79
4
المعادلة السّنّنية للتمكين والنصر في غزة
ما بعد الإبادة " : قراءة في سنن ودوافع الصمود الفلسطيني كتحول نفسي وأخلاقي وحضاري"

محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا
ترتكز فقرات هذه القراءة المقتضبة على تحليل المرحلة التي تلت ذلك الإعلان الهش لوقف إطلاق النار في غزة (بداية أكتوبر 2025)، بعد حرب إبادة ودمار شامل أصاب البشر والحجر والبيئة ولم تنجو حتى البنية المعرفية نفسها في غزة وما حولها !!
إذ كما بات يدور هذه الأيام في أروقة الرصد الاستخباراتية و مراكز البحث والصفوف الفلسطينية والإسرائيلية والعربية، وعلى امتداد العالم، جدل ساخن موضوعه تقييم ما حصل في حرب غزة، وهل يشكل انتصارًا أو هزيمة لهذه الجهة أو تلك، أو ما بين الانتصار والهزيمة، لأن الحرب لم تستكمل ولم تحسم بالضربة القاضية لصالح هذا الطرف أو ذاك، رغم الفارق في العدة والعتاد بين أكبر دولة عسكريا إقليميا في الشرق الاوسط، ومقاومة شعبية في حيز ضيق كغزة. علما أن تقييم الحرب لن يحسم إلا عندما تضع الحرب أوزارها فعليا وعمليا وتنسحب اسرائيل من تراب غزة بكاملها ويتم تطبيق المراحل المتفق عليها، ومن ثم نرى هل توقفت من دون تحقيق أهدافها الإسرائيلية التدميرية، مع عدم التقليل من أهمية ما حققته من تخريب على مستويات متعددة حتى في صفوف مقاتليها و مجنديها وفي عقر دارها، و قد يكاد يجمع العام و الخاص على أنه ما لم تستكمل تحقيقه إسرائيل خلال سنتان كاملتان من الحرب أي تقريبا حوالي 720 يومًا، من الصعب أن تحققه الآن أو في المستقبل القريب على الأقل، لا قدر الله.
المتعارف عليه في التاريخ أن الضعيف ينتصر عندما يصمد
بدليل عدم تحقيق دولة الاحتلال الأهداف التي أعلنتها، والخسائر على مختلف الأصعدة التي تكبدتها، بما فيها تخلخل المكانة الإستراتيجية لإسرائيل ودورها الوظيفي وسقوطها الأخلاقي، وفي ظل أن القاعدة المتعارف عليها في التاريخ أن الضعيف ينتصر عندما يصمد، ولم يمكن الطرف القوي من تحقيق أهدافه، والعكس صحيح، وسواء طبق الاتفاق أو لم يطبق كاملا، فإنه يتعلق بمعركة وجولة جديدة في صراع طويل بدأ منذ أكثر من مائة عام وسيستمر مهما طال الزمن حتى يعود الحق إلى أصحابه.
و كما يجزم ملاحظون كثر إذا لم تتغير الموازين الدولية، أن اسرائيل ستبقى بعنادها تستخدم، شعار (رفض سيطرة حماس على القطاع)، لمواصلة الاغتيالات والاعتقالات والهدم والتدمير في أرض فلسطين كاملة، دون رقيب ولا عتيد، لا قدر الله..
أمام «الإبادات المتعددة الأوجاع» الشعب الفلسطيني أظهر صموداً وجودياً وروحياً
و اليوم رغم اتساع حجم الجرائم على شعب غزة ووصفها من قبل قادة أكثر من 40 دولة بأنها إبادة جماعية لا لبس فيها ، فإن الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في غزة، أظهر صموداً وجودياً وروحياً جعل العديد من المفكرين يتحدثون عن «زلزال حضاري وإنساني» في الضمير العالمي!!
صمودا بطوليا يواجه ما أسميناه في مقال سابق بـ«الإبادات المتعددة الأوجاع» ـ إبادة جماعية، بيئية، اقتصادية، ومعرفية ـ نتيجة تدمير أكثر من 90% من المنازل والمنشآت، واستهداف الجامعات والمدارس وحتى المقابر !!.
