129

0

المجلس الأعلى للغة العربية يكرّم .. واللغة تنتظر التكريم  العملي ...

في اليوم العالمي للغة العربية( 18 ديسمبر)

 

يوم 18 ديسمبر من كل سنة، يوم خصصته الأمم المتحدة سنة 1973  للاحتفال باللغة العربية التي أصبحت لغة عمل وتداول في الهيئة الأممية  ومنظماتها  منذ تلك السنة.

مسعود قادري

فاللغة العربية تُعد لغة عالمية ذات أهمية ثقافية عظيمة، يبلغ عدد الناطقين بها أزيد من 450 مليون شخص وهي لغة رسمية لحوالي 25 دولة. ومع ذلك، فإن المحتوى المتاح لها على شبكة الإنترنت، لا يتجاوز نسبة 3%، مما يحرم ملايين الأشخاص من الانتفاع به، وهو مايتطلب  بذل جهود كبير من الأبحاث باستخدام الذكاء الاصطناعي لإلحاقها بالركب وتوفير الكم اللازم من المعلومات للمتعاملين بهذه اللغة العريقة .

الاحتفالات الرسمية في الجزائرهذه السنة تميزت بتكريم المجلس الأعلى للغة العربية لعدد من المتفوقين في مسابقة نظمت بالمناسبة للمهتمين باللغة والأبحاث فيها دون الساهرين على تفعيلها وتجسيدعا في التعامل اليومي والانتشار في المحيط والجامعات  التي فقدت مكانتها في فروعها العلمية بالخصوص.

هذا التكريم لايجعلنا نبخل الفائزين بالتهنئة والتقدير على الجهود  التي  تأتي في وقت يعاكس فيه  المحيط  مجهودات الباحثين بعض الهيئات ويتسابق مستعملوه لإعادة هيمنة لغة المستدمر رغم المكائد التي يكيدها قادته لبلادنا  والمناورات التي يحيكها ضدها في المناسبات وبدونها..؟ ! .

مايقوم به المجلس الأعلى للغة العربية  من مجهود أكاديمي يستحق التقدير والتبجيل والتكريم، لكنه يحتاج إلى من يقف وراءه ويسهر على  تجسيده في الواقع ليستفيد منه العام والخاص.

هذا الأمر لايحتاج إلا إلى قرار صارم وسياسة واضحة لا يتوانى فيتأكيد  دور اللغة في الحفاظ على الموروث الثقافي والشخصية الوطنية ...

 فاللغة العربية لايفيدها يوم تقرره الهيئة المتحدة واهلها غافلون عنها ، لاهثون وراء لغات وثقافات الغير التي طورها أهلها بالاهتماد على ماقدمتهالحضارة العربية للانسانية باللغة العربية طبعا .

فاللغة لاتحتاج إلى عصا موسى ولا إلى خاتم سليمان  لتستعيد مكانتها التي سلبت منها ظلما وعدوانا من المستدمر السابق وعملائه ، بل هي في حاجة ماسة لولوج مدرجات الجامعات العلمية التي طردت منها في الثمانينات، بدعاوي باطلة .. وقرارات إدارية صارمة تفرض  إعادتها للواجهات والمعاملات بدلا من غيرها ..

  فالسائح التي تسعى البلاد لجعله  موردا اقتصاديا وخير ناقل وسفير يعرف قومه بالقيمة التاريخية الكبرى لوطننا الواسع وما يزخر به من لوحات فنية طبيعية يزينها المناخ المتنوع  والتراث العريق ،  قد يرتاح ويطمئن لكرم الضيافة وحسن الاستقبال  والمأكل المتميز المحافظ على طبيعته، الخالي من المؤثرات الكيمياوية والوراثية التي أفقدت الغذاء الحديث طعمه و فائده ـ كل هذه المنافع التي سيخرج بها السائح الأجنبي ، لن تغنيه عن  شيء مهم وهو اللسان الرسمي لهذه الأمة ذات التراث الثقافي المتنوع والتي حفظته اللغة العربية  التي هي خير  حامل لكتاب الله ورسالة الإسلام. فإذا كنا نخاطب السائح ونتعامل معه بلغة المستدمر السابق ، فلا نظن أننا سهلنا عليه فهم واقعنا وبلدنا بقدر ماأعطيناه فكرة عن سوء تقديرنا للغتنا واهتمامنا بلغة دخيلة على حساب لغتنا ولسان حضارتنا وثقافتنا التي لاتضاهيها ثقافة أخرى في العراقة  والأصالة والتنوع والانسجام ...

