58
0
الدعوة لتعزيز الجهود الوطنية والدولية لمكافحة الاتجار بالبشر

أجمع المشاركون اليوم على أن ظاهرة الاتجار بالبشر رغم كونها دخيلة على المجتمع الجزائري، تشكل تهديدا خطيرا للأمن المجتمعي وكرامة الإنسان، وتستدعي جهودا وطنية ودولية متضافرة لمكافحتها.
نسرين بوزيان
وخلال الندوة الوطنية المتخصصة بعنوان "ظاهرة الاتجار بالبشر بين الضمانات المرجعية الدولية والتشريعات الوطنية"، التي نظمتها جامعة التكوين المتواصل ديدوش مراد بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمقر الجامعة، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الجريمة المنظمة، أكد المشاركون أن الجزائر كانت من بين الدول الرائدة في مكافحة هذه الجريمة من خلال تعزيز التشريعات الوطنية، وتطوير آليات الوقاية والحماية وضمان تقديم الرعاية الأمثل للضحايا والتكفل بهم.
ثلث ضحايا الاتجار بالبشر من إفريقيا

وبالمناسبة، أوضح مدير جامعة التكوين المتواصل، يحيى جعفري في كلمته، أن هذه الندوة تتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولاتها الملحقة، الصادرة في دورتها الخامسة والخمسين بتاريخ 15 نوفمبر 2000.
وأكد أن ظاهرة الاتجار بالبشر أصبحت اليوم من أخطر الجرائم العابرة للحدود، ما يستدعي تضافر الجهود الدولية والوطنية لمواجهتها،مشيرا إلى أن الجزائر كانت من بين الدول السباقة إلى الانخراط في هذه الجهود، وذلك من خلال مصادقتها على اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة بموجب المرسوم المرسوم الرئاسي رقم 02/55 بتاريخ 5 فيفري 2002، ثم بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03/417 بتاريخ 9 نوفمبر 2003، إلى جانب بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين، التي شكّلت إطارا مرجعيا اعتمدته الجزائر في سياستها الوطنية.
مضيفا أنه تم تعزيز هذه الالتزامات الدولية بإصدار القانون 09/01 المؤرخ في 25 فيفري 2009، الذي تضمن تجريما صريحا لمختلف أشكال الاتجار بالبشر ووضع آليات لحماية الضحايا وملاحقة الجناة.
وأكد جعفري أن هذه الندوة تندرج في إطار التثقيف والتوعية بهذه الجرائم، خاصة وأن الجامعة تضطلع بدور ريادي في تحليل الظواهر الاجتماعية والقانونية واقتراح رؤى علمية ومقاربات عملية تساهم في دعم الجهود الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وفق المرجعيتين الدينية والوطنية اللتين تكرسان قيم العدالة وصون كرامة الإنسان، مشددا على أن المشرع الجزائري حافظ على هذه الكرامة من خلال الضمانات الدستورية التي وضعها.
وبين أن المعطيات المقدمة تشير إلى أن حوالي 30% من ضحايا الاتجار بالبشر عالميا من الأفارقة، ما يجعل الجزائر بحكم انتمائها الإفريقي معنية بهذه الظاهرة.
مقاربة شاملة لمكافحة الاتجار بالبشر

من جانبه، أبرز رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبد المجيد زعلاني، أن الجزائر اعتمدت خلال السنوات الأخيرة مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد لمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر مع تعزيز آلياتها بما يواكب تطور أساليب الجرائم المرتبطة بها في إطار يحفظ حقوق الأفراد وكرامتهم.
وأشار إلى أهمية تناول هذه المواضيع داخل الجامعات، لأنها تشكل فضاء للحوار والنقاش وتبادل الخبرات بين الباحثين والمختصين وممثلي الهيئات الدستورية والمؤسسات الوطنية، بما يسمح بتعزيز التنسيق الوطني وتطوير أدوات الوقاية والتحسيس وتبادل أفضل الممارسات.
وذكر بالقانون الصادر سنة 2023، والمتضمن تحديدا واضحا لإجراءات الكشف عن الاتجار بالبشر ومعاقبة مرتكبيه، إضافة إلى إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التي تعنى كذلك بنشر الوعي وتعزيز التدريب وتقديم الدعم للضحايا.
الاتجار بالبشر يدر 150 مليار دولار سنويا