كما تشير لذلك تقارير هيومن رايتس ووتش و مؤسسات أخرى منها هيئات من الأمم المتحدة إلى تحول سياسات الحصار والدمار إلى أدوات إبادة جماعية اجتماعية وتجويع منتظم مقصود على كافة الاصعدة.
الجريمة النكراء في حق شعب غزة ستبقى وصمة عار في صفحات تاريخنا المعاصر
رغم ذلك وكما ذكرنا في مقالنا سالف الذكر، أن الوضع لا يزال على كف عفريت، و الجريمة النكراء في حق شعب غزة ستبقى وصمة عار في صفحات تاريخنا المعاصر ترصع به جبين الانسانية جمعاء ناهيك عن العرب والمسلمين، وحصر عمليات الإبادة في جهات معينة لا يكفي لوصف الوضع الحالي لغزة، بل هي إبادات متنوعة الاشكال ومتعددة الاوجاع، إبادة جماعية إجرامية مكتملة الأركان للشعب الفلسطيني المحاصر الأعزل، الذي وُصف أبناؤه وأهله بـ"الحيوانات البشرية"؛ إبادة بيئية اجتماعية اقتصادية ارجعتهم للعهد الحجري او قل القرون الوسطى، ناهيك عن المجاعة التي تنهش أجسام البشر صغيرا و كبيرا، مما جعل الاوبئة تفرخ في المنطقة الواحدة بسبب قلة الماء والغذاء والدواء.
هذا الانتصار النفسي والروحي والاخلاقي والاجتماعي من ذاك الصمود الاستثنائي الكبير
ورغم هذا الوضع المزري على كافة الاصعدة، يرى بعض الخبراء في فنون حرب و شؤون السلم، أن شعب غزة و مقاومته الشعبية الفتية حققوا هذه الوثبة أو الزلزلة الاستثنائية الكبيرة في واقع وتاريخ الأمة الاسلامية والإنسانية عامة، بهذا الصمود الاستثنائي الكبير، وبالتالي هذا الانتصار النفسي والروحي والاخلاقي والاجتماعي الاستثنائي الكبير، الذي لا بد أن تعي مقاصده ودروسه وابعاده من جهة أولى الشعوب المسلمة التواقة للحرية والانعتاق، وكذا – من جهة ثانية - القوى الغربية والعربية التي ساندت الدولة العبرية، أو غضت الطرف أو حتى زغردت في " عرس " الجريمة النكراء المرتكبة في وضح النهار في حق شعب أعزل مسالم!!.
وكان أستاذنا الشيخ الدكتور الطيب برغوث، قد علق على مستجدات الساحة المفرجة في فلســطين الجريحة بعد غياب طويل بسبب مرضه المزمن الذي أقعده عن الكتابة منذ أزيد من سنتين تقريبا، فكتب مشكورا خصيصا لجريدة البصائر(جانفي 2025)، عن طريق صفحة "منتدى دراسات النهضة الحضارية"، أول مقالاته بعد تحسن صحته، ردا على أستفسار أحد طلبته الدكاترة في الجامعة الجزائرية، فكتب حفظه الله و شفاه مستفسرا ما يلي:
كيف نقرأ هذه الآية البليغة في سياق حرب غزة؟
قال سبحانه و تعالى :
﴿وَأَوۡرثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ یُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ بِمَا صَبَرُوا۟ۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ یَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُوا۟ یَعۡرِشُونَ﴾ [الأعراف ١٣٧]
معلقا بقوله:
نقرؤها في ظل قانون "والعاقبة للمتقين" ومقتضياته السننية الشاملة والمتكاملة. كما تردد صدى ذلك كثيرا في القرآن الكريم وفي أرجاء التاريخ البشري عبر القرون كثيرا كثيرا. وتمنى الدكتور الطيب برغوث لو كانت لديه طاقة جسدية وذهنية ونفسية ليعلق بقليل من التوسع والتركيز على دلالات انتصار غزة في ضوء منظور "السننية الشاملة" الذي يمنحنا القدرة على التفسير والفهم الأشمل والأعمق للظواهر الثقافية والاجتماعية والحضارية المركبة، ولا يقف بنا عند جزئية هنا أو جزئية هناك، ويحبسنا عندها كما تفعل بنا المنظورات الجزئية، وتفوت علينا تحقيق النهضة الكلية المتكاملة والمتوازنة للأحداث والظواهر. كما يمنحنا هذا المنظور القدرة الأشمل والأكثر فعالية وتوازنا وتكاملية، على تخطيط حركة النهضات المجتمعية من جهة، ومواجهة التحديات التي تعترضها من جهة أخرى، بشكل أكثر توازنا وفعالية وخيرية وبركة"، على حد تعبيره، شفاه الله.
