزني على الساحة القارية.

فرغم ما بذلته الرباط من تحضيرات واسعة، ورغم إعلانها التكفل بكافة مصاريف النقل والإقامة للوفود المشاركة، إلا أنّ ذلك لم يكن كافيًا لإقناع العواصم الإفريقية بإيفاد ممثليها البارزين.

وهنا تكمن المفارقة: فالمغرب الذي استثمر طويلًا في المال السياسي والدبلوماسية البروتوكولية، يكتشف أنّ الإنفاق لا يعوّض غياب الثقة ولا يُنتج شرعية سياسية.

النتيجة أنّه تلقى صفعة قارية مدوية، عكست حقيقة موقعه داخل الاتحاد الإفريقي، وأظهرت محدودية رهانه على الاستعراض بدل المضمون.

إخفاق يتجاوز التنظيم

تحليل هذا التطور يبرز أنّه لم يكن وليد الصدفة، فمنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 بعد عقود من الغياب، حاول النظام المخزني فرض نفسه لاعبًا رئيسيًا عبر استضافة مؤتمرات ولقاءات، وبذل وعود استثمارية بمليارات الدولارات، إلا أنّه اصطدم بواقع مغاير.

فالقارة التي يقودها مبدأ تقرير المصير ورفض الاستعمار لم تغفر للمغرب تجاهله لقرارات الشرعية الدولية في قضية الصحراء الغربية، ما جعل محاولاته للتموضع كـ“قائد قاري” تفقد بريقها تدريجيًا.

الأزمة الأخيرة تؤكد هذه الحقيقة: لو كان المغرب يحظى بالمكانة التي يدّعيها، لما تردّد رؤساء البرلمانات في المشاركة، خصوصًا وأنّ الاجتماع ذو طبيعة تقنية وتنموية، لا يحمل في ظاهره طابعًا سياسيًا حادًا، لكنّ الغياب الجماعي كشف أنّ الرباط لم تعد موضع ثقة، وأنّ محاولتها استغلال التظاهرة لكسب نقاط سياسية باءت بالفشل قبل أن تبدأ.

شهادات الخبراء

الباحث السياسي السنغالي مامادو ديوب صرّح في حديث صحفي سابق بأنّ “المغرب يواجه معضلة واضحة: فهو يريد لعب دور قيادي في إفريقيا بينما لا يزال يرفض الاعتراف بحق تقرير المصير في الصحراء الغربية، هذا التناقض يُضعف مصداقيته ويجعله معزولًا في المنابر القارية”.

أما الأستاذ الجامعي الجنوب إفريقي نيلسون دلاميني فأكد أنّ “غياب رؤساء البرلمانات عن اجتماع الرباط كان رسالة سياسية صامتة، فالمقاطعة هنا أبلغ من الكلمات، وهي تعبير عن رفض تحويل المؤسسات الإفريقية إلى منصات دعائية”.

تراكم الانتكاسات

هذه ليست المرة الأولى التي يفشل فيها المخزن في مساعيه القارية، ففي السنوات الأخيرة، واجه النظام المغربي صعوبات متزايدة في تمرير مواقفه داخل الاتحاد الإفريقي، فعلى سبيل المثال، عندما حاول إدراج “مبادرات تنموية” تتعلق بالصحراء الغربية ضمن أجندة بعض اللجان، اصطدم بمعارضة قوية من دول جنوب إفريقيا، الجزائر، نيجيريا، وكينيا.

كما أنّ عدة مؤتمرات اقتصادية عُقدت في الرباط والدار البيضاء لم تحظَ بالحضور المنتظر من القادة الأفارقة، ما حوّلها إلى لقاءات باهتة.

بل إنّ بعض المشاريع التي أعلن عنها المغرب، مثل خط الغاز مع نيجيريا أو شراكات زراعية مع دول الساحل، بقيت حبيسة الوعود أكثر منها إنجازات ملموسة، ما عزز صورة المغرب كفاعل يكثر من الوعود ويقلل من الأفعال.

العزلة في الاتحاد الإفريقي

في أروقة الاتحاد الإفريقي، يتردد الحديث عن “تكتلات صامتة” باتت تتجنب الاصطفاف مع الرباط.

فالمغرب، رغم محاولاته، لم ينجح في كسر الجدار الصلب الداعم للصحراء الغربية. القرارات الصادرة عن الاتحاد لا تزال تؤكد بوضوح على حق الشعب الصحراوي، بينما لم يحصل المغرب على أي قرار يعترف بضمّه للأراضي الصحراوية.

هذا العجز يُترجم اليوم في فقدان القدرة على جمع قادة الصف الأول حتى في لقاء تقني.

ويشير المحلل الكاميروني جاك نكوم إلى أنّ “القارة تعطي الأولوية اليوم للشراكات القائمة على الندية والاحترام المتبادل، بينما المغرب يصرّ على نهج يقوم على شراء المواقف بالاستثمارات المؤقتة، هذه السياسة لم تعد مقبولة، والدليل أنّ حتى الأموال لم تجذب الحضور إلى الرباط”.

تداعيات داخلية وخارجية

فشل الاجتماع لا يقتصر على خسارة مناسبة دبلوماسية، بل ستكون له انعكاسات متعددة.

داخليًا، قد يتساءل الرأي العام المغربي عن جدوى صرف الأموال الطائلة على مؤتمرات فارغة بينما يعيش البلد أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة.

وخارجيًا، فإنّ الرسالة وصلت إلى الشركاء الدوليين: المغرب لم يعد يمتلك الوزن القاري الذي يروج له، وبالتالي فإنّ رهانه على لعب دور “الجسر بين إفريقيا وأوروبا” يبدو في مهب الريح.

الأكثر خطورة أنّ هذا الفشل يضعف أوراق المغرب التفاوضية مع القوى الكبرى.

فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يراقبان عن كثب موازين القوى في إفريقيا، يعلمان جيدًا أنّ الوزن الحقيقي يقاس بمدى النفوذ داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وعندما يعجز المغرب عن تنظيم اجتماع برلماني ناجح، فإنّ ذلك يخصم من رصيده الإستراتيجي.

نحو مزيد من العزلة

تأجيل اجتماع الرباط هو عرض لمرض أعمق: عزلة سياسية آخذة في التوسع، وإذا لم يُغيّر المغرب مقاربته جذريًا، عبر الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية والبحث عن شراكات ندّية حقيقية، فإنّ مسلسل الإخفاقات مرشح للاستمرار. وربما نجد أنفسنا أمام مشهد يتكرر: مؤتمرات مؤجلة، لقاءات باهتة، ووعود لا تجد طريقها للتنفيذ.

ما حدث في الرباط ليس مجرد عثرة تنظيمية، بل هو علامة فارقة في مسار دبلوماسي مأزوم.

لقد أراد المخزن أن يثبت أنه حاضر بقوة في إفريقيا، فإذا به يكشف عن هشاشة موقعه.

أراد أن يبرهن على قدرته على جمع البرلمانيين الأفارقة، فإذا به يواجه مقاطعة تكاد تكون جماعية.

أراد أن يُظهر سخاءه المالي، فإذا به يصطدم بحقيقة أن المال لا يشتري الشرعية.

إنها صفعة أخرى تضاف إلى رصيد الخيبات، وتأكيد أنّ المغرب يسير بخطى ثابتة نحو عزلة قارية لا تُجدي معها مؤتمرات مؤجلة ولا شعارات براقة.

القارة قالت كلمتها بصمت، ورسالتها واضحة: لا مكان لمن يحاول الالتفاف على القانون الدولي أو تحويل المؤسسات المشتركة إلى مسرح للاستعراض.

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services