53
0
الجمهورية الصحراوية بين التأصيل الثوري والمسيرة السوداء .

بقلم كمال برحايل
في مغرب الشعوب تطرح مجددا الأزمة الإقليمية بين طرف يدعي الوحدة الترابية، وطرف يبحث عن حق تقرير المصير في إطار مخطط التسوية الأممية ، لإقامة الدولة المستقلة ونستحضر الشواهد التاريخية للاستدلال، بحركة التاريخ للقياس على تجانس الدوافع لقيام الحركة الثورية
وتكون الاحداث الأليمة في الثامن من شهر بالجزائر ، هي القياس لاستعادة المشهد التعسفي المتكرر مرة أخرى اثر اقدام الفيلق الإسباني في 17 جوان 1970 على قمع انتفاضة الزملة في مدينة العيون ، مؤدية إلى استشهاد احدى عشرة مواطنا، ارادوا تسليم عريضة بالمطالب الوطنية للحاكم الإسباني ، الذي أساء التقدير متعاملا بقسوة مع المظاهرة ، واضحت تلك المذبحة بمثابة القطيعة وايذانا بانهاء العمل السياسي ،وبداية التفكير في العمل المسلح في الصحراء الغربية المحتلة .
وخلال المرحلة الأولى اقتصر النشاط فقط بدايةً على تكوين الخلايا، ضمن نطاق محدود مع التزام السرية التامة مخافة التسريب للطرف المعادي ، وعليه أشرف الولي مصطفى السيد في إطار لجنة مصغرة ، على التنسيق بين الخلايا المنشرة وبالنتيجة تشكلت البؤرة الثورية في الأراضي المحتلة ، وهنا ادرج شهادة للصحفية اللبنانية ليلى خليل بديع ، مقتبسة من كتاب اضواء وملامح من الساقية الحمراء ووادي الذهب وتقول في الصفحة 131 وتقول " فقد سجل ولأول مرة في تاريخ كلية الحقوق فرع العلوم السياسية، نقطة لم تعط من قبل لأي طالب في تاريخ الجامعات العربية ، وذلك عندما منح الأستاذ مصطفى البارودي، علامة 19/20 الحقوق الدستورية " ، ويعتبر الولي اول من أثار القضية الصحراوية في الجامعات المغربية، وقد اعتقل على اثر المظاهرات التي نظمها اللاجئين الصحراويين في المغرب سنة 1972، ليعاد اعتقاله مجددا بعد سنتين ويطلق سراحه بدون اية محاكمة ، رفقة عشرين طالب من المتاثرين بالفكر الماركسي وافكار التيار القومي العربي المعتقدين بان الحرية شيء مقدس وينتزع بالقوة ، ويتخذون من القومية الصحراوية الإطار المشترك للتفاعل .
في وبتاريخ 10 ماي 1973 ، ونتيجة للعمل السري وبالحدود الصحراوية المتاخمة لموريتانيا، تمكنت اللجنة المصغرة من عقد اجتماع لإعلان ، تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ، وتضمن البيان مبدأ التحرير الشامل للأراضي الصحراوية المحتلة ، بدأت أولى العمليات الحربية،في الخنقة . وبمرور بثلاث سنوات يعلن الولي مصطفى في بيان إذاعي ، على قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية جاء كمايلي:
" بسم الله وبعون الله وتجسيدا لارادةًالشعب العربي، ووفاء للشهداء الأبرار وتتويجا لتضحياتنا الجسام ، يرتفع اليوم على ارض الساقية الحمراء و وادي الذهب علم الجمهورية الصحراوية الديمقراطية الشعبية " ، ثم يليه بيان تكميلي آخر صادر عن المجلس الوطني المؤقت، وسيصبح لاحق الهيئة التشريعية للشعب الصحراوي ، وسرعان ما تلاحقت الاحداث بالبيانات الرسمية على هذا النحو :
-إعلان تاسيس الجبهة الشعبية .