دلالات انتصار غزة في ضوء منظور "السننية الشاملة"..
جازما بقوله : " إن اخواننا في غزة حققوا هذه الوثبة أو الزلزلة الاستثنائية الكبيرة في واقع وتاريخ الأمة والإنسانية عامة، وهذا الصمود الاستثنائي الكبير، وبالتالي هذا الانتصار النفسي والروحي والاخلاقي والاجتماعي الاستثنائي الكبير، لأنهم تحركوا في إطار الوعي بخريطة منظور "السننية الشاملة" الذي جاء به القرآن الكريم وعزز الوعي به الفكر الإنساني عامة، ولم يتجزأ او يتنافر لديهم الوعي والحركة فكانت فعالية أدائهم أكثر قوة وتأثيرا رغم قلة إمكانياتهم المادية، بينما كانت فعالية عدوهم أكثر تنافرا وضررا بنفسه داخليا وخارجيا وإستراتيجيا، ولو أن محيط المقاومة الذي تهيمن عليه المنظورات الجزئية المتنافرة، لم يخذلها واحتضنها كما هو مطلوب منه دينا وخلقا ومصلحة، لرأينا عجبا على صعيد فعالية المواجهة وكسر شوكة العدو بشكل أكبر، و لأرغمته على الاستجابة لوقف الحرب الهمجية مبكرا جدا.
الانتصار النفسي والروحي والأخلاقي والاجتماعي الاستثنائي الكبير
مسترسلا بقوله :" لقد بينت لنا المواجهة غير المتكافئة أن صمود المقاومة كان يستند فعلا الى وعي متكامل بخريطة منظور "السننية الشاملة"، حيث أعدت هذه المقاومة ما استطاعت من قوة موزعة على ساحات إمكانات التسخير الكونية الأربع التي وضعها الله بين يدي البشر عامة، وهي ساحة سنن الله في الآفاق، وساحات سننه في الأنفس والهداية والتأييد، فجاء أداؤها فعالا جدا، وقدم نموذجا أوليا لما يمكن أن يفعله الوعي بمنظور السننية الشاملة في حياتنا كأفراد وكمجتمعات وكأمة.. لو انفتحت عليه وعلى مقاصده ومقتضياته ومعطياته الشاملة، منظوماته الفكرية والتعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية والإعلامية.. واستخدمته في التخطيط والإنجاز والوقاية المبكرة والمرافقة والإستدراكية، وتربت على ذلك الأجيال، وتأسست على ذلك نظم حياتنا الأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية".
شروط الثورة التجديدية الذاتية الشاملة المستدامة
موضحا، مرة أخرى بقوله:" أن منظور السننية الشاملة يضع بين أيدينا شروط الثورة التجديدية الذاتية الشاملة المستدامة. لذلك أدعو كل من يريد فهم حركة التاريخ في تحولاتها المستمرة ويضع يديه على شروط التأثير عليها، أن ينفتح على هذا المنظور القرآني السنني الشامل، وأن يستفيد منه في وعي دلالات وجوده، وفي إدارة حياته وأداء مسئولياته الاجتماعية والحضارية والإنسانية والكونية بشكل فعال، والاستعداد للمراحل التالية من دورته الوجودية الكبرى التي تعقب خروجه من المرحلة الدنيوية مباشرة"..
وبالرغم من محدودية ما بين يدي المقاومة - كما يعلم الجميع - من إمكانات سنن الله في الآفاق والأنفس، يرى المفكر الجزائري " أن وعيها بأهمية الاستفادة من منظومتي سنن الله في الهداية والتأييد، وفهمها الصحيح والعميق والمتوازن لها، مكنها من الاستثمار الفعال لما بين يديها من معطيات منظومات سنن الله في الآفاق والأنفس، فأصبحت تتحرك بقوة أربع منظومات سننية كونية متكاملة ولو في حدودها الدنيا، فتضاعفت فعاليتها الإنجازية بشكل كبير، مكنها من الإثخان في العدو، والصمود أمام قوته المادية الرهيبة، وإحباط مخططاته الخطيرة على المنطقة والأمة والإنسانية عامة".