بدوره، أوضح ممثل وزارة الشؤون الخارجية، عبد الكريم حديد، أن جريمة الاتجار بالبشر تعد من أخطر الانتهاكات التي تمس الكرامة الإنسانية، وهي شكل معاصر من أشكال العبودية التي يعاني منها ملايين البشر عبر العالم.
وأشار إلى أنه رغم الجهود المبذولة، ما تزال هذه الظاهرة تحتاج إلى مزيد من العمل والتنسيق والتوعية للحد منها ومكافحتها بفعالية.
وبين أن عائدات الاتجار بالبشر تقدر بـ 150 مليار دولار سنويا، مما يجعلها من أكبر الأنشطة الإجرامية عالميا، كما سهل الانتشار الواسع لتكنولوجيات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي استهداف الفئات الهشة خصوصا النساء والأطفال - مضيفا - ومع تفاقم النزاعات الدولية وتدهور الأوضاع الإقليمية، أصبحت هذه الجريمة عابرة للحدود وتشكل تهديد للأمن الوطني والاستقرار المجتمعي، مما دفع الدولة إلى تكثيف جهود الوقاية والحماية.
وأبرز أن الجزائر من الدول السباقة التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، لاسيما النساء والأطفال، وقد ترجمت هذه الالتزامات من خلال إنشاء اللجنة الوطنية للوقاية من الاتجار بالبشر، التي أسندت لها مهام عدة، أهمها وضع سياسة وطنية شاملة متناسقة مع التشريعات الحكومية، وترقية التكوين المتخصص، وتنظيم حملات توعية وتحسيس.
وذكر أنه في سنة 2024 تجسدت الإرادة السياسية للجزائر بإنشاء الصندوق الوطني لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر والتكفل بهم، كما تشرف اللجنة الوطنية على إعداد النصوص التطبيقية الخاصة بالضحايا، وسعت اللجنة إلى تعزيز القدرات الوطنية عبر ورشات تكوينية بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
تعزيز حماية ضحايا الاتجار دوليا
من جانبهم، اعتبر المتدخلون أن هذه الندوة تشكل فرصة مهمة للتحسيس بهذه الظاهرة وتطوير آليات تضمن حماية الضحايا ومرافقتهم وفق مقتضيات القانون الوطني والمعايير الدولية، بما يسهم في تعزيز الجهود الوطنية وبناء مقاربة شاملة ترتكز على الوقاية والحماية وصون كرامة الإنسان، مؤكدين كذلك أن الحماية المقررة لضحايا الاتجار بالبشر في الاتفاقيات الدولية رغم أهميتها، ما تزال بحاجة إلى استراتيجيات شاملة وآليات ردعية فعالة للشبكات الإجرامية، إلا أن الجزائر في المقابل، تمكنت من وضع مقاربة فعالة في التعامل مع هذه الجريمة، تعزز حماية الضحايا وتكرس الالتزام الوطني والدولي للدولة.

وفي تصريح صحفي، أوضح مدير جامعة التكوين المتواصل، يحيى جعفري، أن الندوة تندرج في إطار تثمين التوجه الجزائري الدائم نحو مكافحة الاتجار بالبشر، وباعتبارها جزءا من الجهود المتواصلة الرامية إلى تعزيز الوعي المجتمعي بهذه الظاهرة، مبرزا أن تنظيم مثل هذه اللقاءات العلمية يسمح بتقديم مقاربات تحليلية تدعم المجهود الوطني في هذا المجال.
كما أشار إلى أن جامعة التكوين المتواصل ديدوش مراد تعتمد تكوينا على مستوى الماستر في الشفافية ومكافحة الفساد، تجسيدا لالتزامها الأكاديمي بدعم سياسات الدولة.
وأضاف أن الجزائر ورغم عدم تأثرها المباشر بهذه الظاهرة إلا أن التزامها الإفريقي والدولي يقتضي انخراطها الفاعل في المساعي الرامية إلى القضاء عليها.

أما الطالبة من قسم الإعلام والاتصال بالجامعة المركزية، صليحة مسعودي، فأكدت أن تنظيم هذا الملتقى الوطني يتيح للطلبة والباحثين التعرف على ظاهرة الاتجار بالبشر التي تشهد تصاعدا ملحوظا في الجزائر.
وأوضحت مسعودي أن من أبرز أسباب هذا التزايد هو الهجرة غير المنظمة للمهاجرين الأفارقة، داعية إلى ضرورة وضع آليات حماية فعالة وتعزيز الجهود الوطنية للوقاية ومكافحة هذه الجريمة.

