471

0

أمام التحديات الخطيرة التي تعصف بالاسرة....التربية الدينية أصل لابد الرجوع إليه

 

لاشك وأن نضج المجتمع وصلاحه يقع على عاتق الأسرة بالدرجة الآولى،  بإعتبارها النواة الأساسية في عملية التربية خاصة وأننا نعيش في عصر كثرت فيه التحديات واختلطت فيه الثقافات، حتى صارت القيم تراوح مكانها بين تقليد أعمى وسعي حثيث للتمسك بالثوابت،بسبب الإنفتاح الإعلامي وغزو الفضاء الأزرق لحياتنا مما جعل الكثير من الخبراء والمختصين يطرحون سبيل التربية الدينية كمرجعية لحماية الناشئة من الإنحراف والتسيب.

شيماء منصور بوناب

ولعل ما نعيشه اليوم من هذه الاضطرابات الأخلاقية و السلوكيات المنحرفة هو نتاج سوء التربية بسبب جهل بعض الأولياء ممن تجردوا من مسؤوليتهم الحقيقية في النصح والوعظ الذي أصبح اليوم لزاما شرعيا يقاس به صلاح الأسرة و الأمة  التي باتت أيضا تفرض الرجوع للأصل الاسلامي في التنشئة  بما تضمنه كتاب الله عز وجل و سنة  رسول الله عليه الصلاة والسلام.

واقع التربية الدينية في ضل رهانات الواقع

فالتربية الدينية ليس كما يشاع عنها أنها مجرد تعليم الأبناء الدين من العموميات فقط انما هو أشمل وأوسع بكثير من ذلك ، فتقول  المدربة الاسرية و التربوية حنان طلاس في مفهومها للتربية الدينية "أنها غرس للقيم والأخلاق والسلوكيات والمعاملات التي تبني الفرد أو الأبناء في المجتمع لأنهم أمانة يحاسب عليها الأولياء ، لقوله صلى الله عليه وسلم :"كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته".

أما بالعودة للأصل الحميد في التربية يؤكد الأستاذ مصطفى جابو أنها جوهر بناء الإنسان الذي يستقيم باستقامة ثوابته ومبادئه بالعودة للجذور الفكرية و الخلفية الدينية في التنشئة و التربية التي رسمها الدين الاسلامي على مرالعصور في البيان الكريم والسنة النبوية دون ترك المكان للجدل و التشتت في المنهاج الديني الذي يبين السلوكيات بالضوابط الآمرة والناهية بين الحلال و الحرام و الدم و المدح لمعالجة ما تخفيه النوايا جوهريا ثم ظاهريا في المعاملة وطيب الأنفس.

أما عن الانسان كفرد توجهه التربية في حياته ،يؤكد مرة أخرى مصطفى جابو على كون الفرد كيان معقد التراكيب تمتزج داخله الأحاسيس و المشاعر خاصة الغرائز منها التي تتحكم في قرارة ذاته فتجعله يتأرجح بسلوكياته بين الانضباط و التقيد بقواعد الدين الاسلامي وبين الانحراف و الضياع  في عالم تتملكه الآثام والمعاصي.

فتفاقم الآثام ليس وليدة اللحظة أو الغفلة انما هو تراكم سلبي لإهمالات أسرية كانت سبب في انتشار المعاصي و تفكك العائلات التي لم تستند على الدين في بنائها، فبغياب الوعي الفقهي و الدين ابتعد المجتمع عن عقيدته فعم الانحلال الأخلاقي و أخذ كل فرد يزهوا دنياويا بين ملذات الحياة دون احتساب و لا ادراك، وهو ما أوضحته المرشدة الدينية حيمر حياة في حديثنا معها عن واقع التربية اليوم التي تأثرت بعقليات عقيمة الفكر في اكثار النسل على حساب التربية و هو مع الأسف ما تشبثت به أغلب نساء الجزائر كمفهوم رجعي يعود للاستعمار كخلفية لا تصلح للتنشئة في ما نعيشه اليوم.

يضاف اليها تراجع كبير في مزاولة مجالس العلم الديني في المساجد عبر الحلقات التثقيفية في الدين والعقيدة التي تعتبر واجبا على الأمهات لمعرفة الحدود وضبطها بين التربية كأساس ثم الرعاية كمهام، لتفصل بين الواجبات الدينية والقواعد الدنياوية. وهو ما أكدته أيضا حنان الأطلس في قولها أن "الإنجاز الأعظم لا يكمن في الانجاب بقدر ما يكمن في حسن التربية التي تفتح مجال النجاح والتوفيق  ".

