751

0

المكفوفون في الجزائر… من منتجين وعمال في مؤسسات وطنية إلى التطلع للتعليم والتكوين

 

انشأت المنظمة الوطنية للمكفوفين الجزائريين في 24مارس1962، كثاني منظمة جزائرية بعد المنظمة الوطنية للمجاهدين في فترة  ما بعد الاستقلال ، بموجب قرار المرسوم التنفيذي 55_64 من قانون 200_63، وتبعا للتعليمة الرئاسية للرئيس “أحمد بن بلة” الذي أعطى للمكفوفين حق المنفعة العامة و حق الدفاع عن الكفيف.

تعمل المنظمة على تكوين و تعليم المكفوفين في اطار دمجهم في عالم الشغل لضمان حقهم في العيش كأفراد عاديين ينتسبون للمجتمع و سوق العمل . عرفت المنظمة مؤخرا تنسيق عملي مع  جمعية اتحاد المكفوفين لولاية الجزائر برئاسة السيد “عبد الرحمان سعيد”  لدعم هذه الفئة و خدمتها اجتماعيا .

معطوبي الاستعمار  ….  مكفوفين  يجتمعون في منظمة

شهدت الفترة الأولى من  الاستقلال  في فترة الستينات دمار تام على مختلف الأصعدة و ركود عام في كل المجالات ، أثرت في الشعب بكل فئاته بما فيهم “محرومي البصر” الذين وجدوا أنفسهم في متاهة لا تعرف وجهة، بدون و لا توجيه يضمن قوتهم اليومي البسيط. خاصة وأن مخلفات الاستعمار قد  أنجبت نسبة مضاعفة من المكفوفين المعطوبين الذين تأثروا بالحرب و مخلفاتها التي أزمت الوضع أكثر من سيئ إلى أسوء.

تأزم الأوضاع أيقض رغبة الاصلاح في بعض المكفوفين بما فيهم ” رئيس جمعية اتحاد المكفوفين السيد “عبد الرحمان سعيد ” الذي عمل رفقة خيرة الناس من  فاقدي البصر مثله على السعي و التكفل بمن هم من ذويهم عبر التعليم و التكوين ثم التوجيه  فيقول:” الشدة و المحنة أنجبت الفكرة التي دفعت بنا للسعي و البحث عن حل للم شمل المكفوفين تحت لواء واحد يغير مسار حياتهم الى الأحسن عبر انشاء منظمة وطنية تضمن حقوقهم.”

تكفل أعضاء المنظمة في البداية بجمع المعلومات و احصاء عدد المكفوفين الذين هم بصدد تكوينهم و جعلهم مسؤولين كغيرهم من المبصرين ثم تنظيم قائمة الأعمال و مناصب الشغل التي تلائم قدراتهم ، فيضيف السيد “عبد الرحمان سعيد ” :” كانت السنوات الستة  الآولى لإنشاء المنظمة  جد صعبة أرهقت كاهلي خاصة فيما يتعلق بإقناع السلطات بقدرة المكفوف على العمل و حقه في ذلك، تطلب منا الامر صبرا و شرحا مفصلا  لقدرات المكفوف الذي يملك مهارات تفوق حجم توقعاتهم”.

كللت جهود المنظمة بعد فترة بالنجاح خاصة وأن الانطلاقة قد ركزت على انشاء مدرستين خاصتين للمكفوفين الأولى في العاصمة “الأبيار” و الثانية في “وهران” لتعليم هذه الفئة و توجيهها ، لكن نظرا لعدد و نسبة فاقدي البصر عجزت المؤسستين على احتوائهم ، فصادفت المنظمة مرة أخرى مشكلة احتواء باقي المكفوفين . فلجأت  ككل مرة الى السلطات  في محاولة لها لتوسيع مشاريعها و أهدافها  التي عرفت لغاية اليوم ما يوازي ثلاثين مدرسة خاصة بالمكفوفين.

2500 مكفوف تقلدوا المناصب و شغلوا المؤسسات 

تحدي الإعاقة رفع سقف طموحات المنظمة  للعمل بشكل مزدوج يضاعف نتائجها و يحقق رغبة المنتسبين لها، من خلال انشاء جمعية اتحاد المكفوفين التي رسخت مبادئ المنظمة و تحدت عجز أعضائها في الرؤية، فوجهت سياستها لخدمة المكفوف بجعله رئيسا لها يقود مسارها في الخدمة الاجتماعية و العملية.

فتكوين المكفوف فكريا جعله مسؤولا اجتماعيا و ليس اقتصاديا ؟؟ في هذه النقطة تولت المنظمة مسؤولية توفير مناصب الشغل لهذه الفئة لتكون مستقرة اقتصاديا و ماديا ، لكن بما أن الوضع أنذك لم يكن مستقرا فقد لاقت صعوبات و سخريات من أرباب الأعمال حول توظيف المكفوف ، فعقدت العزم مرة أخرى على تبرأتهم  من كلمة ” عاجز و معاق” وجعلهم من متقلدي المناصب العملية.

المسؤولية العملية من حق المكفوف جعلت المنظمة تتوجه  لفتح ورشات على مستوى التراب الوطني لتشغيل المكفوفين و تحقيق اندماجهم في عالم الشغل، لكن نسبة المكفوفين المرتفعة حالت دون تطبيق ذلك بشكل كامل، ما جعل المنظمة تستنجد بالمؤسسات الوطنية لتوظيف أعضائها.

