157
0
إحياء يوم العلم بتكريم العلماء تشجيع الباحثين بتجسيد اكتشافاتهم عمليا ...

بقلم مسعود قادري
تميز إحياء يوم العلم هذه السنة(16افريل ) بتكريم العديد من العلماء والباحثين من الجنسين وعلى جميع الأصعدة وعبر مختلف ولايات الوطن تقديرا لما تبذله هذه الصفوة المختارة من جهد لتنهض بالوطن وتعيد له مجده العلمي والأخلاقي الذي شوهتة الثقافة الغربية على مدى قرنين من الزمن تقريبا .
تكريم العلماء في هذه المناسبة وفي غيرها من المحافل الثقافية والعلمية لايجب أن يفصل عن ضرورة الاستفادة من نصائحهم وتوجيهاتهم وتنفيذ أبحاثهم واجتهاداتهم حتى لاتضيع جهودهم سدى ويستفيد منها الغير بدل الأمة والمجتمع .. فالتكريم الحقيقي للعالم والباحث هو أن يرى جهده مجسدا في الحياة العامة للوطن وبراءات اختراع بعضهم تدوي في العالم وتفتح معالم التطور لمنتوج جزائري يفتخر بمصدره في مختلف مجالات الحياة ويستفيد منه أبناء الوطن قبل غيرهم .
فالاحتفال بالمناسبة سنويا هي اعتراف لما قدمه الإمام بن باديس في التصدي لمخططات التنصير والتفرنيس للمجتمع مع إخوانه في جمعية العلماء التي أسسوها يوم 05 ماي1931، لتسخر جهود أفرادها في إنارة الطريق للشعب بتعليم أجياله الصاعدة وتوعية أفراده من الكبار والكهول بما يدبره لهم العدو ، وقد كان لهذه الخطة الرشيدة أثرها الإيجابي في إحباط كل المحاولات التنصيرية التي قام بها مبشرو وضباط المستدمر على مدى تواجدهم بالجزائر.
فقد وضعت الجمعية اللبنات الأساسية لاستعادة شخصية البلاد بتنوير عقول الشباب والفئات النشيطة في المجتمع من خلال المدارس التي انتشرت عبر ربوع الوطن وتكفلت بتعليم الناشئة وتكوينها وفق منهاج يستمد روحه من قيم الأمة وتاريخها المجيد وهي قيم لا تتغير ولا تتبدل فأساسها الإسلام كمرجع عقائدي وفكري واللغة العربية كوسيلة للتعبير والتفكير والبحث والتطوير بدل لغة المستدمر التي تحمل في طياتها طمسا لثقافة المجتمع وهويته وترسيخا لمظاهر الحياة الغربية التي ابتعدت عن فطرتها الإنسانية وسلكت سلوكا بهيميا لا يقبله العقل السليم في كثير من الممارسات التي أراد المدمرون الفرنسيون ترسيخها بين أفراد أمتنا مع من سار في فلكهم من ألأذناب والمقلدين المتأثرين بمظاهرالحياة الغربية الخداعة.
عمل الشيخ رحمه الله طيلة حياته على مقاومة الانسلاخ الفرنسي وسهر مع إخوته في الجمعية من خلال المحاضرات والدروس والكتابة في الجرائد التي نشرتها الجمعية والتي كانت الإدارة الاستدمارية تترصد محتواها لتوقفها بدون أسباب واضحة، مع أنها كانت تدعي احترام حرية الرأي والديمقراطية التي تتبجح بها وتعتبر نفسها حامية لها ، لكنها لا ترضى للجزائريين ومن كان تحت إدارتها من الأفارقة عامة التمتع بحرياتهم وممارسة الديمقراطية المزعومة المصدرة من باريس .
استغل بن باديس والإبراهيمي والعقبي والتبسي والميلي وغيرهم من علماء الجزائر الأجلاء كل المناسبات والأعياد وخاطبوا الشعب مباشرة عبر المنابر وفي الأسواق والحفلات وفي كل مكان أو مناسبة تتاح الفرصة للقاء مع المواطنين وعملوا كل ما من شأنه تبليغ الرسالة للأمة لتستيقظ مما هي فيه من تخدير ممنهج من إدارة الاحتلال.
فالمهمة الوطنية والشرعية اقتضت التضحية بكل ماهو ثمين في صالح الدين والوطن والسهر على ترسيخ النهج العلمي والعقائدي الذي ينير درب الأجيال الصاعدة ويفند مزاعم العدو وادعاته الكاذبة بأنه قضى على الدين المحمدي في الجزائر وأن هذه الأرض الطاهرة صارت أرضا فرنسية.
لكن هذه الوجوه الخيرة من زبدة أبناء الأمة لم تركن إلى الراحة ولم تعقها دسائس الدوائر الاستدمارية بتعرضها للحجز والسجن والتعذيب والتقتيل إلا أنها لم تستسلم وواصلت جهاد الكلمة والقلم حتى حل محله جهاد الرصاص والتضحية بالأرواح والدم لسقي الأرض وتطهيرها من الدرن الذي الحقته فرنسا بها طيلة 132سنة و استعادة ما أخذ بالقوة ، فكان النصر بفضل الله وقوته حليف المجاهدين المخلصين من أبناء الوطن الذي أكملوا مسيرة بن باديس ورفاقه . فكلل جهاد هِؤلاء و أولائك بالنصر المبين بعد حرب دامية ومؤلمة دامت ثماني سنوات دفعت فيها الأمة أغلى ثمن للانتصار فاق تقديره المليون ونصف من الشهداء من الجنسين ومن كل الأعمارخلال هذه الحرب فقط ، وهو رقم يعجز اللسان عن ذكره لكنه حقيقة ينحني أمامها العدو والصديق ويقرون بقيمة التضحية التي دفعها الشعب الجزائري لاستعادة سيادته ومازال أحفاده بن باديس يحاربون بقايا فرنسا بعد خمسين سنة من الاستقلال ليتموا مسيرة الاستقلال الحقيقي ويبعدوا فرنسا وأذنابها عن مجتمع لم ولن يرى التقدم والتطور إلا بزوال وتراجع ثقافة فرنسا وإبعاد أذنابها عن مراكز النفوذ في البلاد لأنهم لم يجلبوا لبلدنا الغني بشبابه وخيراته غير التبعية لمستدمر امتص ثرواتنا ودمنا لبناء بلده ومازال حكامه ينظرون إلينا وإلى ألأفارقة عامة كبقرات سمان لايجب ان تتوقف عن تمويل سادة الأمس الذين صاروا في مزبلة التاريخ ومازالوا يعيشون حلم القرم الماضي .
رحم الله بن باديس وقدس ثراه هو وإخوانه العلماء وبارك في البقية الباقية من المنتسبين لجمعية العلماء والمجد والخلود لشهداء الجزائر من ثورة الأمير إلى كل من سقط في سبيل الله والوطن عبر كل الثورات المسلحة وغير المسلحة وبارك الله في شبابنا الصاعد وأعانه على بناء الوطن وتفنيد كل المقولات التي تتهمه بالضعف والعجز لتحرمه من الإبداع و الحضور الفعال في صنع مستقبل الوطن .