414

0

العلامة الطيب العقبي ...حامل راية الإصلاح والدعوة

ولد الطيب بن محمد بن إبراهيم العقبي، بولاية بسكرة في شهر شوال سنة 1307هـ الموافق لـ 1890م في الجزائر بضواحي بلدة “سيدي عقبة”، التي سميت بهذا الإسم نسبة إلى الفاتح عقبة بن نافع الفهري القرشي الذي وصل إلى المنطقة أثناء الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي.

إعداد نزيهة سعودي 

 حيث بُنى على ضريحه مسجدا و حوله الأحياء العتيقة للمدينة، التي أقيمت على بضعة كيلومترات من قرية “تهودة” وهو إسم المعركة التي استشهد فيها الفاتح عقبة بن نافع رفقة أكثر من 300 من الصحابة والتابعين. 

اشتهر الطيب العقبي بمواقفه القوية ضد الشرك والبدع والخرافات، حتى كان الطرقيون والمبتدعة يطلقون على دعاة التوحيد لقب “عقبي”.

وقد أنشئ بالمدينة معلم ديني وصرح علمي هو عبارة عن مركب إسلامي للتكوين العلمي الإسلامي لا يزال قطبا يتخرج منه سنويا مئات الأساتذة والدعاة والمؤطرين الدينين، ويكفي العلامة الطيب العقبي شرفا أنه ينتسب لهذه المدينة العريقة، فاقترن اسمه بها، فيقال له “العقبي” نسبة لسيدي عقبة.

عرف بتميزه في نظم الشعر و الأدب

وقد نبغ العقبي في العلم برغم عدم انتظام دراسته في معاهد علمية وتميز في نظم الشعر والأدب، ثم عمل  بالتدريس، وبدأ مسيرته الإصلاحية بالكتابة في الصحف الحجازية داعياً للإصلاح والعمل فلقيت مقالاته قبولاً عند المسلمين وفتحت له صداقة ومراسلة مع بعض المصلحين المعروفين كشكيب أرسلان ومحبّ الدين الخطيب، وأصبح من أنصار ودعاة فكرة الجامعة الإسلامية ضد أنصار الاستعمار والقوميات الضيقة كحزب الاتحاد والترقي، وبذلك ترسخ منهجه السلفي الإصلاحي وانتشر صيته ودوره بين المصلحين والنهضويين.

ولهذا قام ساسة ورجال حزب تركيا الفتاة بنفيه إلى شبه الجزيرة التركية أكثر من سنتين، عقب ثورة الشريف حسين بسبب مقالاته في الصحف ولعدم تعاونه معهم، وقد لحقت به عائلته بعد خراب المدينة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد إلى مكة المكرمة، فأكرمه الشريف حسين وتولى رئاسة تحرير جريدة «القبلة» وإدارة «المطبعة الأميرية» في مكة خلفا للعلامة محب الدين الخطيب.

شخصية حجازية في ملبسه و منطقه و فكره

رجع الشيخ العقبي إلى الجزائر في مارس 1920 بنية حماية أملاك عائلته من الإعتداء عليها، ثم الرجوع إلى الحجاز لكن لم يكتب له العودة للحجاز وبقي في الجزائر، وقد قوبل بمعاملة قاسية من الاستعمار الفرنسي إذ عاملوه معاملة مهينة واستقبلوه باعتقال لنحو شهرين واستجواب وتفتيش ووضع تحت المراقبة.

ثم اصطدم العقبي بالجهلة والمزيفين من أهل العلم فأثرت على نفسيته فانزوى وانقطع عن العلم والكتابة في الصحف، وحين كتب بعد عدة سنوات بعض الآراء والأفكار في مسائل تخص العلم والدين ثارت ثائرة الجامدين ضده.

وقد عاد العقبي للجزائر بشخصية حجازية في ملبسه ومنطقه وفكره، وبقي يحنّ للحجاز والعودة إليهم، وقد وصف الشيخ ابن باديس حنين العقبي للحجاز أثناء سفرهم إلى باريس ضمن وفد المؤتمر الإسلامي، في سنة 1936م وهم على متن السفينة التي تقلّهم قائلا: “فلما ترنحت السفينة على الأمواج وهبّ النسيم العليل هب العقبي الشاعر من رقدته وأخذ يشنف أسماعنا بأشعاره ويطربنا بنغمته الحجازية مرة والنجدية أخرى ويرتجل البيتين والثلاثة، وهاج بالرجل الشوق إلى الحجاز فلو ملك قيادة الباخرة لما سار بها إلا إلى جدة، وإن رجلا يحمل ذلك الشوق كله للحجاز ثم يكبته ويصبر على بلاء الجزائر وويلاتها ومظالمها لرجل ضحّى في سبيل الجزائر أي تضحية".

 

حامل لراية الإصلاح و الدعوة و التوحيد في الجزائر 

كان العقبي بما له من دور بارز وهام في حمل راية الإصلاح والدعوة والتوحيد في الجزائر من المؤسسين البارزين لجمعية العلماء، ولذلك انتخب ضمن مجلس إدارتها، كما عُين نائب الكاتب العام وممثلها في عمالة الجزائر، وتولى رئاسة تحرير صحف الجمعية (السنة والشريعة والصراط).

