653

0

الجزائر فاعل استقرار في منطقة الساحل والصحراء

 

بقلم: الحاج بن معمر

 

في قلب الصراع الجيوسياسي المتصاعد في منطقة الساحل الإفريقي، تتداخل قوى عظمى وإقليمية تسعى للهيمنة على هذه المنطقة الحيوية.

الجزائر، التي تعد واحدة من القوى الإقليمية البارزة في شمال إفريقيا، تجد نفسها في مواجهة تحديات معقدة على الصعيدين الأمني والاقتصادي مع محاولات قوى من خارج منطقة الساحل إعادة تشكيل خريطة النفوذ في القارة السمراء.

هذه المنطقة التي كانت تاريخياً ساحة صراع بين القوى الاستعمارية الغربية، أصبحت الآن ساحة تنافس جديدة بين القوى الكبرى التي تسعى للهيمنة على مواردها الاستراتيجية مثل الغاز والمعادن، وأمنها الحيوي الذي يعد عاملًا أساسيًا في استقرار القارة.

وفي هذا السياق، يظهر دور الجزائر كداعم للاستقرار الإقليمي في مواجهة القوى الأجنبية التي تسعى إلى استخدام المنطقة كساحة لصراعاتهم الجيوسياسية، سواء عبر تدخلات عسكرية مباشرة أو عبر دعم جماعات مسلحة تساهم في تصدير الفوضى.

بدأت الجزائر تشهد تصاعداً في التحديات الأمنية بعد تصاعد التوترات بين القوى الكبرى في المنطقة، حيث تطور الوضع بشكل لافت بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ما أدى إلى فراغ أمني استغلته منظمة "فاغنر" وقامت روسيا بتقديم دعم عسكري واقتصادي للحكومات التي دخلت في صراع مع الغرب، خاصة بعد تصاعد سخط الجماهير في هذه الدول من السياسات الاستعمارية القديمة، ما فتح الباب أمام موسكو لتوسيع نفوذها في المنطقة.

الجزائر التي تمتلك أطول حدود مع مالي، كانت ولا تزال في الصفوف الأمامية في مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل، حيث تخوض حربًا طويلة ضد الجماعات المسلحة التي تنشط في هذه المنطقة الوعرة.

ومنذ عقود، استخدمت الجزائر استراتيجيات مكافحة الإرهاب بكل جدية عبر عمليات عسكرية، فضلاً عن تعزيز التعاون مع جيرانها لمكافحة تمدد الجماعات الإرهابية. إلا أن الوضع الأمني المتدهور في الجوار يزيد من تعقيد المهمة، خصوصًا مع التدخلات العسكرية من جانب قوى أجنبية تسعى إلى نشر فوضى منظمة في المنطقة عبر دعمها لجماعات مسلحة.

هذا التحول في الخارطة الجيوسياسية يعكس تحولًا جذريًا في سياسة الدول الإفريقية، حيث أصبحت الجزائر التي كانت تحاول سابقًا الحفاظ على توازن استراتيجي في علاقتها مع القوى الغربية، الآن مضطرة للتعامل مع اي تهديدات في المنطقة. فبعد فشل فرنسا في التأثير في الأحداث الجارية بسبب انسحاب قواتها، دخلت روسيا في معركة مباشرة لتوسيع نفوذها عبر حلفاء محليين.

وأدى هذا الوضع إلى تأسيس تحالف "AES" بين الدول المنفصلة عن مجموعة "الساحل الخمس"، وهي مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

الجزائر، في ظل هذه التحولات، تجد نفسها في قلب هذا الصراع المركب، الذي يتجاوز التحديات الأمنية ليشمل أيضًا التحديات الاقتصادية. الجزائر التي أصبحت ثالث أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا في عام 2023 تسعى إلى تعزيز روابطها مع أوروبا، وهو ما يجعلها في موقع متقدم على الساحة الدولية. وتحاول في هذه الفترة تعزيز حضورها على الساحة الدولية، عبر توسيع علاقاتها مع القوى الكبرى في العالم. وفي هذا الصراع المعقد، يصبح أمن المنطقة على المحك، خصوصًا مع تدخلات خارجية متزايدة ودعمها لبعض الأنظمة العسكرية التي تسعى إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب ذلك، تعد الجزائر واحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم، وهي تمثل أحد الركائز الأساسية لتأمين إمدادات الطاقة إلى أوروبا مستقبلا.

لذلك، يمكن للجزائر أن تعتمد على عدة أوراق قوية في مواجهة هذه التحديات:

أولاً، تحتفظ بقدرات عسكرية قوية، وهي تمتلك جيشًا مدربًا على حرب الصحراء وله خبرة طويلة في مواجهة الجماعات الإرهابية.

ثانيًا، تستفيد الجزائر من موقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط، ما يجعلها بوابة حيوية لإفريقيا نحو أوروبا، وهو ما يزيد من قوتها السياسية في هذا السياق.

ثالثًا، تظل الجزائر تمتلك أوراقًا قوية في مجال الطاقة، خاصة مع احتياطيات الغاز الضخمة التي تمتلكها والتي تمكنها من لعب دور رئيسي في تأمين الإمدادات إلى أوروبا.

إجمالًا، يبدو أن الجزائر ستواصل تعزيز موقعها في مواجهة هذه التحديات المتزايدة، فهي قادرة على التكيف مع هذه البيئة المتغيرة، وستسعى إلى توظيف ثقلها لتعزيز استقرارها واستمرار دورها كلاعب رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services