138
0
اهتمامنا بالتقويم الشمسي ليس تقليدا للغرب.. بل اهتمام بالنظام الكوني العام
لا توجد سنة إسلامية وسنة مسيحية كلها أيام الله !!
مصطفى محمد حابس: جنيف/سويسرا
مع الجدل المتجدد كلّ سنة حول “الحكم الشرعي في تهنئة المسيحيين بمناسبة أعيادهم“، ها هو يطفو على السطح مرة أخرى نقاش وتعاليق، خاصة منذ أيام فقط بعد نشرنا لمقالنا: (" إفعل ولا حرج " فــ " الطريق من هنا" .. !!) و قبله مقالنا : ( طقوس أعياد الميلاد حتى في كبرى بلاد الإسلام)، وتشرذم جاليتنا أمام فتاوى مستوردة هجينة متضاربة. حيث تداول مستخدمون مسلمون لمواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام صورة يدّعي ناشروها أنّها تظهر " شجرة عيد الميلاد" داخل مسجدٍ في البلاد العربية، قيل في الإمارات وقيل في مصر وقيل حتى في الجزائر أو المغرب، علما أن وضعنا الديني في المغرب الإسلامي يختلف عن دول المشرق لوجود جالية عربية مسيحية هناك!!
لكنّ الصورة المتداولة ( المرفقة أدناه) في الحقيقة تظهر قاعة في مدينة كرويدون البريطانية يستأجرها مسلمون للصلاة في مناسبات الأعياد وحفلات العطل، والزينة الميلاديّة كانت موجودة فيها عند التقاط الصورة قبل سنوات، بل قبل أربع سنوات خلت وكتبت عليها أيامها مقال توضيحي تداولته الجرائد وهو لا زال متوفر في أرشيفات المواقع، و يظهر في الصورة رجلٌ يؤدّي الصلاة وإلى جانبه شجرة عيد الميلاد". وقد جاء في النصّ المرافق "شجرة كريسماس في مسجدٍ خليجي!!"."
وقد حظي المنشور بمئات المشاركات في مواقع فيسبوك في ظلّ عمل دول الإمارات والبحرين في تلك المدة على تعزيز علاقاتهما مع العدو الصهيوني كلل كما هو معلوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل علنا، جهارا نهارا!!
وقد سبق أن انتشرت هذه الصورة المضلّلة على أنّها في مصر عام 2018 كدليلٍ على التعايش بين الأقباط المسيحيين والمسلمين، وفي هذا السياق نشرت دار الإفتاء المصريّة فيديو تشرح فيه " أن تهنئة المسيحيين في الميلاد، لا يعني اقرارا بصحة معتقداتهم، بل من باب المجاملة بين الشعب الواحد في البلد الواحد، اخمادا لنار الفتنة بينهم"، وأهل مكة أدرى بشعابها!! كما جاءت فتوى منصفة لشيخ الأزهر أحمد الطيب، أيامها حين تحدث عن تهنئة المسلم للمسيحي بعيده، فقال:” إن هذه قضية قد حسمت وطويت، والعود إلى إثارتها فيه جر للأمة إلى ما لا يحمد من الجدل العقيم.".
في التقويم الفلكي لا يوجد تقويم ميلادي وتقويم هجري:
وعادت حديثاً ايضا - هذه الصورة - إلى التداول مع الجدل المتجدد كلّ سنة حول “الحكم الشرعي في تهنئة المسيحيين بمناسبة أعيادهم“، و خاصة منذ أيام بعد نشر كل من مقالي : (" إفعل ولا حرج " فــ " الطريق من هنا" .. !!) و قبله مقالي : ( طقوس أعياد الميلاد حتى في كبرى بلاد الاسلام، وتشرذم جاليتنا أمام فتاوى مستوردة هجينة متضاربة). ويبدو أن مقالي الأخير "استفز" إيجابيا، بل و أثار شجون حتى أحد مشايخنا، أستاذنا الدكتور الحبيب هدام، الطبيب الجراح المعروف، من طلبة المرحوم مالك بن نبي، و أحد مؤسسي المساجد الطلابية الأوائل في فرنسا، في سبعينات القرن الماضي بعد التجربة الناجحة للمساجد الطلابية النموذجية في جامعة الجزائر المركزية و بن عكنون، فكلمني، مستفسرا وناقدا أخويا كعادته، عن موضوع التهاني بمناسبة رأس السنة الميلادية و مشاكل التقويم بالميلادي الشمسي، التي عاشها هو في الجامعات الفرنسية مع جاليتنا في أوروبا !!
علما انه على دراية كبيرة بالإشكالية في بلاد الغرب خاصة، وفهم كما فهمنا نحن وغيرنا، أنه حتى عند النصارى المتنورين الذين نلتقي بهم في حوار الاديان، أن التقويمات من اجتهادات وصنع البشر فيها وعليها، مقرين مثل غيرهم أن تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام ليس في شهر ديسمبر ولا حتى في فصل الشتاء !!.
أو كما كتب استاذنا زهير سالم من لندن، بقوله : ” لا يوجد تقويم مؤمن وتقويم كافر !! لا توجد سنة إسلامية وسنة مسيحية، وفي التقويم الفلكي لا يوجد تقويم ميلادي وتقويم هجري!!". بل يوجد تقويم شمسي يحدد طول السنة بدورة الأرض حول الشمس ويقدرها بـ 366 يوما وربع اليوم. وتقويم قمري يرتبط بدورة القمر ويحددها بـ 355 يوما
وعليه لا يوجد سنة مسلمة وسنة كافرة؛ كلها أيام الله، وتذكرنا بالله، في قوله تعالى: “أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ"،(آل عمران :83 ).
