390

0

الكاتب محمد كاديك يؤكد لبركة نيوز أن " المشهد الثقافي الوطني و العربي يمتلك من الحصانة ما يكفي لتحقيق طفرة نوعية ترتقي بالكتابة الأدبية".

حول الحديث عن المشهد الثقافي  في الجزائر كان لقاؤنا مع الكاتب و الإعلامي محمد كاديك، للوقوف على تفاصيل عالم الكتاب وخاصة أدب الطفل الذي كان احد الفاعلين فيه من خلال صفحة دنيا الاطفال في جريدة الشعب.

حاورته شيماء منصور بوناب

قبل الحديث عن الحركة الثقافية في الجزائر ، خاصة وانتم من بين الأطراف الفاعلة في تنشيطها، هل يمكنكم اطلاعنا على أهم المحطات الأساسية في حياتكم و التي ساهمت في تكوين شخصيتكم؟

بداية لا اعتبر نفسي من بين الفاعلين في المشهد الثقافي الجزائري ،وانما مجرد عبد بسيط لديه اسهامات عديدة في ذلك المجال ، وعلى ذلك أعود بكم لأولى مساراتي التكوينية التي بدأتها من المدرسة الابتدائية المحلية الجزائرية التي وجدت بها شغفي في الكتابة .

قبل ذلك اشير أني نشأت وسط عائلة محافظة تتمتع بنوع من الحس المعرفي الذي جعلها تحتفظ في كنفها بمكتبة ثرية جدا انعشتني أدبا وفكرا ، كما صادفت في تلك الفترة بحبوحة معرفية جاءت بعد توفير الدولة الجزائرية العديد من الكتب المدعمة التي علمتني كيف اكون قارئا.

بعدها بدأت رحلتي بمعانقة الشعر الذي كنت منبهرا به من حيث أنه كلام موزون يطرب النفس ، ثم في المرحلة التالية التي اكتشفت فيها القراءات النقدية فغرقت فيها وما زلت غارقا فيها إلى حد الساعة أحاول من خلالها تفحص كل مفهوم وتصحيح معانيه التي انتقيها من هنا وهناك من قراءات مختلفة.

ومن هذا الحديث أشير إلى حفظ القرآن الكريم الذي قومت لساني به من خلال الحفظ و الترتيل الذي وجه سلوكياتي وعزز مكتسباتي اللغوية وأعطاها القوامة التامة و الحصانة الكافية.

بعد توالي القراءات اكتشفت اعمال نوعية لعدة نخبة أمثال المنفلوطي و طه حسين  ثم عبد الرحمان بدوي ومع الوقت وصلت الى ابو القاسم حاج حمد الذي لم يكن يمر يوم دون قراءة لأحد منجزاته .

انطلاقا من سيرتكم التي اطلعنا فيها على أبرز المحاور التي عززت مكاسبكم الفكرية والادبية، هل يمكنكم  اطلاعنا على خطواتكم الأولى في المجال الإعلامي إلى غاية تقلدكم المنصب الحالي كرئيس قسم التحرير في جريدة الشعب؟

 بخصوص المساهمة في صناعة المشهد الثقافي الوطني فيمكن القول انه ذو ارتباط وثيق بالإعلام الذي يصنع الأدب و يساعد على التثقيف و تنوير العقول و تصفيتها من الشوائب و المغالطات العامة التي يتم تداولها في المجتمع . و على ذلك كانت مداومتي منذ الابتدائية على قراءة جريدة الشعب التي اكتسبت فيها خبرة في كيفية معالجة بعض الأمور وتحليل القضايا ، بفضل عدة أسماءهم تداولتها الجريدة في احضانها .

  وفي هذا الصدد أوضح ، أنني دخلت مجال الاعلام من باب الادب تحت لواء جريدة سواس للأطفال التي عرفت وقتها انتشارا واسع ، إلا أن الحظ لم يحالفها و الظروف العامة للمجتمع لم تساعدها بحكم أنها ظهرت في فترة 1995 التي عرفت فيها الجزائر وقت حرج نتيجة العشرية السوداء و هو ما أدى لتوقف الجريدة.