معالم التربية على ضوء القرآن و السنة

بالحديث عن أهم المعالم التربوية لصلاح الأبناء ،يركز الشيخ موسى زروق "رئيس دائرة النشاط الثقافي بالمركز الثقافي الاسلامي"،  على جانبين أساسيين  يقعان ضمن المنهج التربوي المتكامل والممزوج  بين آيات الله في كتابه الحكيم وبين سنة خير الأنام، التي تبين المسؤوليات التي يتحملها الأولياء تجاه فلذة كبدهم لقوله تعالى:" يأيها الذين آمنوا قووا أنفسكم وأهليكم نار وقودها الناس و الحجارة"، وهو ما يظهر أهمية الوقاية فيما يتعلق بالأنفس ومن هم تحت الوصاية منا التي تعكس مكانة أولى الأمر في الحياة ودورهم في استقامة الأبناء .

تعزيز العلاقة الطيبة

وفي القصص النبوية في القرآن الكريم عبر في التربية التي نص عليها الله تعالى في آياته لقوله عز وجل نلتمس منها حسب ما أفاده الشيخ زروق "العلاقة الطيبة بين الأب و الابن" من خلال النداء الذي يعكس عطف الأب و حنانه على أولاده في مخاطبته لهم، وفي قصة يوسف عليه السلام توضيح آخر على العلاقة الوطيدة والقرب في قوله :"

﴿إِذۡ قَالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یَـٰۤأَبَتِ إِنِّی رَأَیۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَیۡتُهُمۡ لِی سَـٰجِدِینَ﴾ [يوسف ٤]
 

في هذا الصدد أكدت حنان طلاس على  العلاقة التي تجمع الأبناء بأوليائهم كقوة مباركة يصلح بها الأبناء ويزرع الثقة فيهم عن طريق المصاحبة ثم المحاورة والانصات لهم ولاهتماماتهم التي تفيدهم على إدراك هدفهم في الحياة .

التدرج في الايمان والتوحيد

تعتبر هذه النقطة محورا فاصل في التنشئة السليمة كونها تحدد الخطوط الحمراء في الحياة بالنسبة للأبناء الذين يتخذون منها حاجزا بينهم وبين المعاصي والشرك بالله، وهو ما وضحه الشيخ زروق  في تفسيره لمعلم الايمان والتوحيد الذي يعيل المسلم في تصحيح أعماله، لأن بصلاح العقيدة تقبل صالح الأعمال.

يضاف عليها "بر الوالدين" الذي يقع على عاتق الابناء بالإحسان اليهم وحسن معاملتهم  على تربيتهم واعانتهم على مشاق الحياة ،لأنهم وصية الله للأبناء ، فلا يقتصرالبر بالوالدين على الاعانة المادية المصاحبة بالإهمال والتعالي انما بالود وطيب النفس في الكلام والأفعال التي تحسسهم بالاهتمام والقرب المتبادل .

الاستشعار بالرقابة الالاهية

تحت هذا المنبر الدقيق والعظيم يقول الله تعالى في قرآنه الحكيم:﴿یَـٰبُنَیَّ إِنَّهَاۤ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلࣲ فَتَكُن فِی صَخۡرَةٍ أَوۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ أَوۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ﴾ [لقمان ١٦]"،معجزته عز وجل في هذه الآية حكمة لمن يتدبر فيها و في تفسيراتها التي تدل على قيمة زرع  الشعور بالرقابة في الأبناء منذ الصغر لتجعلهم في قمة النضج و الوعي بما يجب تجنبه من حرام في هذه الحياة حتى وان غابت الأبصار عنهم في خلوة بينهم و بين الله عز وجل ، فالرقابة تكبح ملذاتهم وتعصمهم عن الخطأ في كل صغيرة وكبيرة دون الحاجة للمراقبة الانسانية من أولى الأمر.

الصلاة عماد الدين

اذا خص الحديث عن الصلاة كفرض أساسي لا تخلو عقيدة مؤمن به تكون التربية  بذلك بذرة طيبة تنتج خير البشر وأصلحهم ،فيقول موسى زروق "تعليم الطفل في سبع سنوات الصلاة بالتدرج من الوضوء و قراءة القرآن و ما تبعها هو فرض على الأولياء كفرض الصلاة على الابناء لأن أول ما يحاسب عليه الانسان هو علاقته بربه و هل أتمها تماما من خلال الصلاة.

وتابع مضيفا الصلاة يخلق علاقة طيبة بين الولد وربه التي تكون فيها  وسيلة ربانية للتواصل مع  الله سبحانه وتعالى في خلوة لا يقاطعها بشر ، لهذا حث الدين الاسلامي تعليم الصلاة للأطفال منذ السنة السابعة لهم من أجل التعود عليها في الوقت الذي يبلغ الإبن أشده من الكبر .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من باب الدعوة للخير والاحسان للآخرين  يشير ذات المتحدث للأمر بالمعروف كقيمة دينية تولد الألفة بين الناس عبر المعاملات الصالحة التي تعكس التربية السليمة للفرد ،حين يتم مقابلة الشر بالخير و السوء بالحسن ، فمن كان على عصمة دينه و متمسك بالعروة نجى من فتنة الخصام التي تعلمه الصبر على ما يصيبه من الآخرين لقوله تعالى  ﴿یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ [لقمان ١٧]  فتفيد هذه الآية الدعوة للصبر في ما يصيب الانسان من مضايقات من الغير نتيجة النصح و الوعظ بهم  لأن طريق الوعظ والدعوة فيه مشقة لا يقدر عليها الا الصابر المتيقن.