 بالعودة قليلا إلى تاريخنا القريب يجدر بي هنا،  أن أذكر بشيء مهم  سجلته حقبة السبعينات  من القرن الماضي عندما دخلت الدولة في حملة عامة لتعريب المؤسسات  ثم نشر التعريب في المحيط العام الذي  تزينت مظاهره بالحرف العربي وخطه الفني الجميل .. وهو مالفت انتباه مجلة لبنانية شهيرة في تلك الحقبة " البلاغ " فخصصت تحقيقا مطولا عن التعريب في الجزائر وما تقوم به مختلف المصالح  لتبليغ الرسالة الهادفة إلى تحقيق الاستقلال الثقافي والتخلص من التبعية للغة المستدر.. ومن بين سبل  نشر التعريب  ـ كما لاحظت المجلة وقتهاـ، الاعتماد على الحصص الرياضية والمباريات الكروية.. وهو ما انعكس حاليا بتنوع المشهد السمعي  البصري في الجزائر منذ التسعينات ، حيث أصبحت بعض القنوات تتستر وراء  العولمية والتطور لتضرب اللغة العرب في الصميم بإنتاج حصص عناوينها غريبة وحواراتها أكثر غرابة ..وتقليدها في ذلك قنوات إذاعية هجينة ، اختارت اللغة المالطية ( خليط من عدة لغات " لتخاطب شبابنا الذي هو في الأساس معربا باعتباره إبن المدرسة الأساسية ..  يكفي هنا متابعة  بعض البرامج الرياضية في قنوات خاصة لنرى مدى إساءتها للغة الضاد  بادعائها الخروج عن "الطابو" الذي استعمل لضرب كل القيم بما فيها الأخلاقية .. وهنا نتساءل عن دور المجلس الأعلى للغة العربية في مكافحة هذه المظاهر مع سلطة الضبط للسمعي البصري التي لاتهتم  على مايبدو إلا بالمحتوى السياسي دون الرياضي وغيره ...؟ !. وإلا كيف نفسر السماح بإنتاج برامج بعناوين  هجينة تخدم لغة المستدمر والدارجة وتتطاول على اللغة العربية ...

 بالمختصر المفيد ، اللغة العربية في حاجة ماسة إلى عناية ورعاية من أهلها ، لأن اللغات التي تهيمن  في عصرنا، وصلت إلى ماوصلت إليه بفضل أبنائها الذين تفانوا في خدمتها وتعميم استعمالها  في المحيط العام  وفي وسائل الإعلام التي مازالت في بلدناـ مع الأسف الشديد ـ إما مدعمة للغة المستدمر بدفع من جهات مازال لها نفوذ في دواليب الإدارة ، وإما غير بعيدة عن الأولى لكنها تستعمل طرقا ملتوية للوصول إلى  نفس الهدف بالسعى لفرض الدارجة كبديل يرضي الفئة الأولى  ولا يهم إن كان المحيط الحالي أغلبه من الشبات المتقن للغة الضاد والمفضل لها  ، بينما  قلة قليلة ممن لهم مركبات  نقص وتبعية  وحب عذري للغة "فافا" تسعى لزرع الشوك والدفاع عن اللغة التي تباهى بها أقوام من إخواننا وجيراننا الأفارقة  فمر عليهم القطار وهم ينشدون" لامارسييز"، فاستيقظوا ليجدوا أنفسهم في العراء ..؟

والكلمة الأخيرة  في هذا الشأن ، هي أنه إذا  بقي محيطنا  العام وبعض قطاعتنا التعليمية والعملية مستمرين في التعامل  بلغة غريبة  أو خليط من اللغات ـ كما هو الحال في المحيط التجاري ـ فسيجد أجيال  المستقبل ـ على الأقل ـ  صعوية في الاقتناع بأن لهم لغة عريقة وثرية وقادرة على احتواء كل العلوم والتقنيات ،كما احتوت تراث الأمة المتنوع ، قبل أن تتعرض للتهميش والإقصاء من المستدمر ثم من أذنابه وأتباعه في عهد الاستقلال  .هذا التناقض سيفرض على أجيال المستقبل العيش في غربة بوطنهم يتقبلون  كل مايأتيهم من الفضاء  دون غربلة وانتقاء؟ ...

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services