88

0

العشاء الأخير خلف أسوار القلعة

بقلم: كمال برحايل 

استوقفتني التغطية الإعلامية للقمة الطارئة العربية والإسلامية في الدوحة عقب الاعتداء الاسرائيلي ، بالاستحواذ  على جل المشهد الإعلامي، ثم استرجعت مسار تطور الأحداث، و ما استوقفتني واستوجب الكتابة،  بشأنه وهو تلك الزيارة الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب لبريطانيا وإقامة مأدبة عشاء يتخللها همس وحديث مريب، وقد حاولت استراق السمع، او قراءة الطالع، ربما ساعرف سبب وتوقيت وحقيقة تًوقيت هذا العشاء  ، لأنه حينما رسم ليوناردو دافنشي لوحة العشاء الأخير في كنيسة سانتا ماريا ديلي، نزولا عند رغبة منلودوفيكو سوفرزا دوق مدينة ميلانو في شمال إيطاليا، أراد الإيحاء بهذه الجدارية تخليد سلوك الوشاية والغدر الأبدي ، المستقر في شخصية البشر، وما تتميز به هذه الوليمة التاريخية لحظة إعلان السيد المسيح ، انه سيكون عرضة للخيانة من أحد التلاميذ في إشارة لشخص يهوذا ، الذي سلمه لليهود .
والمأدبة الملكية المقامة تكريما ًللرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد اكتملت بدعوة مائة وستون شخصية ، من اقطاب المال والإعلام ، والاستثناء الوحيد الذي ميز هذه المأدبة ، هو رفض الرئيس دونالد ترامب حضور  صادق خان عمدة لندن، الذي وعشية الوصول لقلعة ويندسور، كتب مقال في صحيفة الغارديان يقول " بدل من مدح ترامب يجب على المملكة قول الحقيقة للسلطة، ربما كان الرئيس وحاشيته اكثر من ساهم في تأجيج نيران سياسة اليمين المتطرف المثيرة ، للانقسام حول العالم في السنوات الأخيرة ".
وعليه نزل الضيف المحبط إذ يعتبر الرئيس الأمريكي الوحيد الذي استقبل على وقع الاحتجاجات، في بريطانيا العظمى الحليف التقليدي، وتوصف العلاقات البريطانية الأمريكية، بمثابة الرابطة الأبدية بمعنى قدسية الزواج الكاثوليكي أي يحرم الطلاق ، وحين ترجل من عربة فيكتوريا كان متأبطا بثلاثة هزائم متتالية، وتكمن الأولى خلال قمة ألاسكا في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عاد بخفي حنين إلى موسكو ،بعدما ألقى كافّة الأوراق المتضمنة الحلول النهائية ،وهي غير قابلة للتفاوض أو المداولة او حتى مجرد التعديل، بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا ،ونتلمس هذا الموقف في تصريح دونالد ترامب بقوله " كنت اعتقد أن الحرب في أوكرانيا هي أسهل نزاع ، يوضع له حد بسبب علاقتي بوتين، لكنه خذلني حقاً  لقد خذلني، إني أشعر بخيبة أمل" .
ومن الصين يتجرع في صمت طعم ومرارة الهزيمة الثانية ، عقب اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين ، الحضور الثلاثي المزعزع، لكل من الرئيس الروسي بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم اون جونغ  والوزير الأول الهندي مودي ، وتليها مباشرة الهزيمة الثالثة، وتحديداً بساحة النصر في تيانمين عقب الاستعراض العسكري المبهر للقوة الصينية ،وقد صرح على إثرها الرئيس ترامب، قائلاً " لقد خسرنا روسيا والهند لصالح الصين " وبينما ترتسم ملامح الهزيمة القادمة وتتزامن مع العشاء الأخير في قلعة ويندسور التاريخية ، وسيكون فحوى الحديث بين المدعوين ، موضوع ما جدوى التسارع في التقارب البريطاني الصيني ، بحكم ان الشمس