697
0
الخبيرة التربوية مليكة بودالية "قريفو" لبركة نيوز" أسلافنا بنوا حضارة بلا ورق، وعلينا أن نلتحق بالأهداف العالمية للتعليم والتربية"

حاورتها زهور بن عياد
حلمت أن تكون معلمة، ولم تستطع تحقيق ذلك، ليس لأنها لاتملك شهادة، أوالكفاءة تنقصها، ولكن لأنها تعتبر التعليم مهمة وليس وظيفة، تميزت بنظرتها العميقة للتربية والتعليم حاولت منذ عقود من الزمن الدفاع عن أفكارها، انتقدت المناهج التربوية و دعت للرجوع إلى الحضارة الاسلامية لاستنباط طرق التعليم الصحيحة.
في حوار خاص لبركة نيوز تحدثت الخبيرة التربوية مليكة بودالية " قريفو" عن مسيرتها وكيف أحبت العربية من خلال تلك المدرسة المثالية التي لم تتكرر مرة ثانية.
تميزت الخبيرة مليكة بودالية بأفكار فريدة عن المدرسة والتعليم كيف ومن أين كانت البداية ؟
البداية كانت في الجامع أو المسجد كنا صغار في مدينة تلمسان العريقة، نتسابق للذهاب لحفظ القرآن، وهنا اتذكر أن طفل صغير يستقبلنا عند الباب، في المسجد كان نظام غريب، نقدس الشيخ ونحترمه ، نجلس على الزرابي نتناقش ونتحرك بكل حرية ونختار مكان جلوسنا.
يكتب لنا ذاك الطفل الذي لم يتجاوز الحادية عشر من العمر وهو قد بلغ سورة الرحمان حفظا ، ما تيسر من الآيات القرآنية ، فكنا نتسابق لحفظها في مدة قصيرة قد لا تتجاوز الربع ساعة.
بعد خروجنا من الجامع نواصل المسيرة نحو مدرسة أخرى، مدرسة مثالية كانت للسيدة العمارية، سيدة راقية ندخل ونجلس على زربية كذلك نتحدث ونحن أطفال وتعم الفوضى، ولكنها تبقى تنظر إلينا وهي جالسة على كرسي، ولكن ما ان تفتح ذاك الكتاب حتى يصمت الجميع.
لا تصرخ ولا تعاتب ولم نسمع قط صوتها المرتفع وذلك هو جانب من الحضارة، وما ان تفتح ذاك الكتاب والسحر يجيبها وكأن على روسنا الطير..
لما كبرت أردت معرفة ذلك الكتاب الذي يبهرنا، وعرفت أنه قصص الانبياء لابن كثير، ما الذي كان يجذبنا .،،الأسلوب والبلاغة، لأن الطفل يحب اللغة واللحن كان صوتها جميل وكانت تبدو لنا جميلة مثل القمر.
وكانت لنا مدرسة ثالثه لكنها لم تكن متاحة للكل حيث كانت والدتي، تأينا بمعلم إلى البيت، تجمع أبناء الجيران، كنا نناديه الشيخ لكنه في الحقيقة كان شابا في العشرينات من العمر، كان له برنامج مختلف فيه نصوص حديثة لطه حسين وأحمد امين، هذان الكاتبان المصريان كانا يلتقيان في نادي المؤلفين، لهما ذوق رفيع، يختارا نصوص، تلك النصوص المختارة كان يقرأها الشيخ ونحن نستمع اليها فعرفت العربية وأحببتها بلا كراس.
كان لجدي كذلك مولاي مصطفي شريف دور في تكويني، كان من أوائل الطلبة الذين تخرجوا من مدرسة المعلمين ببوزريعة رفقةاخرين من بلاد القبائل.
ما عرفته عن جدي أنه أنشا مدارس عمومية بالفرنسية، ولما كان يأتي إليه الأولياء لتسجيل أبنائهم يسألهم قائلا " فين وصل"...
أي أين وصل في حفظ القرآن، فإن كان جواب الولي مثلا "جزء عم" أو أقل فيقول له اذهب به ولا تأتي حتى يبلغ الرحمان، و هذا يدل على أن حفظ كتاب الله كان الركيزة الأساسية لتحصين الناشئة.
كيف أحببت اللغة العربية رغم ان تكوينيك ودراستك الأكاديمية كانت بالفرنسية؟
تعلمنا العربية بلا كراس بل بالجمال وأحببناها وكنا جيلا يجري وراء هذه اللغة، لم يكن شيء يجعلنا نكره هذه اللغة... لا جلوس لساعات طويله أو حمل محافظ تثقل كاهلنا.