-إعلان قيام الجمهورية الصحراوية .
-توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة .
-توجيه رسالة إلى منظمة الوحدة الأفريقية .
-توجيه رسالة الى الرئيس الموريتاني .
وقد جاء الإعلان في شكل المفاجأة لجل العواصم العالمية ، المستبعدة لقيام اية حركة تحررية في المنطقة ، وكما يتصور لينين في نظرية الثورة بان المفاجاة تشكل المنعرج الطبيعي وعلى النخبة كشف الواقع وتحديد الأهداف المتوخاة من التغيير .
وأعتقد ان التوقيت كان مدروس كرد فعل طبيعي ، على الموقف الطارئ تحسبا لملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الإسباني ، ولاسقاط نظرية ارض بلا ملك والمؤامرة الأجنبية،
وعند وصول المهاجرين في المسيرة المغربية السوداء ، اصطدمت الموجات البشرية بالواقع اليومي لشعب الصحراء الغربية ، الذي امتلك الوحدة اللغوية والثقافية والإثنية في موطنه الأصلي .
لقد استعجلت قيادة الجبهة إطلاق الثورة التحريرية ، وكان العمل المسلح هو الخيار الوحيد المتاح ، انذاك واستوحت طابع الإسراع من النموذج الثوري الجزائري ، كما عبر عنه الرئيس الراحل محمد بوضياف ، اثناء جس نبض المشككون في قيام الثورة رد عليهم قائلا ، "سنفجر الثورة بكم او بدونكم ومع قردة الشفة" ، وأيضا حسب ما اسر به الولي للمقربين منه قائلا " اما الثورة الآن او لا أبدا " . وفكرة اختزال المراحل سببه ملائمة الظروف الجيوسياسية ، سواء الإقليمية واستغلت بداية الخلاف الحدودي بين الجزائر والمغرب، اضافة للوضع الأمني الداخلي في المملكة، حيث كانت الظروف جد مضطربة وتميزت بتردي حقوق الإنسان ، وشكل الموقف الليبي الحافز المشجع ، والذي نادى باسقاط الأنظمة الملكية الرجعية ، في الوطن العربي اما الظروف الدولية فهي ناجمة عن اجتياح عموم القارة الأفريقية ، موجة التحرر وإقامة الأنظمة الوطنية المستقلة .
وعلى الصعيد الميداني عملت قيادة الجبهة الشعبية ، الممثل الشرعي للشعب الصحراوي على بسط السيادة الإقليمية وممارسة السلطة في المناطق المحررة والمخيمات المأهولة باللاجئين ، وحرصت على استقطاب الجماهير بتقديم الخدمات الحكومية ، للدلالة على التماسك والوحدة بين الشعب الصحراوي ، وكان المحدد هو عدالة القضية الصحراوية ثم اتجهت قيادة الجبهة الى العمل الديبلوماسي ، في المنابر الدولية في سبيل البحث عن الاعتراف الدولي بالجمهورية .
ويغلب على الخطاب السياسي للجبهة التطور النوعي بعد الانطلاقة الثورية راهنت على تعبئة الجماهير الثورية و بالارتباط المتزامن مع القضية بالقضية لتحرير الأرض وصولا لتحقيق الاستقلال وإقامة الدولة المستقلة.
والحيثيات كشف النزاع الصحراوي المغربي ، بقدرة قيادة الجبهة على امتلاك المبادرة والموقف الثوري ، في ضوء وجود نخبة احدثت التغيير بالقوة وابقت القضية، في إطار تصفية الاستعمار حسب مسار التسوية الأممية ، والاستجابة لوقف إطلاق النار مجرد محطة عبور لجولة قادمة للإصالة الثابتة في الثورة الصحراوية .
آخر الكلام : من أقوال ويليام شكسبير
" نحن بحاجة للخلافات لمعرفة مايخفيه الآخرين قد تجد ما يحعلك في ذهول الجبين وقد تجد ما يجعلك تنحني احتراماً "