المشرقة من الشرق ستبقى ساطعة في سماء إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، وقد ارتد هذا إلى الاستلقاء في نوم مستغرق بسبب تجارة الأفيون ، ولعل الذكرى جرس يدق في عالم النسيان ، حين تستدعي التاريخ القذر لبريطانيا العظمى ، وهي تخوض حروب الأفيون في الصين والمسوق كدواء يخفف الألم ويساعد على النوم ، مقابل استيراد الشاي والحرير  ، وهنا يدرك الفارق بين  الفكر  الإبداعي والفكر  التدميري لأكذوبة الغرب الحضاري.
ويتبين الدافع الرئيسي لمسارعة الرئيس الأمريكي بزيارة بريطانيا العظمى ، ويلتقي الملك تشارلز الثالث ، الذي يملك ولايحكم ولايتدخل ، بحكم عراقة الأعراف البريطانية، ثم ينتقل إلى الإقامة الريفية للوزير الأول كير سترامر المنتخب والمتخبط ، ويحكم بالسلطة والذي يستند الى الشرعية الانتخابية ، ويملك من العديد من البدائل والخيارات المستعجلة ، واستند  هنا لخطاب الشهير للوزير الأول البريطاني ونستون في تشرشل بقوله " ليس لدي ما أقدم لكم سوى الدم والدموع والعرق" ، وهل يعيد التاريخ نفسه.
ان جوهر الخلاف البريطاني الأمريكي اولاً يبدأ في التقارب البريطاني الصيني خاصة، بعدما يتم حسم مسالة الدعم الصيني للروس في حرب أوكرانيا ، وثانياً بشأن الاعتراف بدولة فلسطبن، وهذا خطا تاريخي توجب تصحيحه ،
اضافة لسقوط نظرية الردع الاسرائيلي، ويتقاطع مع الحرص البريطاني بتجنب انتقاد سياسة إسرائيل في المنطقة ، وينم عن تحول جذري في السياسة الخارجية البريطانية حيال النزاع في الشرق الأوسط ، ونتوقع الاعتراف خلال الأيام القادمة ، بناء على تسريب لمصدر موثوق ، بان هذه الخطوة لا رجعة فيها بينما الجانب الأمريكي يعتبره لمكافأة سخية للإرهاب.
بالتالي حينما نبحث عن الحقيقة النسبية لهذه المأدبة، يتوجب اقتفاء أثار المستفيد، بل يخطئ من يقول إنها مجرد دعوة عابرة في قاعة سان جورج ، لأنها تمثل أطراف السلطة الحقيقية في العالم الغربي والسعي الإمريكي ، هو المحاولة الأخيرة لإبعاد الصين من منطقة النفوذ التقليدي للولايات المتحدة،  ويدل على استمرارية منطق نظرة الاستعداء ، الذي يميز دائما الموقف الأمريكي في العلاقة مع الصين ، خاصة بعد  اتهام حزب المحافظين لحزب العمال بالهروب للصين.
إني أتصور وجود قلق وغضب ملحوظ بين المتكلمين لغة واحدة ، وان تحليل الموقف الاستراتيجي للحليف الأول للولايات المتحدة بريطانيا العظمى ، قد نتوصل إلى تفسير موضوعي بمنطق المصلحة الوطنية أولى ، بحيث تريد إرسال إشارة للرئيس ترامب بأن هناك من يطرق الباب ونسمع همس جذاب قادم من الشرق، يكون حال استراق السمع مشابه لهمس العشاء الأخير ، ومستقبلاً لا نرفض الاستثمارات الصينية ، وتسعى بريطانيا للتموقع الاستراتيجي لحجز مكان في قطار الشرق السريع، في ضوء زيارة راشيل ريفز وزيرة المالية البريطانية للصين ، مرفوقة بوفد من البنوك لتجسيد  وتوسعة التعامل باليوان وهناك مثل أيرلندي يقول " إذا رأيت سمكتين متخاصمتين بالأمس فاعلم أن بريطانيا زارت أحدهما بالأمس ".

آخر الكلام: من أقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل.
" يمكن ان تكون المجتمعات جاهلة ومتخلفة، ولاخطر ان ترى جهلها مقدساً.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services