الطفل عند ولادته يستقبل بالتنويمات والشعر ، فاللغة بالنسبة له هي موسيقى، فاليوم في بعض البلدان عندهم هذا التنظيم بين حصة وأخرى يمشي الطفل وهو يحفظ القصائد المغناة وهذا مهم جدابالنسبة لتنمية الدماغ والذكاء.
عبر العالم هناك مدارس لها حرية التنظيم فالفريق التربوي يقرر و يجرب، يفشل ثم ينجح ، خاصة في أوروبا الشمالية بين حصة وحصة الطفل يمشي وليس بالضرورة أن يجمع التلاميذ بين جدران ، مثلا عندما يتلقى الطفل اللغة الأم، ثم يدرس لغة أخرى يترك ليمشي ويهيأ نفسه وكأن الدماغ يترك مكان خاص للغة، وهنا أؤكد أن من تكون لغته الأصلية قوية يجد سهولة في تعلم لغات أخرى.
حديثنا عن بداية تحقيق حلمك وكيف اصطدمت بالواقع؟
حقيقة بعد نجاحي في شهادة البكالوريا قضيت فترة الصيف وأنا أحفظ قصائد وقصص، رسمت عالما جميلا حتى أني صنعت عرائس القراقوز...لأمارس مهمتي...
رفضت دخول الجامعة كنت متشوقة لأحقق حلمي وأصبح معلمة، كان سهل في ذلك الوقت الظفر بمنصب، كانت السيدة رحال مديرة لمدرسة وهي من عائلتي قد وافقت على الفور بادماجي ضمن طاقمها.
دخلت المدرسة و أنا سعيدة، لكن عند دخولي اعطتني المديرة بطاقات وطلبت مني أن اطبقها دون نقاش وبصمت خوفا من المفتش، لم اتوقع أن المفتش كان معها في المكتب يراقبها .
كل المدراس في تلك الفترة كانت تسير وفق هذا النظام الغريب، الوزارة تقرر والمفتش يراقب والمعلم يطبق، تلك البطاقات كان فيها جداول تتضمن مايقوله المعلم، ما يفعله المعلم وما يقوم به الطفل هنا أدركت أن التعليم أصبح طريقة آلية ميكانيكية،
لم استطع ان اتقبل ذلك، حين سألت سبب التقيد بتلك البطاقات قيل لي أن القرارات تأتي من الوزارة؟وهنا قررت العمل في الوزارة وبالفعل وجدت وظيفة هناك.
كنت من الطالبات اللواتي كن يحضرن دروس المفكر مالك بن نبي، حديثنا عن هذه التجربة؟
من حظي انه مرة في الأسبوع، كنا نستمع الى هذا الإنسان الذي لا نمل من حديثه، أثر فينا كثيرا، زرع فينا الوعي السياسي كانت جلساته بمثابة جامعة ثانية...
وقد استفدنا منه كثيرا خاصة منهجية التفكير، كانت له طريقة بحث خاص وعلمنا فكرة النقاش،وكثيرا ماكان يأتي صديق له الاستاذ خالدي وكان رجلا عظيما، كنا نستمع اليهما وهما يتناقشان، كانت هذه فترة مهمة جدا في تكويني، وكأننا كنا ندرس تخصص علوم سياسية مع أستاذ خارق للعادة.
إلى جانب ماسبق ذكره ماهي العوامل التي ساهمت في تكوينك الفكري؟
كنت عصامية، كثيرا ما كنت أطالع كتب علمية تخص التربية، تلك الكتب التي كانت تهديها السفارة الفرنسية للوزارة ....،كتب ومجلات وعناوين مهمة وصعبة، أحيانا أقرأ بعض المقالات 10 مرات لأن لغتها العلمية كانت صعبة، تلك المؤلفات كانت تزين بها مكاتب المدراء، كانت لدي صديقة تعمل مع مدير التكوين عبد القادر بن محمد، ولأني أعشق الكتاب، كانت تعطيني الكتب لاخذها للبيت حتى جمعت مكتبة واسعة،
في احد الأيام اكتشف أمري وأنا من فضحت نفسي في احدي المجالس، قلت السفارة تهدي الكتب للوزارة وانا أخذها من الوزارة...
بعدها اتهمت بالسرقة وغطى علي المرحوم عبد القادر بن محمد وقال" أنا من اعطيتها الإذن لتأخذها وطردت من لوزارة بسبب هذه القصة، وذهبت للجامعة وكان ملف السرقة لا يزال يلاحقني.