متسائلا في الختام: "من مستفيد من الخدمات الاستثنائية لمنظور السننية الشاملة هذا؟ الذي به تخرج المجتمعات الإسلامية المعاصرة من طاحونة بل وكابوس المنظورات الجزئية المتنافرة التي هيمنت طويلا على مسيرة نهضتها الحضارية وكانت سببا في فشلها أو على الأقل في زهادة نتائجها، وفي استمرار ضعفها وتخلفها وتدهور مكانتها الحضارية بين المجتمعات والأمم"..
نتيجة المواجهة في غزة، تؤكد حاجتنا الملحة إلى الانفتاح على منظور السننية الشاملة.
جازما بقوله :" إن نتيجة المواجهة في غزة، تؤكد لنا بقوة مدى حاجتنا الملحة إلى الانفتاح على منظور السننية الشاملة، وتعميق الوعي به لدى أجيال المجتمع والأمة، فهو وحده الذي ينقذنا من مخاطر المنظورات الجزئية المتنافرة المنهكة والمهلكة. فهل من مستجيب ومستفيد؟
إن الأمة مع الأسف الشديد تملك هذا المنظور السنني الشامل ولكنها لا تستفيد منه في تصحيح أوضاعها، وتحقيق نهضتها الحضارية المنشودة التي طال أمدها، وطالت معها معاناة الأمة ومهانتها الحضارية، بل المهانة الحضارية البشرية باعتبار نهضة الأمة الإسلامية ضمانة أساسية للتواصل الحضاري العالمي بل والكوني، فأصبحت كما قال الشاعر؛
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمولُ
ولا شك أن النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي تتحمل مسئولية بالغة الخطورة على المستوى التاريخي والحساب الأخروي معا، إذا لم تنهض بواجباتها بكل قوة ووعي وإخلاص وصدق واعتزاز.
إسقاط منظور السننية الشاملة على"واقع غزة وطوفان الأقصى المبارك"..
و في ذات السياق و قصد إسقاط منظور السننية الشاملة هذا الذي صاغه استاذنا الطيب برغوث حفظه الله على "واقع غزة وطوفان الأقصى المبارك" استوقفتنا هذا الأسبوع قراءة في الموضوع نشرتها صفحة "منتدى دراسات النهضة الحضارية"، بقلم الأستاذ نورالدين مقعاش، تحت عنوان :" المعادلة السّنّنية للتمكين والنصر في غزة"، حاول فيها استثمار بعض معطيات منظور السننية الشاملة ومصطلحاته في تفسير مجريات الطوفان، تحت عنوان:
المعادلة السّنّنية للتمكين والنصر في غزة
يقول في مستهله واصفا الحالة في غزة، بما يلي: " يتراوح طول قطاع غزة نحو 41 كلم، وعرضه بين 6 و12 كلم، هذا المستطيل الصغير - الكبير في مقامه عند الله وفي الكون - أربك أوراق وحسابات مراكز الاستخبارات العالمية. وغير بوصلة العالم فما السر في ذلك كله؟
كان أول استثمارٍ في هذا المستطيل الصغير هو بناء وعي الإنسان الغزاوي وفق منظورٍ سنّني شامل ومتوازن. البداية كانت مع «سنة الأنفس» وجوهر الإنسان؛ فقد نشأت في القطاع منظومة تعليمية ذات مناهج خاصة بهم : مدارس لتحفيظ القرآن ومؤسسات تعليمية تهدف إلى صناعة وعي الفرد الثوري المقاوم، وتفعيل عقيدةٍ صحيحة عملية تبدأ من الوحيين: القرآن الكريم والسيرة النبوية المتجددة بوصفها حركةً وفعلاً وفاعليةً في الزمان والمكان. وهي لبنة اساسية في منهج الهداية. العلمي والعملي معا !!