بعدها التحقت بجريدة الشعب رفقة السيد بوكردوس رحمه الله عليه ، فهو الذي طلب ان اعد في الصحيفة ركن خاص بدنيا الأطفال صفحة واحدة تصدر يوم الاثنين وصفحتان تصدران يوم الخميس. وبذلك حققت دنيا الاطفال نجاحا كبيرا في جريدة الشعب ، اذ أصبحت أتلقى رسائل خاصة من الاطفال في أكياس كبيرة عكست مدى التجاوب من مختلف ولايات الوطن .

مع الوقت أصبحت الجريدة بحاجة لطاقم صحفي أكبر وهو ما فرض علي التوجه من الكتابة الأدبية للكتابة الإعلامية التي تعلمت فيها مع مرور الوقت اهم تقنيات الصحفي المتمكن وما ساعدني اكثر هو احتكاكي بزملائي الصحفيين إلى غاية اليوم الذي أصبحت رئيسا لقسم التحرير حين لازت اتشارك مع طاقم الجريدة كل التفاصيل التي تكسبنا خبرة اكثر و معرفة افضل .

 بالحديث عن أدب الطفل، ماهي أهم مقومات هذا الادب وكيف يساهم في توجيه الوعي المجتمعي تجاه الطفل، هل نلتمس تطورا في هذا المجال مقارنة بالسنوات الماضية؟

الحديث عن أدب الطفل و أهم مقوماته التي تفرض كقاعدة أساسية في فن الكتابة تجنب ممارسة الابوية معه. وهذا ما طبقته طوال فترة كتابتي للأطفال. فصراحة انا انفر من الكتابات التي تفتتح بالجملة البغيضة "عزيزي الطفل" لأني لا  أحبذ مخاطبته كطفل انما كإنسان واعي.

فخصوصيته الإنسانية تفرض معاملته بطريقة ندية نتجنب فيها الوعظ الممل الذي يكون حينما نقدم له قصة ممزوجة بنصائح وارشادات واضحة ، فحبذا ولو نفتح له المجال للتفكير المعمق الذي يجسد ثقتنا بقدراته في استقاء الحكم والنصائح التي نرغب في الوصول اليها دون ان نصارحه باننا نريد ان ننصحه بشيء ما.

 فالطفل له مقومات تتحكم في عالمه الخاص الذي يعرف فيه كيف يفرق بين ما هو جيد وما هو سيئ . كما أنه هناك شيء مهم اخر يقتصر على معاملة  الأطفال بالكلمة الرقيقة التي تلامس أطراف كيانه من خلال الشعر اللطيف الموزون ذو صدى ورنة لطيفة وليس مجرد وزن وقافية لان الأطفال يتمتعون بحس جمالي عال جدا .

 ولعي هنا اشدد على ضرورة الارتقاء اكثر بأدب الطفل و التجربة الأدبية رغم انني لا أنكر ان الجزائر خاصة و العالم العربي عامة يحوزان على أسماء ثقيلة في هذا المجال ومع ذلك ادعوا الكتاب لتقديم اعمال جديدة من حيث المضمون و الرسالة و القيمة الفنية التي تجعل الأطفال يشعرون بذواتهم أكثر مع التأكيد على حتمية التخلص من الجملة البليدة " عزيزي الطفل" لأنها مهلكة الادب الراقي .

و ألخص كلامي هنا بالقول اننا في الحقيقة نتلمس وجود تجارب أدبية قدمت ألوانا جميلة مقارنة بالنصوص التي كانت بعيدة عن المستوى المطلوب ، كما نلتمس تجارب قدمت نصوصا نستطيع أن نصفها بالمستوى بينما ألوانها كانت عديمة القيمة .

