894
0
الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء وأثرها على شخصيتهم
بقلم فاطمة نایت مسعود مختصة في التربية وتعديل سلوك الطفل والأسرة
الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها الطفل و يفتح عينيه في أحضانها حتى يكبر، ويستطيع من خلالها الاعتماد على نفسه اذا أحسنا التربية لذا فان مسؤولية تربية الأولاد خاصة من عمر الصفر الى عشر سنوات تكون مهمة وضرورة جدا باعتبارها من أعظم المسؤوليات، لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ".
فالتربية مسؤولية نحاسب عليها يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم" أن يؤدب الرجل ولده أو أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع."
وذلك لأن الأولاد قد يكونوا من أعظم أسباب تعاسة الأولياء أو من أعظم أسباب سعادتهم، لأن بصلاحهم و استقامتهم تصفو الحياة وتزيد الراحة بينما بفسادهم وتمردهم تتعكر الحياة ويزيد الشقاء حتى بعد الممات ، لقوله تعالى "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".
ومن قوله ايضا " ووصينا الانسان بوالديه احسانا "، و قال أيضا " ، نلاحظ من ذلك وجود توصية للأباء على الأولاد وهي سابقة لتوصية الأبناء على أبائهم.
وفي مسار البحث عن الرزق وتنمية أموالنا ، دائما ما يتناسى الأولياء أن أهم الارزاق التي تستحق الاستثمار، هم الابناء باعتبارهم رزق وجب الاجتهاد في تنميته و تطويره بالشكل الذي يخدم دنياهم وأخرتهم ليكونوا عونا لهم و لأنفسهم . ومع ذلك نجد مشكلة الإهمال بسبب عدم وجود وقت خاص للعناية والتربية من طرف الأولياء الذين يتغاضون عن اهم عنصر في التنمية الأسرية و هو الاصغاء والانصات و حتى التحاور.
فالحوار و الاصغاء يساعد على فهم مشاعر الأبناء ويسهل عملية التعرف على شخصيتهم الداخلية وكذا مشاكلهم ، ولكن ما هو موجود اليوم مع الأسف هو غياب المرونة في التعامل معهم بمعنى الأسرة تكتفي بتقديم الأكل والشرب والملبس و الدراسة للطفل فقط ناهيك عن احتياجات أخرى بسيطة جاءت موازية مع الانفتاح الاعلامي الذي خلق طفل معولم، تهدده معالم الخطر حتى وهو في عقر داره.
والغالب اليوم أن الكثير ينجب أطفالا دون دراية ووعي بأهم احتياجاتهم وخصائص كل مرحلة من حياتهم بسبب عدم وجود تأهيل تربوي الذي يزودهم بأدوات تربوية وآليات عملية، سواء كان بالاطلاع على الكتب التنموية أو حتى مشاهدة فيديوهات عن التربية خاصة وأن تربية اليوم تختلف عن تربية أمس في عدة نواحي ومحطات.
وللتفصيل في هذا المحور كان من الواجب التذكير بواقعة عمر ابن خطــاب حـــين جاءه رجل يشكو عقوق ولده فأمر عمر رضي الله عليه بإحضار الولد ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه أيضا، قال: بلى ... فقال :وماهي ؟ فرد عليه : أن ينتقى له أما ويحسن اسمه ويعلم الكتاب أي القرآن .
فقال الطفل: يا أمير المؤمنين ان أبي لم يفعل شيء من ذلك ، لأن أمي زنجية وقد سماني جعلل و لم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عاقبته قبل أن يعقك وأسأت اليه قبل أن يسيئ اليك .
معاملة الأولياء لأبنائهم دون قصد منهم تجعلهم يفسدون من حيث أرادوا أن يسددوا، لأن التربية علم وفن يقتضى البحث عن أكثر السبل الناجحة للتربية ، ولكن نتيجة جهل بعض الطرق التربوية يقوم الأولياء بسلوكيات تؤثر سلبا على الأبناء خاصة في مرحلة بناء شخصيتهم بشكل متوازن لأن الاتجاهات الغير سوية للتربية تترك ندبات و جروح نفسية تبقى حتى وان كبر الطفل تحت مسمى " جروح الطفولة".
الأساليب التربوية السلبية وتأثيراتها على الطفل
يعتقد علماء النفس والتربية، أن الصرامة والشدة الزائدة هي أخطر أسلوب يؤثر على نفسية الطفل لأنها تتحول لعنف و تعقد شخصية الطفل ، فالتربية الانفعالية لا تعطي نتيجة أو تجاوب ، فالعقاب الانفعالي غالبا لا يتوافق مع المشكلة التي سببها الطفل مثل كسره لكأس على سبيل التمثيل .
وبذلك فهذا السلوك يجعل الطفل يفقد شعوره بالأمان كما يجعله ينتهج سلوك الكذب بسبب الخوف من العصبية الزائدة.
فالتربية التسلطية تجعل الطفل خاضع للآخرين، كما تجعله دائم القلق بسبب شخصيته المضطربة الخجولة، التي ساعدها الاحتقار و الانقاص من قيمته في اكتسابها ، وتظهر هذه الآثار بسبب شخصية الأم التي تتصيد الأخطاء فقط لتعاتب وتهين الطفل الذي يصبح في حالة انطواء وغير واثق بنفسه وعاجز عن عقدصداقات بسبب كثر النقد و اللوم التي تشككه في قدراته.
أما الحماية الزائدة او تحمل أحد الاولياء مسؤولية الطفل نيابة عنه، يدمر الطفل تدريجيا، يضاف اليه الإهمال النفسي من حيث عدم مجالسة الطفل و الاستماع اليه،وعدم إعطاءه الحق في الكلام، فالاستماع فرصة لا تعوض لبناء علاقة وطيدة.
فالاهتمام النفسي مهم لتشكيل التوازن النفسي للطفل، الذي لابد من أن يدعم بالتشجيع مثلا اذا رسم صورة جميلة من البديهي أن تحفزه الأم اثناء تعاملها معه من أجل تقديم الأفضل، سواء كان ذلك بكلمة طيبة أو حتى الابتسامة . وهو الحال عند الأب اذا كان طوال اليوم مشغول يكفي البقاء ساعة واحدة مع الطفل لينصت اليه ويتجاوب معه، فذلك يغنيه عن يوم كامل من الجلوس دون مبالاة.
وبخصوص الحب المشرط الذي يرتبط بالعلامات او نتائج الدراسة ، تجعل الطفل يعيش ضغط كبير بسبب أن الاولياء لا يكافئونه ولو معنويا حين يتحصل على نتيجة مرضية ، وأن فشل في امتحان ما يصبح التوبيخ والعقاب هو أول وجه للتعامل معه.