22
0
اللغة العربية في الجزائر: تشجيع الأبحاث الأكاديمية وغربة في المحيط ..؟

بقلم: مسعود قادري
ما هي مكانة اللغة العربية في الجزائر بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال..؟
سؤال قد يبدو غريبا عند فئات من المجتمع لا تعير أدنى اهتمام لمكانة لغة البلاد لاقتناعها أن تصريحات بعض المسئولين في التلفزة بالعربية ـ مهما كان نوعها ـ دليل على أنها فعلا هي لغة البلد الرسمية مهما كان غيابها وبعدها عن بقية ميادين الحياة العامة والخاصة التي تظهر العكس تماما في المحيط العام وفي المعاملات التي يتغلب عليها الطابع المفرنس رغم ما قطعته العربية من خطوات ظاهرية في المنظومة التربوية ..
فعندما تتابع إشهار المجلس الأعلى للغة العربية وهو يعلن عن تخصيص جائزة كبيرة من رئيس الجمهورية لتكريم الأبحاث والدراسات العلمية الأكاديمية والأعمال المنجزة باللغة العربية، تستبشر خيرا بمستقبل هذه اللغة التي كانت رافدا وحاملا وفيا لمختلف العلوم عبر تاريخ إنساني طويل، ساهمت من خلاله ـ رغم جحود أهل الغرب وتنكرهم لدور الحضارة الإسلامية ـ في تطور الحضارة الانسانية بدورها غير المسبوق في نقل العلوم وثقافات الأمم السابقة بأمانة وترجمة تراث الأمم السابقة الذي استفادت منه الحضارة الغربية لاحقا ..
هذا العمل الذي يقوم به المجلس الأعلى للغة العربية ـ مشكورا ـ مع الجهود التي تبذلها بعض القطاعات الوطنية في التعريب خاصة وزارات الدفاع الوطني والجامعات التي تسعى لرفع مستوى البحث العلمي والرقي بمستوى الجامعة إلى مصاف الجامعات العالمية المبدعة بفكر طلابها واكتشافاتهم العلمية والتقنية المبهرة في زمن طغت فيه تكنولوجيا الأجسام الدقيقة والتقنيات المختلفة التي حولت حياة المجتمع البشري وقلبتها رأسا على عقب في مختلف الميادين ..
بالمقابل، نجد محيطنا العام في أغلب مدن البلاد وحتى على مستوى منظومتنا التربوية في طوريها الأول والثاني، يختلف تماما ويناقض الموقف السياسي الرسمي والتوجه العام للبلد الهادف إلى التخلص تدريجيا من هيمنة لغة المستدمر على قطاعات الحياة والتوجه نحو اختيار لغة أجنبية أساسية لنواكب ما نرجوه من رقي وتطور في مختلف المجالات لا يمكن للغة فافا أن تستوعبها لتوصلنا إليها لأنها هي في ذاتها في حاجة إلى حامل يرفعها لتصطف بين اللغات القادرة على مواكبة الفكر الجديد بكل خصائصه ودقته وسرعة انتشاره.
من يحمي التجاوزات ضد اللغة في المحيط ..؟
في حياتنا العامة لا توجد أية هيئة تحمي لغتنا قانونا من تطاول التجار وتنكرهم للغتهم التي يفضلون عباراتها ويرفضون حروفها رغم جمال خطها ورونقه .. فالقلة القليلة جدا من التجار تلتزم بقواعد وأدبيات وأخلاقيات المحيط الجزائري العربي المسلم وتكتب لافتاتها بالعربي وفق ماينص عليه القانون والدستور ..؟
الفئة الثانية من التجار تستخف بلغة البلد وتترجم العنوان الفرنسي المعبر عنها في اللافتة ببنط كبير جدا، بحروف عربية ـ معفرسة أحيانا ـ لا ترى عند البعض إلا بالكبرات..؟
الفئة الثالثة من التجار هي التي اختارت استعمال لغات أخرى حسب التخصص .. فتجار المأكولات مالوا جميعا لاستعمال بعض الألفاظ الإيطالية المتماشية مع ما يروجون، والآخرون أنجليز و..