القدوة الحسنة

من حسن اساليب التربية هو الاقتداء الصالح وخير ما يقتدى به هو شفيع الامة الذي قيل فيه "قرآن يمشي في الأرض" فمن ربى اولاده على هذا الاقتداء ضمن صلاحهم ،وهو ما اشادت به الأخصائية حنان طلاس في قولها أن القدوة الحسنة تتجلى في معاني جد راقية في سيرة النبي و أصحابه الأنبياء ، الذين يستقى منهم العلم والأخلاق والمعاملة الخيرة التي تكسب محبة الناس  رضا الخالق .

الاختيار الصحيح

تقول المرشدة الدينية في أساس بناء الاسرة وصلاح أبنائها هو الاختيار الصحيح للزوج أو الزوجة كأول شرط يصلح لبنة الأسرة التي أصبحت بحاجة لدورات التأهيل الزواجي لدراسة أبعاد الزواج وإعانة نفسهم فكريا و دينيا  في أمور المعايشة و التربية التي تكون نتاج العلاقة بين فردين بحاجة لتصحيح عقيدتهم وارجاعها لنصابها ثم تربية أبنائهم استنادا لتلك العقيدة السليمة.

ويضاف على الاختيار السليم "عقد القران بما أمرنا الله عز وجل دون اتيان المعاصي فيه والمحرمات "الأغاني ،الاختلاط...." لعل هذه التفاصيل تظهر في العاميات غير مرتبطة بالتربية لكن بالعودة لأصلها وحقيقتها تنكشف الحيثيات فيما أتى به المنهج الديني لتربية الأبناء على أساس تكاملي بين ما جاء به الأولياء في عقدهم الشرعي الذي هو عهد ديني يتسم بالصون والرحمة والتربية الصالحة التي تعود عليهم بالخير و تدخلهم الجنة وبين التربية الصحيحة التي هي انعكاس لأخلاق الوالدين .

في السياق ذاته اضافت حيمر حياة نقطة الدعاء قبل الجماع كخطوة أولى لتأسيس الأسرة وتنشئتها على النهج الصحيح من خلال قوله صلى الله عليه وسلم "قال اذا أتى رجل أهله قال: بسم الله اللهم جنبني الشيطان و جنب الشيطان ما رزقني"، لعل هذا سر من أسرار صلاح الأبناء في وقت يجهل الكثير من الاولياء  قيمة الدعاء .

وهو ما اتفق معه الشيخ موسى حين أشار لتقصير العائلات في موضوع الزواج  بسبب الماديات التي ل لا تعمل بما توصيه السنة النبوية في قول خير الأنام :" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه والا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

أما في حديثه عن الدعاء فقد ذكر ذات المتحدث قصه ابراهيم عليه السلام حين دعا ربه بأن يهبه من الصالحين في كل دعاء له وهو ما قد يبرز عظمة الدعاء قبل التربية لما فيه من هدوء في النفس وانشراح في الصدر و طمأنينة في القلب .

تكامل هاذه الأبعاد يجعل الطفل سويا في ذاته ومع مجتمعه فيقول الامام عبد الرؤوف بوكثير أن الأطفال هم غراس الأمة وذخر المجتمع لهذا خص الاسلام بالاهتمام بهم وعنايتهم حتى تحسن تنشئتهم التي لابد من أن ترتكز في مقامها الأول على القدوة الحسنة المستمدة من الدين الاسلامي و قصص الانبياء و الصحابة وفي سيرة سيد الخلق. التي تكون متبوعة بتعليم الابناء أركان الاسلام و الايمان دون اللجوء للعنف و التهديد لأن دين الاسلام دين معاملة طيبة و حسنة . 

التربية النفسية في المنهج الديني

خصتنا في هذا المنبر الاستاذة حنان طلاس في حديثنا معها عن التربية النفسية للأبناء ، من خلال احتضانهم أسريا بعيدا كل البعد عن العنف والضرب الذي يهدم نفسية الطفل ويفقده شخصيته ،فتجب المساءلة عن أحوالهم  ومراقبة سلوكياتهم دون ضغط و تشديد .

هذا وقد حثت على المصاحبة و حسن القرب من الأبناء  لمعرفة ما يختلجهم نفسيا و مساعدتهم على بناء شخصية متوازنة ذو اشباع عاطفي يحوي مشاعرهم في وقت ضعفهم وانكسارهم. فالعامل النفسي رغم التقصير بالاهتمام به من قبل المجتمع الا أن دوره في التربية يعتبر وتر حساس يكسب الطفل ثقة في نفسه ويعيله على مواجهة مجتمعه الذي يعج بمسببات الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي قد تؤثر في الفرد مشكلة عقد نفسيا تستعصي.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services