161

0

الجيش الجزائري… حين يصير الوطن سلاحًا في اليد، ووفاءً في القلب، وعهدًا لا يُكسر

 

 كتب / الحاج بن معمر

 حين يحتفل الشعب الجزائري  برجال جيشه البواسل في يومهم الوطني، تُضاء قناديل الذاكرة بنور الوفاء، ويتجدد العهد مع ماضٍ صقله الدم والتضحية، ومع حاضر تصونه سواعد الرجال الذين حملوا راية الشهداء على أكتافهم، وكتبوا بعرقهم ودمهم ملحمة الأمن والسيادة.

وفي كل يوم وطني للجيش، لا نحتفل فحسب بقوة عسكرية تحرس الحدود والجبال، بل نُحيي إرثًا حيًا نابضًا في الضمير الجمعي، يُجسد تلاحمًا فريدًا بين جيش وُلد من رحم الشعب، وظلّ شعبًا في بزّة عسكرية، وفي قلبه الوطن كلّه. إن الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، لم يكن في يومٍ ما جيشًا منفصلًا عن نبض الجزائريين، بل كان في كل لحظة هو اليد التي تمتد لتزرع الطمأنينة، والدرع الذي يُشهر حين تلوح نذر الشر، والقلب الذي ينبض باسم الجزائر في كل جبهة، من الصحراء إلى أعالي الأوراس، ومن البحر إلى الحدود المتخمة بالمخاطر.

هو الجيش الذي وُلد من صلب معاناة المستعمر، وحُمّل منذ التكوين برسالة التحرير، ثم تحوّل بعد الاستقلال إلى صمّام الأمان في زمن الاضطراب، وحارس الهوية حين حاولت أيادي الغدر تمزيق وشاح الوطن.

ولأنه كذلك، فإن الاحتفال باليوم الوطني للجيش ليس مجرد طقوس رمزية ولا استعراضات بروتوكولية، بل هو لحظة صافية للتأمل في المسار، والتذكير بعظمة التضحيات، والاعتراف بجميل الرجال الذين لم يترددوا لحظة في افتداء الأرض، ولم يتأخروا أبدًا عن نداء الواجب، مهما كانت التحديات.

رجالٌ عاهدوا الله والوطن، وكانوا أوفياء للعهد. هم الجنود الذين لم تُغْرِهم المراتب ولا زخارف المناصب، بل استلهموا من الشهداء معاني الفداء، وظلّت أعينهم مفتوحة تحرس كل شبر، وكل ذرة تراب. في زمن السلم كما في زمن المحن، ظلوا الجدار الصلب الذي تتحطم عليه كل المؤامرات. ولعلّ أعظم ما يميّز الجيش الجزائري اليوم، هو ذاك التلاحم الأبدي مع الشعب، تلاحم لا تُمليه لحظة عابرة، بل تُعززه جذور التاريخ المشترك، وتجربة النضال الطويل، وذاكرة الألم والمقاومة. فلا تُذكر مقاومة الاستعمار إلا والجيش فيها عمودها الفقري، ولا تُذكر السنوات العجاف التي حاول فيها الإرهاب تمزيق البلاد إلا وكان الجيش هو السيف والحصن والمحراب.

في هذا الاحتفال الوطني العميق المعاني، لا بد أن نقرأ في عيون الأطفال الذين يرفعون العلم، صورة الأب الذي يرابط على الحدود، وفي زغاريد الأمهات التي تصدح في الاحتفالات، نسمع دعاء الجدات للشهداء الذين مرّوا من هنا، وتركوا لنا وطنًا بعرقهم وصبرهم ودمهم. لا بد أن نستحضر كذلك دور الجيش في مرافقة التنمية، وتدعيم اللحمة الوطنية، وتحصين القرار السيادي للجزائر، وهو الجيش الذي لطالما رفع شعار "الجزائر فوق الجميع"، لا ينحاز إلا للوطن، ولا يرفع إلا رايته، ولا يعترف إلا بشعبه سيدًا ومصدرًا للشرعية.

لقد أثبتت التجارب، أن الجزائر كانت وستظل محمية برجالها، بجنودها، بقادتها، بشعبها الواعي، وبروح الوفاء التي تسكن كل مَن لبّى نداء الواجب. ويظل الجيش الوطني الشعبي في قلب هذا العقد الوطني، يؤمّن الحاضر، ويصنع المستقبل، ويقف على العهد القديم الجديد: لا خيانة، لا مساومة، لا تراجع عن حماية الوطن. في هذا اليوم المجيد، تنحني الكلمات أمام تضحيات الرجال، وتفيض القلوب بالفخر، لأن الجزائر ما زالت تصنع تاريخها برجالٍ لا ينامون، كي ينام شعبها آمنًا.

وما دام في الجزائر جيش كهذا، ستبقى الراية مرفوعة، والبلاد عصية على كل الطامعين، ويظل اسم الشهداء حيًا في الميدان، تحرسه الأرواح، وتردده البنادق، وتكتبه الأيام بأحرف من نور.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services