الجانب الثاني من الحياة تنقله لها القنوات التلفزيونية من مراكز امتحانات الباكالوريا حيث يتعلثم طلبتنا ـ المعربون ظاهريا ـ بلغتهم الأساسية فيخلطونها باللغة التي يستعملونها مع أوليائهم المحافظين على صلتهم بلغة المستدمر االتي يتعاملون بها في محيطهم العائلي مع أبنائهم وأقاربهم ومن هم على شاكلتهم .!!. ، ولولا المصالح المادية والمكاسب الاجتماعية التي يستفيدون منها لرفضوا تدريس أبنائهم بغير اللغة التي يتفننون في نطقها وحبها ويتباكون على ماضيها الأسود في البلاد الذي يعتبرونه هم ماضي متحضر ..عجبا من قوم يأكلون الغلة ويسبون الملة..؟!.
الفئة الرابعة من التجار تتقدمها بعض القنوات التلفزيونية وشركات الهاتف النقال التي تريد فرض لغة تجارية مستمدة من الألفاظ السوقية المتداولة في الشارع ترويجا لبضاعتها وبحثا عن المزيد من المستهلكين والمشاهدين لبرامج ينشطها شباب كأنهم لم يمروا بمقاعد الدراسة ولم ينتسبوا لمنظومة تربوية ظاهرها معرب وباطنها .. يعلمه الله ..؟
مؤسسات الهاتف النقال التي هي مؤسسات عمومية وخاصة، يفترض أن تحترم لغة البلاد الرسمية ولا تتعامل مع زبائنها إلا بها، لكن واحدة من هذه الشركات لا تكلف نفسها حتى إرسال تهنئة للمنتسبين إليها باللغة العربية .. فكل محتواها فرنسي .. وابحث عمن يترجم لك ..؟ يا من آمن بصدق أن العربية هي لغة البلاد الرسمية مفضلا دراستهاعلى لغة المستدمر لما كان لأهلها من ظلم وجور وقهر لأهل البلد.
فكيف تنهض لغة لا يبالي أهلها بها وهل تنفعا الدراسات الأكاديمية في تطوير اية لغة لايكون لها حيز في حياة أهلها وتفضل لغات أجنبية عليها .. لقد أبدع الآسيوين على اختلاف لغاتهم ودياناتهم وثقافاتهم في تطوير لغاتهم الأصلية وإلحاقها بالركب العالمي دون التقصير في اكتساب لغات أخرى ولكن ليس على حساب لغاتهم الأصلية المعقدة جدا في كتاباتها وحفظها وحتى رسمها . ومع ذلك أدمجوها في كل التقنيات الرقمية الحديثة لتكون عملية ووسيلة حياة ترافق تطور المجتمع في كل المجالات ، وهذا بخلاف ما تعيشه لغتنا العربية في بلد دفع شعبا كاملا من أجل التحرر من المستدمر والتخلص من ثقافته ولغته التي كان هدفها الأول والأخير هو طمس ومحو آثار كل ماله علاقة باللغة والدين باعتبارهما حاملي قيم البلد . ولولا لطف الله وحماية القرآن الكريم لهذه اللغة مع جهاد المخلصين المدافعين عنها لضاعت كبقية اللهجات الإفريقية التي طمستها لغة المستمر وغيبها كليا عن التداول المستدمر..
الشاهد هنا والمرجو، هو أن تتولى مصالح الدولة حماية مكونات الشخصية الوطنية ومتابعة المتلاعبين بها في المحيط وغيره، لأن اللغة التي تهجر في الميدان لا تنفعها الدراسات الأكاديمية التي تثري المدرجات الجامعية والمكتبات ودور الثقافة ولا تجد لها سبيلا في واقع وحياة الأمة تعبيرا وممارسة ..