269
1
المجاهد محمد العربي يروي لبركة نيور تفاصيل كفاح عائلة العربي" التي وفرت السلاح والمخابئ واحتضنت الثورة المباركة
تزامنا مع ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر...
في أعالي مدينة الدويرة وبالتحديد في القرية المسماة الكسايرية، لاتزال كل بقعة من هذه المنطقة، شاهدة على ما قدمته من تضحيات جسام في سبيل استرجاع السيادة والحرية.
زهور بن عياد
لايزال ذاك البيت الواسع الذي يتصدرالقرية يروي حكاية عائلة العربي جلّها التي تجندت في صفوف الثورة المجيدة، أكثر من 30 شخص بين مجاهد وشهيد ، نساء ورجال، صغار وكبار، مثلت العائلة أكبرتحدي للمستعمر وعملائه فلاقت الويلات من تنكيل وتعذيب ولكنها بقيت صامدة صمود الجبال الراسيات الى أن تحقق النصر.
من النضال في الحركة الوطنية الى التجنيد في صفوف الثورة
في زيارة لبركة نيوز لبيت المجاهد محمد العربي الذي بلغ 84 عاما، أول ما شدنا ذلك المظهر الذي يوحي بوطنية عالية و يبعث في النفوس الطمأنينة بمنظر للأعلام الوطنية التي انتشرت في مدخل المنزل وزينت ذاك البهو الفسيح وصور بالأبيض والأسود لرجال ونساء سطروا أسمائهم بالدماء، وبهمة عالية استقبلنا المجاهد وكأنه يحتفل للمرة الأولى بإستقلال الجزائر.
استذكرمعنا والده المجاهد عبد القادر الذي التحق بصفوف النضال في الحركة الوطنية منذ 1947، رفقة فرحات عباس وقايد أحمد وقدور ساطور وغيرهم، وكان المجاهد عبد القادر من الآوائل الذين التحقوا بصفوف الثورة تحت شعار كلنا للفداء.
ابن 14عاما يكلف بمهمة الشجعان
كثيرا ما كان يتردد على المنطقة أبطال الثورة على غرار سويداني بوجمعة وعبزيو الحسين ومحمد العزوني وغيرهم لبعث الروح الوطنية وتجنيد الشعب في صفوف الثورة، فكانت الأرضية مهياة لتكون قرية الكسايرية حاضنة للثورة والثوار.
المجاهد محمد العربي وهو الإبن البكر لعبد القادرالتحق بوالده ليكلف بمهمة جلب المؤونة من غذاء وسلاح للمجاهدين، فكان يرافق والده في رحلته من الكسايرية الى القصبة في شاحنة تملكها العائلة.
كان السلاح يخبأ بإحكام وسط السلع حتى لا يكشفه العدو، كما عمل الوالد عبد القادر في هذه الفترة على جمع الاشتراكات لجبهة التحرير الوطني.
فكانت عائلة العربي تتكفل بتوفير كل ما يحتاجه المجاهدين وكثيرا ما كان يتردد البطل سويداني بوجمعة على العائلة لطلب الغذاء والمؤونة للمجاهدين.
وكان يرافق المجاهد عبد القادر في رحلته المجاهد موح الشولي اللذان تكفلا بشراء كل ما يحتاجه المجاهدين من سلع وغذاء.
حمل الرسائل للمجاهدين مهمة أخرى يكلف بها الطفل البطل
رغم سنه الذي لم يتجاوز 15 عاما إلا أنه كان يقود الشاحنة ويساعد والده في عملة الثوري، وهدا ما جعل قيادة جبهة التحرير الوطني تكلفه بمهمة ايصال الرسائل السرية الى المجاهدين.
في صورة جمعته بالقائد البطل يوسف الخطيب قائد الولاية الرابعة التاريخية، يروي لنا المجاهد رحلته إلى جبل موقرنو لإيصال رسائل سرية الى القائد الراحل ليخفيها في مكان لا يخطر على بال بشر في حزام سروالة تطوى الرسالة بإحكام "تكة السروال"، وبهذه الطريقة كان يستطيع تمويه المستعمر وخداعه، وتأمين هذه العملية التي تحمل الكثير من المخاطر.
حفر المخابئ..لإخفاء الأدوية والسلاح
في عام 1958 وحين اشتد لهيب الثورة كلف البطل بوعلام شرشالي عائلة العربي بحفر المخابئ داخل المنزل لإخفاء الدواء والسلاح، فتم حفر ست مخابئ ثلاثة منها داخل المنزل وثلاثة بالقرب منه، وهنا يتذكر المجاهد محمد العربي بالقول "كان مخبأ تحت شجرة التين وكانت عمتي حورية المسؤولة عنه أما الحفر فقد قام به كل العائلة منهم العربي العربي رابح ، محمد ، بزيد....، وتم تكيفي بالحراسة وشراء السلع".
وعن الذين دخلوا المخابئ يقول: " مزيان اعمر، بوسالم مداني، بوعلام بلوسي، أما بوعلام شرشالي فقد استشهد قبل الانتهاء من عملية الحفر".
ويضيف تم حفر المخبأ الثاني بالبستان ثم باقي المخابئ، وقد تكفل كل من محمد العربي وبوزيد العربي وعبد الله العربي باحضار الاكل للمجاهدين أما نساء العائلة فقد أخذن على عاتقهن تحضير الأكل للمجاهدين، منهن بوعلال باية ، ابراهيمي فاطمة الزهراء ، مداس عائشة وكان يوجد على امتداد 800 متر مربع ست مخابئ.
