47
0
المغرب: احتجاجات أزيلال.. صرخة من هضبة مُهمشة بينما يزدهر التطبيع

بقلم: لحسن الهوصاوي
في مشهد يختزل مفارقة صارخة، تفتح الحكومة المغربية أبوابها على مصراعيها لاستقبال المسؤولين الإسرائيليين في إطار اتفاقية التطبيع، بينما تُهمل في الوقت ذاته مجتمعات مغربية بأكملها تعيش على هامش التنمية، تعاني العزلة، الجوع، والفقر المدقع.
ومن قلب هذه المعاناة، ترتفع صرخات أهالي أزيلال، هضبة سعيدة سكانها تعساء، يفتقرون لأبسط مقومات الحياة: لا كهرباء، لا ماء، لا شبكة هاتف، لا غاز، ولا طرقات معبدة.
أضواء الدبلوماسية وظلال التهميش
تتصدر صور اللقاءات الرسمية الرفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، والاتفاقيات الاقتصادية، والزيارات السياحية المتبادلة، واجهة الإعلام الرسمي، مقدّمةً التطبيع كبوابة للاستثمار والتقدم التكنولوجي.
يُصوَّر هذا المسار الدبلوماسي وكأنه الحل السحري لمستقبل المغرب
لكن بعيدًا عن هذه الأضواء البراقة، وفي قرى جبال الأطلس النائية كما هو الحال في أزيلال، وفي تجمعات سكانية على أطراف الصحراء، وفي أحياء شعبية مهمشة بضواحي المدن الكبرى، يعيش آلاف المواطنين المغاربة واقعًا مختلفًا تمامًا:
عزلة قاتلة: طرق وعرة أو منعدمة تزيد من عزلة هذه المناطق، مما يجعل الوصول إلى أبسط الخدمات الأساسية أمرًا شبه مستحيل
جوع يُذل: تعجز العديد من الأسر عن توفير وجبة واحدة متوازنة يوميًا، ويعاني الأطفال من سوء التغذية، في مشهد قاسٍ يكشف حجم الفقر.
فقر مدقع: يغيب الأمل في ظل غياب فرص العمل، ويعتمد الاقتصاد الهش على الكفاف، بينما تفتقر البيوت لأدنى معايير السكن اللائق، ما يحرم السكان من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
حرمان من الخدمات: نقص فادح في المراكز الصحية، مدارس بلا موارد، وانعدام أو شُح في مياه الشرب الصالحة والكهرباء، ليضاف إليها غياب شبكات الهاتف والغاز في مناطق مثل أزيلال.
سؤال الإنصاف
يثير هذا التناقض الصارخ أسئلة جوهرية عن أولويات السياسة الوطنية: كيف يُبرر توجيه موارد وجهود دبلوماسية واقتصادية كبيرة نحو التطبيع مع دولة بعيدة، بينما تُحرم فئات واسعة من مواطني البلاد من حقوقهم الأساسية في العيش الكريم على أرضهم؟
أين العدالة الاجتماعية في هذه المعادلة؟ وهل يعقل أن يكون "الانفتاح" على الخارج أولوية تتجاوز سد جوع ومعالجة معاناة المواطنين الداخلية؟ متى ستحظى هذه المناطق المنسية بالاستثمار الحقيقي في بنيتها التحتية، وخدماتها الصحية والتعليمية، وخلق فرص العمل لسكانها؟
نداء إلى الضمير
إن مشهد المغرب اليوم يقدم صورتين متعاكستين: صورة لامعة تُبث على شاشات التلفزيون عن مستقبل مزدهر عبر التطبيع، وصورة قاتمة يعيشها يوميًا من نسيهم الركب في جبالهم ووهادهم وأحيائهم الفقيرة.
التحدي الحقيقي الذي يواجه المغرب ليس فقط في إدارة علاقاته الخارجية، بل في تحقيق كرامة مواطنيه كافة دون تمييز. فالتقدم الحقيقي يُقاس بتحسين حياة الأكثر ضعفًا، لا بمدى قوة العلاقات مع الخارج على حسابهم.
لا يجوز أن يكون نجاح الدبلوماسية على ظهر الفقراء. حان الوقت لتعود هذه المناطق المنسية والمجتمعات المهمشة إلى صلب أولويات التنمية، فكرامة المواطن المغربي وحقه في حياة كريمة يجب أن تكون فوق كل اعتبار.