ومنه فإن تجربة الكتابة للطفل في الجزائر وليس الجزائر وحدها وانما العالم العربي كاملا ما زالت في بداياتها اليوم، فمثلا نلاحظ في المشهد الاعلامي الوطني وجود قناة واحدة فقط مخصصة للأطفال وتخص قناة "عمو يزيد " الذي يبذل جهود معتبرة في احتضان الأطفال ترفيهيا و فكريا ، مع ذلك نجده لا يركز على الجانب الجمالي الادبي وذلك راجع لطبيعة التلفزيون مع الأسف .

فنحن اليوم بحاجة لإعلام ترفيهي خاص بالأطفال حال ما هو كائن في الدول الأجنبية التي تخصص للطفل حسب سنه مضامين خاصة به تراعي الترفيه و التثقيف أيضا . فعلى سبيل الذكر اوروبا تصدر جريدة خاصة للأطفال تطبع حوالي سبعة ملايين نسخة بالشهر.

وهو مستوى راقي جدا لم نصله نحن الشعوب العربية باعتبارنا نحوز على قائمة صغيرة جدا من الأساتذة المختصين ، نظرا لحاجتنا لحركة نقدية جديدة تؤسس لهذا الجانب وتحدد معالمه التي تستلهم من الاعمال السابقة في فترة البحبوحة الأدبية التي انتعشت فيها الاعمال الموجهة للأطفال بفضل عدة أسماء أهمها البروفيسور العيد جلولي الذي كان من بين أهم المساهمين في توجيه الحركة النقدية الأدبية .

 لأننا مع الأسف أقول لا نأخذ هذا الجانب الادبي بشكل جدي لذلك نحن اليوم ندق صفارة الانذار من أجل إعادة الاعتبار لمجال الأدب و الطفل خاصة في ظل ما يتعرض اليه هذا الأخير من هجمات ايدولوجية تؤثر في سلامته النفسية و التربوية و كذا المعرفية .

  ما هي رؤيتكم للمنجزات الفكرية و الأدبية خاصة ما تعلق منها بالرواية هل هي بحاجة لحركة نقدية تمحص الجيد من الرديء؟

صراحة أعتقد انه ليس بالضرورة أن نضع أي عمل أدبي أو ثقافي و غيره تحت الرقابة ، لان الانسان الكاتب يكفي أنه منحنا من وقته ليسود على عددا كبير من الصفحات التي لا تهم قيمتها، لان المهم هو رغبته في اطلاعنا على ما يجول بذهنه.

واذا كنا نتحدث عن الرواية الوطنية وجب الإشارة للوضع الصعب الذي عاشته الجزائر في فترة الاستعمار الذي أخر انتاج الروايات إلى غاية 1970 باللغة العربية كمنجز أدبي أسس لبنية الرواية العربية الجزائرية، التي حققت بعدها نجاحات كبيرة وجوائز عديدة ابرزت ثقلها.

و من جهتي ، انا لا احب العمل حينما يستدعي مني أن أكون القارئ و المدقق والمصحح والناقد أيضا ، إذ أفضل الأعمال التي أقرأها على نفس واحد بكل استمتاع .

مع ذلك نجد أن بعض الأعمال في بداياتها تستدعي التمحيص والتدقيق ولكن ليس بالضرورة أن نتخذ منها موقفا لتوقيف أعمال الهواة بل يجب أن نكون لهم خلفية حقيقة تزيد ثقتهم بنفسهم.

أما بخصوص ما يسمى الخاطرة الذي تأخذ طابع الرواية في العالم العربي فهو يعتبر انتقال من الشفهي الى الكتابي في مزيج مختلط يعكس واقع الثقافة الكتابية الذي تعيشها الأمة العربية التي لا زالت بعيدة عن الحضانة الحضارية الكتابية، لذلك أصبحت الكتابات تسمى "الشفاهية المكتوبة" نظرا لما ينتج من كتابات ممزوجة بانفعالات و مشاعر و غيرها من التأويلات التي تم اسقاطها على الورق.