عملية تصفية الخونة توقع عائلة العربي في قفص الإتهام
يوم 15 جويلية 1959، قام المجاهدون بتصفية ثلاثة خونة رفقة امرأة في الرمضانية وفي اليوم الموالي اتهمت عائلة العربي بالعملية وهنا يستذكر المجاهد محمد العربي قائلا: "قام عساكر العدو بمحاصرة بيتنا وجمعوا أفراد العائلة الذين بلغ عددهم 80 شخصا فطلب رئيس البلدية انذاك بعدم قتل الاطفال وتم نقل افراد العائلة الى حوش دابوسي بالثكنة العسكرية وهناك اطلق سراح الاطفال والنساء ماعدا العربي عزيزة وست رجال هم محمد وعبد القادر وبوزيد ورابح واحمد وتم ارسال مجموعة الى سجن فوكة واخرون الى ثكنة بني مسوس واخرون الى سجن بوغزول، تم الحكم بالاعدام على بعضهم وقام الجد العربي العربي بدفع الفدية لضابط بزرالدة فاطلق صراحي انا ووالدي وعزيزة اما بوعلام ومحمد وبوزيد ورابح فقد بقيوا في السجن الى غاية الاستقلال".
صمود رغم التعذيب والتنكيل
رغم صغر سنه انذاك الا أن المجاهد محمد العربي كغيره من أفراد العائلة تعرض لأشد أنواع التعذيب في سجن بئرطرارية ،بالصعق الكهربائي الذي لا تزال أثاره تحفر أجزاء من جسده.
رغم التعذيب والتنكيل الجسدي الذي دام أكثر من 18 يوما الا أن المستعمر لم يستطع الظفر باي معلومة تخص المجاهدين اوعملياتهم الفدائية، وبقي في السجن لمدة ثمانية أشهر.
وفي 11 ديسمبر 1960 يتذكر المجاهد مشاركته في مظاهرات جابت كل مناطق الوطن للمطالبة باستقلال الجزائر ولكن المستعمر رد عليها كعادته بالقتل والتعذيب والسجن وتحولت الكثير من المدن إلى ساحات للدم ليتأكد الجزائريون في كل مرة أن الحرية لا تسترجع إلا بالقوة.
وفي سنة 1961 يعود المجاهد بنا الى عملية خطيرة اشرف عليها شخصيا ، والمتعلقة في نقل السلاح مسدسات و رصاص، الى محل الجزار الجيلالي بن معمر ولكن هذا الاخير خشي من اكتشاف امره فحمل السلاح رفقة علي بوعلال لبيت العائلة، الذي قصده 24 مجاهدا وقد اخفت الأم السلاح في صندوق الارانب.
ويضيف "التقى والدي بالمجاهد رابح بلحسن الذي كان يحضر له الدواء من مستشفى مصطفى باشا واخبره ان هناك من يريد القيام بعملية فدائية فاخبره ابي بان الامكانيات متوفرة".
وقام فعلا هذا الفدائي بقتل ضابط فرنسي ، وفي عملية أخرى قام المجاهد محمد العربي بتأمين أكثر من 16 بندقية و30 خرطوشة ، وفيما يخص الاتصالات فقد عمل على إيصال الرسائل بين المجاهدين بين عدة مناطق منها، الدكاكنة وتقصراين والعاصمة وسحاولة وعين النعجة.
الأخت فتيحة العربي تسجن في عمر التسعة أشهر
فتيحة العربي أخت المجاهد تروي هي الأخرى تفاصيل لا تتذكرها سوى من رواية عائلتها، حيث سجنت مع والدتها وهي رضيعة لا تتجاوز التسعة أشهر، ولكن رغم أنها من مواليد 1959، الاأنها لا تزال تحفظ في ذاكرتها الكثير من الاناشيد الوطنية والأغاني الثورية.
تتذكر السيدة فتيحة ما كانت تخبرها بها والدتها المجاهدة وما عانته عائلة العربي التي قدمت سبعة شهداء وأكثر من 30 مجاهدا ومجاهدة وما كانت تفعله النساء لحماية الفدائيين.
تقول "لأن منزل العربي كان يأوي العشرات من المجاهدين فكانت النساء دائما يفكرن في حيل لحماية الثوار من المستعمر الذي كان غالبا ما يستعين بكلاب لاكتشاف أثارهم، وكن يلجأن الى حيلة دس الفلفل الأسود في أحذية المجاهدين وحين تقترب الكلاب تنفر من رائحة الفلفل الأسود اللاذعة، وتبدا بالعطاس فتفقد حاسة الشم وتفشل المهمة".
وعن سجنها رفقة والدتها تقول أنه بعد مقتل الخونة حاول أحد المتعاونين مع المستعمر دس صورة للمجاهد المرحوم لخضر بورقعة بين ملفات العائلة الخاصة بالمنزل،لإثبات الحجة على العائلة، ولكن لحسن الحظ تم اكتشاف الصورة وحرقها، وهناك فشلت خطة الخائن.
وتبقى عائلة العربي رغم مرور 70 سنة عن الثورة المباركة تتغذى على ذكريات الابطال الأفذاذ وتقدم نماذج صادقة للتضحيات ولا يزال المجاهد محمد العربي يناظل من أجل تخليد اسماء شهداء العائلة الذين استطاع أن يساهم في تسمية مسبح الدويرة ومدرسة بإسم من قدموا حياتهم فداءا للوطن.