لو أردنا معرفة البرنامج المنتهج عند اسلافنا ماذا تقولين.?؟
البرنامج المتبع معروف، حفظ القرآن الكريم، حفظ الشعر، تحف ادبية، المعلقات السبع، لاننسى من ترك لنا جانب من البرنامج، عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال حفظوا لامية العرب لأبنائكم تستقيم ألسنتهم وترتفع اخلاقهم، رغم أن الشنفرى كان من الجاهلية،ولكن اخلاق العرب كانت رفيعة، ولا توجد قصيدة أرفع من لامية العرب في تاريخنا.
هناك كذلك القصص علينا قراءتها لأطفالنا، على غرار ألف ليلةو ليلةوالسندباد البحري وكليلة ودمنة، وهنا استذكر المفكر احمد طالب الإبراهيمي الذي انقذ الكتاب لأننا كنا نجده بشكل مبسط، هذا خطير، إذا اردنا ان نعلم أبناءنا كليلة ودمنة ليس لنا الا هذا المرجع الذي تركه لنا، حقيقة هو تحفة بلا تزييف،فالمدرسة انشئت لتعليم الأدب.
كان الاباء يرسلوا أبناهم لحفظ القرآن والغريب أن هؤلاء الأطفال أصبحوا قراء، وحين طرح علي سؤال يتعلق بأحسن طرق التعلم ،من طرف مدير مركز بحث في باريس، أجبت بمنهاج الحضارة الاسلامية، أسلافنا بنوا حضارة بدون ورق.
في رأيك ما يعاب على المناهج المدرسية في الجزائر؟
كان الهدف في البدايه تلقين اللغة البسيطة التي نحتاجها في حياتنا اليومية ، لكن الأمر لم ينجح، لكن عندما تم حصر الكلمات العربية التي يتعلمها الطفل، أصبحت ثروته اللغوية فقيرة، وحين يكبر يجد نفسه مجبرا على الاستعانة بلغات أخرى خاصة الفرنسية، النحو وظروف المكان والزمان،وحتى الأفعال وهذا خطير...
و كأن اللغة الفرنسية قوية واللغة العربية ضعيفة، والأمر يصبح أكثر خطورة في مرحلة ما قبل التمدرس،
علينا أن نعود للماضي، ونعلم الأطفال التحف الادبية وقبلها حفظ القرآن الكريم، ونقرأ له القصص ونعرض له فيديوهات تروي قصصنا القديمة، مثلا،الكاتب الفرنسي لافونتان نجد حوا لي 200 عمل سمعي بصري يعيد إحياء أدبه، وأكثر من 50 فنان يلقي قصص لافونتان، وبهذه الطريقة نعزز البناء اللغوي ونثري القاموس الذهني للطفل.
اليوم المجتمع صار خطير يحتاج فيه الطفل لفضاء يعيش فيه بأمان، و بما اننا في عصر المؤسسة والمقاولاتية، علينا تنمية المبادرة عند الطفل، و منحه حرية القرار.
فالتجارب تثبت أن الطبيعة وفهم الزمان والفضاء يؤدي الى غليان الدماغ، و الأطفال الذين اكتشفوا الطبيعة أذكى من غيرهم وهذا لا يتحقق إلا بمنح المعلم حرية التنظيم والتعليم، لا يمكننا تحقيق الأهداف العالمية بتقييد المعلم والتلميذ،
لو كان الأمر بيدك وطلب منك إصلاح المنظومة التربوية ماذا تقررين؟
الأمر سهل، نلتحق بالأهداف العالمية للمنظمة العالمية الاقتصادية والتعاونية التي تضم 38، دولة من الدول المتطورة، ما كنا نتعلمة بالحدس تبرره اليوم أبحاث عالمية، علميا فالطفل لا يركز أكثر من 10 دقائق، وهذا ما طبقه أسلافنا،
في جامعات أمريكية، الدرس لا يدوم أكثر من 20 دقيقة، من عيوبنا في التعليم، الدخول المبكر للمدرسة و الشبه المدرسي وجهلنا تماما للمعايير التربوية وابتعادنا عن الاهداف العالمية كذلك، وجهلنا لتاريخنا، وهنا أقول الأهداف العالمية ليست غريبة عنا، كعرب و أمازيغ، لأن الكثير منها مستوحاة من الحضارة العربية الاسلامية.