 وبالرجوع للمشهد الثقافي في الجزائر،كيف ترون دور الحركة الشبابية في ترقيته؟

الأعمال الفكرية و الأدبية للشباب الجزائري تعيش نوع من  الوعي الذي نلتمسه في عدة كتابات و ابداعات جاد بها صفوة المجتمع من المتعلمين و الهواة الذين يجسدون في رواياتهم لوحة حية تلامس الطبيعة و الواقع المعاش من منظور جديد تفصل فيه الحكمة و البلاغة اللغوية و النظرة الفنية للكتابة و الكاتب .

قد يبدو هذا التفاؤل في نظركم متجاوزا لحده ولكن يكفي أن يكون مثلا عندنا اسم مثل مرزاق بقطاش لنعتز ونفخر بأن أسس الكتابة الروائية عندنا تحققت من خلاله، ومن هم مثله  فهو لا يكتب بالموهبة فقط لأنه شارد عارف عالم بما يفعل ، وما ساعده على ذلك هو ترجمة نظرية الرواية الذي استعان بها في إعادة قبضته على الكتابة .

وفي ذلك أشير الى انني أملك قراءة على كتاب " المطر يكتب سيرته " التي سيتم نشرها في جريدة الشعب .

الحركة الثقافية في المجتمع هي نتاج توجيه النخبة الواعية و المثقفة تبعا لدورها و مسؤولياتها ، تعليقكم على ذلك؟

صراحة انا لا أعرف كيف ينبغي للنخبة أن تقوم بدورها من أي ناحية ، لكن ما أنا على يقين به هو أننا نمتلك حقيقة نخبة من صفوة المجتمع والتي نجدها على مستوى الجامعات و المؤسسات الثقافية و العلمية الأخرى التي لا يمكن احصاؤها ، كما انني اشيد بدورها في تقديم المادة النظرية و المعرفية اللازمة التي تثمن المكاسب الفكرية المنجزة .

ومن هنا ألفت الانتباه لفئة معينة تكتب، لدينا مواهب معتبرة من مختلف المنابر بما فيها منصات التواصل الاجتماعي التي نجدها تحتوى على مجموعة لابأس بها من الكتابات الراقية التي توضح أن المشهد العام الجزائري ليس عديم المعرفة و هو بحاجة للثقة أكثر في قدرات القائمين عليه و الفاعلين فيه.

مؤخرا عرف الكتاب الإلكتروني اهتمام كبير منقبل الشباب  ولعل ذلك ألغى حقيقة الكتاب الملموس من حيث اقتنائه و المطالعة عليه، كيف ترون ذلك في ضل تراجع نسبة المقروئية ؟

 حقيقة الاستفادة تكون من الورق و من المحمول في آن واحد، و لكن مشكلة الرقمي تكمن في مستوى حقوق المؤلف اذ ينبغي أن نتحلى بثقافة احترام حق الاخر في الكتابة لتفادي الاستفادة غير شرعية من المنجزات الفكرية .

ومنه أؤكد أن الكتاب بكل أشكاله يساعد على تعزيز المقروئية ، خاصة اذا تم دعمه بأعمال ثقافية أخرى مثل ما تقوم به وزارة الثقافة و الفنون تحت عنوان منتدى الكتاب الذي يكشف في ندواته و ملتقياته أهم محاور الأدب و الفكر و العلوم بشكل عام .

استنادا على ذلك انوه بأن المستوى الثقافي في الجزائر عامة في فترة مضت كان موجود رغم غياب الوسائل التي تساعد على انتشار المادة الفكرية بحكم الاستعمار و الأمية التي خلفها. ولكن مع استقلال الجزائر الوضع اختلف من عدة نواحي بفضل افتتاح عدة مراكز و مؤسسات تحارب الأمية و الجهل و العقم المعرفي .

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services