ثم جريدة “البصائر” من أول عدد لها صدر في 27 سبتمبر/ أيلول 1935م إلى العدد 83 الصادر في 30 سبتمبر 1937م حيث انتقلت إدارتها إلى قسنطينة، وكان العقبي في مقارعة شجاعة مع مختلف صحف الطرقيين التي حظيت بدعم سلطة الاحتلال بعكس صحافة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

ومن بين نشاطاته في جمعية العلماء إشرافه على مدرسة الشبيبة الإسلامية ودعا إلى إنشاء منظمة شباب الموحدين، كما كانت له أنشطة أخرى خارج نطاق جمعية العلماء، فقد كان رئيسا للجمعية الخيرية الإسلامية، ومحاضرا دائما في نادي الترقي منذ مجيئه للعاصمة الجزائر سنة 1931م، بعد تأسيس جمعية العلماء حتى أقعده المرض سنة 1958.

ومن آثار تأثير العقبي في حياة الجزائريين هجر الناس لشرب الخمر والميسر ومواطنها، فرجع أكثرهم إلى بيوت الله بعد أن خلت منهم، وقد كان الفرنسيون هم من يسهل وجود الخمر بين الجزائريين، كحال المستعمر في كل مكان وعلى غرار إغراق الصين بالأفيون من قبل البريطانيين.

تأسيسه لجنة الدفاع عن فلسطين 

وبسبب بعض الخلافات، استقال العقبي من إدارة جمعية العلماء، لكنه لم يتوقف عن النشاط في الدعوة الإسلامية والعمل الإصلاحي، فأعاد إصدار جريدته “الإصلاح” في ديسمبر/ كانون الأول 1939 والتي استمرت إلى مارس/ آذار 1948.

وأسس في نادي الترقي سنة 1947م “لجنة الدفاع عن فلسطين”، والتي تطورت لتصبح “الهيئة العليا لإغاثة فلسطين” كهيئة جزائرية،  تمكنت من جمع ثمانية ملايين فرنك كتبرعات من الشعب الجزائري الذي هبّ لدعم ومساندة فلسطين ماديا ومعنويا رغم ظروفه القاسية.

 كما كوّن العقبي منظمة “شباب الموحدين” (1950- 1952م) لنشر الدعوة السلفية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصدرت عدة جرائد مثل: الداعي والقبس والمنار واللواء، وكان مديرها ورئيس تحريرها الشيخ أبو بكر الجزائري. 

وبقيت مقالاته تطالب بحرية التعليم العربي ومقاومة فرنسا المجتمع الجزائري، ولم يتوقف عن الدعوة إلا بسبب وطأة المرض والذي أقعده سنة 1958 عن الدعوة وألزمه الفراش.

أهم ما قيل عنه 

ويتحدث عنه الشيخ المدني بقوله: وكانت فصاحته تخلب الألباب، ذو صوت جهوري يؤثر على الجماهير، كما كانت لسيرته الفاضلة وسلوكه الديني النقي دورهما في التأثير على الجماهير تأثيرا عظيما.

كان العقبي عظيما، مدهشا، يخلب الألباب بسحر لسانه وبديع بيانه، فالتفت العامة حوله التفافا رائعا وساندته مساندة قوية)،

قال الشيخ الإبراهيمي : « هو من أكبر الممثلين لهديها - أي الجمعية - وسيرتها والقائمين بدعوتها، بل هو أبعد رجالها صيتا في عالم الإصلاح الديني وأعلاهم صوتا في الدعوة إليه ... وإنما خلق قوالا للحق أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر وقافا عند حدود دينه، وإن شدته في الحق لا تعدو بيان الحق وعدم المداراة فيه وعدم المبالاة بمن يقف في سبيله».

قال الشيخ المبارك الميلي: « ولكن أتى الوادي فطم على القرى، إذ حمل العدد الثامن في نحره المشرق قصيدة «إلى الدين الخالص للأخ في الله داعية الإصلاح وخطيب المصلحين الشيخ الطيب العقبي أمد الله في أنفاسه، فكانت تلك القصيدة أول المعول مؤثرة في هيكل المقدسات الطرقية، ولا يعلم مبلغ ما تحمله هذه القصيدة من الجرأة ومبلغ ما حدث عنها من انفعال الطرقية، إلا من عرف العصر الذي نشرت فيه وحالته في الجمود والتقديس لكل خرافة في الوجود».

وقد كان العقبي داعية في حياته وموته، فقد أوصى بشدة وإلحاح بأن تكون جنازته على السنة بعيدة عن البدع، فلا يكون فيها ذكر جهري ولا قراءة البردة، ولا حتى قراءة القرآن حال التجهيز أو حين الدفن، وأن لا يؤذن لأي واحد من الحاضرين أن يقوم بتأبينه قبل الدفن أو بعده.

توفي الشيخ الطيب العقبي في 21 مايو/ أيار 1961 م، قبل عام واحد من استقلال الجزائر، ودفن في مقبرة شعبية، وكانت جنازته جنازة مهيبة حضرها قرابة خمسة آلاف شخص.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services