في اللحظة الفارقة للطوفان تدخل المنظومات السننية في محكّ التطبيق العملي
مبينا بقوله :" أن هذا المنهج اتخذ طابعًا معرفيًا ووجدانيًا وسلوكيًا، أنتج حركةً سريعةً انتقلت إلى «سنة الآفاق». ورغم صغر الأفق في غزة، فقد تخمّرت الأنفس والعقول مع الروح وبدأت تتجاوز تفكيرَ القطيع والخروج من الرتابة والأفعال الميكانيكية والقيود القوالبية الى التفكير خارج الصندوق الذي أثمر منظومةَ أفكارٍ تنتجها الصفوة الجامعية الغزاوية وتنفّذها سواعد الشباب المقاوم في الأنفاق علما وعملا.. وفي اللحظة الفارقة لطوفان الأقصى تدخل المنظومات الثلاثة - الأنفس والآفاق والهداية - في محكّ التطبيق العملي مع «سنة الإبتلاء والتدافع». وأي تدافع وأي إبتلاء؟ في هذا المستطيل يتصادم مع قوى ترصُد أدقّ تحركاته بريًا وجوّيًا وبأحدث المنظومات الهجومية والاستخباراتية عن بعد. هنا تدخل «سنة التأييد»، التي تعمل كمعامل يضاعف كل معطيات العقل في سنن الأنفس والآفاق ويجعل من الصفر مسافة ويتجاوزها، وبها يكتمل المنظور السنني الذي يمكن التعبير عنه بصياغة المعادلة التالية:
نصر وتمكين = (التمكين من سنن الأنفس + التمكين من سنن الآفاق + التطبيق العلمي والعملي لسنن الهداية) × سنن التأييد....هنا الفرق والفارق ...سنة التأييد التي تحيلنا الى واسطة العقد في فاتحة الكتاب "إياك نعبد وإياك نستعين"،
التي رسمت وترسم مصير الإنسانية وهذا ما سيفرزه طوفان الأقصى مستقبلا بإذن الواحد الأحد"، على حد تعبير الأستاذ مقعاش.
المقاومة لم تُهزم ولم تنتصر بالمعنى الحرفي للنصر، لكن ..
وفي ضوء هذه التحاليل، وما حصل في غزة، نخلص الى نتيجة أنها ليست هزيمة للمقاومة، لأن المقاومة صممت وحافظت على نفسها في ظل ظروف قاهرة للغاية، ولم تعترف ولم تتصرف على أنها مهزومة وهذا هو الحاسم، فالهزيمة تصبح كذلك إذا تم الاعتراف بها، وإذا قادت إلى الاستسلام و رفع الراية البيضاء، لا قدر الله.
دولة الاحتلال ومعها الاستعمار العالمي كله لم تفلح في كسر إرادة هذا الشعب و تلك المقاومة !!
إذ لا ينسجم الحديث عن انتصار فلسطيني في ظل المعاناة المروعة والخسائر الفادحة والإبادة الجماعية، ولكن دولة الاحتلال ومعها الاستعمار العالمي كله لم تكسر إرادة الشعب والمقاومة، ولم تؤد إلى الاعتراف بالهزيمة ورفع الراية البيضاء، بل باعتراف العدو ووزير الخارجية الأميركي فإن المقاومة قاتلت حتى اللحظة الأخيرة، وقادرة على مواصلة القتال، وأعادت تنظيم صفوفها، وتمكنت من تجنيد آلاف المقاومين الجدد.
وإذا كانت المقاومة لم تُهزم ولم تنتصر بالمعنى الحرفي للنصر؛ أي تحرير الأرض المحتلة ورفع العلم الفلسطيني على مآذن القدس وكنائسها، فهذا على المدى المباشر، ولكن على المديين المتوسط والبعيد سيكون طوفان الأقصى وتداعياته أحد أسباب انتصار المقاومة المستقبلي، فسيكون ما حصل من صمود أسطوري ومقاومة باسلة وشجاعة منقطعة النظير منذ السابع من أكتوبر وحتى دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،في بداية أكتوبر 2025، تمامًا مثلما كانت مقدمات استقلال الجزائر وانتصار الثورة على المستعمر الفرنسي البغيض... وما ذلك على الله بعزيز، " وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم:6)، صدق الله العظيم و بلغ رسوله الكريم (ص).

