279
0
إحياء الذكرى 65 لمظاهرات 11 ديسمبر…بين الروح الوطنية ودور الخطاب الديني

نظم المركز الثقافي الإسلامي بالتعاون مع المعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني بوليو، اليوم الثلاثاء، ندوة لإحياء الذكرى الـ65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960.
شروق طالب
وجاءت الندوة تحت عنوان: "11 ديسمبر 1960… بين الروح الوطنية ودور الخطاب الديني في الالتحام الشعبي"، وذلك في إطار النشاطات العلمية والتاريخية التي يشرف عليها المركز.
أهمية المعرفة التاريخية وحفظ الذاكرة الوطنية

استهل الدكتور أحمد يسعد، المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي مداخلته من خلال ابراز المكانة المحورية لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 في صناعة الوعي الوطني، مؤكدا أن هذه التعبئة الشعبية كانت لحظة انتقال حقيقية في مسار الثورة الجزائرية. فقد جاءت المظاهرات لتفكك خطاب فرنسا الاستعماري وتظهر للعالم أن الشعب هو صاحب الكلمة الأخيرة.
مهد الدكتور للحدث بالحديث عن السياق الذي سبق المظاهرات، مشيرا إلى أن فرنسا، بعد أكثر من قرن من الاحتلال، حاولت بكل الوسائل تغيير هوية الجزائر ومسخ مقوماتها.
ومع ذلك، يحافظ الجزائريون على وعيهم، ويثبتون في كل محطة تمسكهم بجذورهم.
وركز يسعد خصوصا على الدور الذي لعبته عين تموشنت في إذكاء شرارة مظاهرات 11 ديسمبر، حيث تنطلق من هناك أولى أمواج الرفض الشعبي لخطاب ديغول، وتتدحرج نحو المدن الكبرى، فيتحول الغضب المحلي إلى حراك وطني شامل.
كما أشار إلى أن زيارة ديغول للجزائر في 7 ديسمبر 1960 سمحت في تفجير هذا الوعي المتراكم.
فبينما حاول الجنرال تسويق مشروعه "الجزائر جزائرية"، يرد الشعب من قلب عين تموشنت ومن باقي المناطق بالشعار المضاد: "الجزائر مسلمة… عربية… مستقلة".
تشتعل المظاهرات في 11 ديسمبر، تنتشر من عين تموشنت إلى العاصمة، ثم تتمدد إلى وهران، قسنطينة، عنابة، سيدي بلعباس، وغيرها من المدن.
وفي كل مكان، يرفع المتظاهرون العلم الوطني في تحدٍّ مباشر لسلطات الاحتلال.
يقابل الاستعمار هذا المد الشعبي بالقوة دبابات، رصاص، اعتقالات، ومداهمات ليلية.
ومع ذلك، يواصل الشعب تحركاته حتى 16 ديسمبر، مؤكدا أن إرادته أقوى من محاولات الترهيب.
وفي هذا السياق، ثمن يسعد النتائج العميقة لهذه المظاهرات، مشيرا إلى أنها تجبر فرنسا على الاعتراف بأن الشعب هو الفاعل الحقيقي في المعادلة السياسية.
كما تعزز مكانة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في الخارج، وتمهد بشكل واضح لبداية المفاوضات الرسمية التي قادت إلى الاستقلال.
يخلص الدكتور إلى أن مظاهرات 11 ديسمبر — التي انطلقت من عين تموشنت وامتد أثرها عبر الوطن — تجسد قوة الجبهة الداخلية، وتثبت للعالم أن الثورة ليست مجرد عمل مسلح، بل هي أيضا فعل شعبي جماعي يؤمن بالتحرر ويصنعه.
البعد الإيماني والروحي للثورة الجزائرية

ومن جانبه، قدم الأستاذ عزوز مفتاح إمام ممتاز بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الجزائر، مداخلة مركزة خلال ندوة إحياء الذكرى الخامسة والستين لمظاهرات 11 ديسمبر، استعرض فيها البعد الإيماني والروحاني للثورة الجزائرية، وما شكّلته من صمود حضاري في وجه الاستعمار.
حيث أكد مفتاح أن الصراع بين الحق والباطل سنّة قائمة، مستشهدا بآيات قرآنية تبرز ضرورة المدافعة لحفظ الدين والهوية.
وأوضح أن الجزائر، التي كانت قبل الاستعمار بلد علمٍ وقرآن، عامرة بعلمائها وزواياها وتقاليدها الراسخة، واجهت هجمة صليبية استهدفت دينها وهويتها وكرامتها.
وأشار إلى أن المقاومة الجزائرية لم تكن حدثا عابرا، بل مسيرة متعاقبة من الرجال منذ 1830، سطر فيها الشهداء—المعروفون والمجهولون—أروع صفحات التضحية. وقال إن عدم تدوين أسماء كثير منهم لا ينقص من قدرهم، فـ«ما يضرهم إن لم نعرف أسماءهم ما دام الله يعرفهم»، مؤكدا أنهم ضحوا لنحيا اليوم أحرارا، ترفع فيها منائر المساجد ويُجهر فيها بالأذان دون خوف.
كما أبرز الإمام شخصية الجزائري التي يقدرها العالم، وهي شخصية قوية، ثابتة، لا تتراجع إذا قامت، متميزة بصلابة الموقف وحزم الإرادة. واعتبر أن هذه الخصال هي التي جعلت الشعب الجزائري يصمد، رغم قرن ونيف من الاستعمار، دون أن يتنازل عن دينه ولا عن هويته.
مؤكدا أن الجزائر قدمت تضحيات استثنائية من أجل الحرية، تضحيات لو مُورست على أمة أخرى ربما لفقدت تماسكها، لكن الجزائريين—كما قال—أبوا إلا أن ينتصروا.
أهمية الذاكرة الوطنية في بناء وعي الشباب

وفي تصريح لجريدة بركة نيوز، شددت الدكتورة أمينة إقرشة، مديرة معهد التكوين المهني عبد القادر متوك، على الأهمية البالغة لمثل هذه المناسبات التاريخية، خاصة بالنسبة للشباب في هذه المرحلة العمرية، إذ تمكنهم من التعرف على تاريخهم وترسيخ ارتباطهم به.
وأكدت أن تنظيم لقاءات سنوية متجددة يتيح فرصة الشباب ليبقوا على صلة بماضيهم الوطني.
وأضافت أن الشباب بحاجة ماسة للاطلاع على هذا التاريخ، لأن «من لا يعرف تاريخه لن يصنع مستقبله»، معتبرة أن مثل هذه الفعاليات تسهم في تثبيت ثوابتهم الدينية والتاريخية والاجتماعية.
وأوضحت الدكتورة إقرشة أن مشاركة الطلبة، حتى من غير المتخصصين في التاريخ، تعد التفاتة إيجابية تثري مثل هذه الملتقيات، وتعكس وعيا متناميا لدى الجيل الجديد.