مؤسسة “التبغ و الكبريت” تستجيب لنداء المكفوف

بعد أن أصبحت المطالبة بالعمل للمكفوفين حق وواجب ، استجابت المؤسسة الوطنية لرسالة المنظمة التي يروي من خلالها رئيس الجمعية تجربته “كأول مكفوف يوظف في القطاع العام للجزائر” مشيرا:” استجابة الشركة الوطنية “التبغ و الكبريت” لطلباتنا بشرط الامضاء على اتفاقية القبول في حالة نجاحي في فترة الاختبار العملي لمدة شهر ، والذي شغلت فيه منصب إداري داخلي لجهاز الهاتف”.

عرفت فترة الإختبار العملي للمكفوف تقييم جد ايجابي، دفع المؤسسة الوطنية لتوظيف المزيد من المكفوفين بشرط أن يكونوا على قدر من المسؤولية و القدرة  التي كانت عند السيد “عبد الرحمان سعيد ” الذي عمل فيها لفترة طويلة مكنته من كسب احترامه كمسؤول وكشخص عادي.

اكتسبت المنظمة بعد قبول طلبها في المؤسسات العامة احتراما مكنها من فتح عدة ورشات للفرش و المكانس التي كانت من عمل و مسؤولية المكفوفين الذين شغلوا بها لمدة طويلة مكنتهم من كسب قوتهم اليومي و اعادة ثقتهم بأنفسهم  كأفراد مسؤولين وقادرين على فتح أعمالهم الخاصة.

نجاح المنظمة  في الثمانينات وصل للذروة  في التوظيف المثالي، الذي  أسفر عن توظيف ما يقارب 2500 مكفوف على مستوى التراب الوطني  و في كل القطاعات.

الانفتاح التكنولوجي سلب حق المكفوف في العمل

الواقع الاقتصادي وزيادة المنافسة في ظل التطور التكنولوجي جعل المؤسسة الوطنية تغلق أبوابها وورشاتها “للفرش و المكانس”، تاركة المكفوفين في حالة تهميش دون عمل أو قوت ،خاصة وأن المؤسسة كانت سبيل عيش العديد من المكفوفين.

في فترة الغلق لم يبق في جيب المكفوف سوى 3000 دينار جزائري شهريا لا تغطى حاجياته اليومية فكيف الحال إذا كانت شهرية؟؟ فيقول السيد “عبد الرحمان سعيد ” متحصرا:” حاولنا استرجاع الورشات و المقرات التي كانت سبيل عيش المكفوف من قبل وزارة التضامن ، لكن المسؤول فيها في تلك الفترة غلق أبوابه علينا دون تجاوب “.

آفاق المنظمة في  توظيف المكفوف تصطدم بالواقع

واصلت منظمة المكفوفين في خطاها و مسارها للإنصاف فاقدي البصر من خلال البحث عن ملجأ آخر يسمح بتوظيف هذه الفئة، لكن تزايد دور الآلة التي شغلت منصب الانسان عقد الامور و جعل العمل محتكرا ،بالرغم من اصدار قانون 1 بالمئة لتشغيل المعاق  فيوضح رئيس الجمعية :”الإشكال الذي يلازم هذا القانون يكمن في قضية الأحقية في التوظيف التي تقتصر أولا على فئة الصم والبكم ثم المعاق الحركي  و أخيرا المكفوف، هذا الترتيب في التوظيف لا ينصف فئتنا أبدا بل يجعلها مهمشة “.

سلطت المنظمة الضوء على هذا القانون بمطالبتها السلطات برفع نسبة الأحقية من 1 بالمئة الى  3بالمئة ليتمكن المكفوف من العمل حتى وان كان الامر يغطي جزء من نسبة المكفوفين و ليس الكل. فرفع النسبة يزيد من احتمالية التوظيف حتى و ان ضمت كل مؤسسة واحد مكفوف فقط .

جاءت هذه المطالبة من المنظمة بعد عجز السلطات في تجديد قانون المعاق منذ 08ماي 2002. الذي يؤكد فيه ذات المتحدث:” طالبنا السلطات بمنحة حق الاعاقة و ليس منحة المساعدة الاجتماعية لان المكفوف لديه مصاريف أكثر من الشخص العادي ، فمقدار مليون سنتيم  عاجز عن توفير حياة كريمة لنا  و التي تفرض أن نكون بدون دخل جانبي أيضا”.

المنظمة الوطنية للمكفوفين تواصل الكفاح برسالة الى السلطات

الى حد اليوم استطاعت المنظمة الوطنية للمكفوفين و بالتنسيق مع الجمعية الخاصة باتحاد المكفوفين على تعليم وتكوين عدد هائل من محرومي البصر ، عبر انشاء مدارس و أقسام تعليمية لمحو الأمية ، كما ضمت الى كنفها المكفوفين المشردين الذين لا يملكون مأوى منذ مدة تزيد عن خمسين سنة .

طموح المنظمة جعلها تعمل على انشاء ورشات أخرى و استرجاع سابقتها لضمان التكفل الأمثل بالمكفوفين ، و باعتبار أنها تعتمد على دخلها الذاتي في العمل و بعض المحسنين فهي تطالب في كل مرة تحسين ظروفها من طرف السلطات لتتمكن من فتح أقسام أخرى للتعليم الالي و وورشات تعيد أحقية المكفوف في العمل.

نجاح المنظمة لا يمكن ان نحصيه في مناصب الشغل فقط و انما بجعل المكفوف شخص مسؤول يثق به المجتمع وقادر على الإنتاج وتحقيق الإنجاز.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services