اعتماد المسلمين الهجرة رأسا لتاريخهم كان اجتهادا صائبا وموفقا ومميزا من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب :
معلوم تاريخيا أنه، اعتمد التقويم بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان الأول من محرم من عام 17 للهجرة النبوية بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الجديد الذي جاء موافقا لقوله تعالى "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ". [التوبة: 36]
وأشارت الآية الكريمة إلى الأشهر الحرم وهي 4 أشهر قمرية (رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم)، ورغم نشأة التقويم الهجري الإسلامية فقد استخدم الشهور القمرية التي عرفها العرب قبل الإسلام، ومع ذلك تجاورت التقاويم القمرية والشمسية في التاريخ والحضارة الإسلامية.
واعتماد المسلمين الهجرة رأسا لتاريخهم كان اجتهادا صائبا وموفقا ومميزا؛ وهو من أوليات الفاروق عمر وفِي عهده (رضي الله عنه) وهو القائل: “أرخوا بالهجرة فإنها فرقت بين الحق والباطل."
لماذا يصر بعض المسلمين على إهمال التقويم الميلادي و إلزامنا بالتقويم الهجري، وكأن التقويم الأول خصصه الله للكافرين والآخر خلقه الله للمسلمين! ولو تحرينا الأمر ورجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن حاجة القدماء إلى التقويم جعلتهم يبحثون عن شيء يقيسون به الزمان (في وقت لم يكن به أي وسيلة للقياس)، فكانت حركة القمر هي التي أثارت انتباههم - قبل حركة الشمس- لأنها الأقرب والأوضح والأسهل ملاحظة. وكان العرب من أشهر أمم العالم اعتماداً على القمر في تقاويمهم واستمر ذلك وثبت بمجيء الإسلام، إلا أن هناك أمماً كثيرة اتخذت من القمر تقويماً لحساب شهورها، من ذلك الهنود واليهود والصينيون وبلاد فارس القديمة وغيرهم من غير المسلمين.
ولقد كان التقويم الروماني تقويماً قمرياً يعتمد على دورة القمر حول الأرض باعتبار أن الشهر يبدأ مع ميلاد الهلال، وكانت الأشهر الرومانية تتابع (بين 29 و30 يوماً) ومجموعها 355 يوماً، ولما كانت السنة المدارية 365 يوماً جبروا الفرق بينهما بشهر يضاف كل 3 سنوات، فتصير السنة 12 شهراً لمدة سنتين وفي السنة الثالثة تصبح 13 شهراً! ولكن هذه الإضافة سببت البلبلة والتشويش فلم يعد التقويم القمري هو الأساس، وعدل بعضهم عن استعمال التقويم القمري (الهجري) إلى التقويم الشمسي (الميلادي).
التقويم الشمسي واضح وله فوائده، و يعطي تصوراً كاملاً عن فصول السنة:
ولنفترض جدلاً أن “التقويم الشمسي” خاص بالكافرين فما المانع أن نجاريهم في أمر علمي فلكي ونحن الذين نتبعهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع؟ فالتقويم الشمسي واضح للجميع، ويعطي تصوراً كاملاً عن فصول السنة، وعن الأحداث الحياتية التي تتعلق بها والتي نحتاجها دوماً لنخطط لمستقبلنا وأعمالنا (كم بقي للعطلة الصيفية ومتى سيدخل الشتاء ومتى ستنزل الفاكهة إلى السوق، ومتى موسم الحصاد…)، وإن ذكرنا شهر آذار (مارس) علم الجميع أنه بداية فصل الربيع، وإذا قلنا آب (أغسطس) تفهمنا أنه فصل الصيف واشتداد الحر وعطلة المدارس، أما التقويم القمري فإنه يدور ويتغير مع أيام السنة، وكل عام هو في شأن، وهذا يربك ويحرج، ويصعب تتبعه، وتارة يأتي رمضان في العطلة الصيفية وتطول أيامه الحارة، وأخرى يكون أثناء الدوام والدراسة وخلال البرد القارس. ولعل هذا من رحمة الله بنا لنجرب الصيام في الحر والقر، ولكي يقصر على أقوام ويطول على آخرين (ممن يقطنون الشمال القريب من القطب).
ويحتج أنصار التقويم القمري بأن الأحكام الشرعية تتبع السنة القمرية، كرمضان والحج والعدة…الأمر الذي يعني أن الله اختار لنا - نحن المسلمين- التقويم القمري، وهذا الكلام حق، ولكنه لا يعني أن نهمل التقويم الشمسي، والإسلام جعل لدورة الشمس أيضاً أهمية لدى المسلمين وألزمهم بتتبعها حين ربط الصلوات الخمس بحركاتها اليومية في فلك السماء، فنحن نصلي الفجر عند الشروق، و الظهر عند الزوال، وهكذا تتباعد الصلوات أو تتقارب، ويطول يوم الصيام أو يقصر بحسب بعد وقرب الشمس عن الأرض أي حسب فصول السنة الميلادية، وربط الله الفطر في يوم الصيام بغروب الشمس كما ربط الإمساك بالفجر الصادق فالتقويمان متداخلان ويصعب فصل أحدهما عن الآخر فصلاً تاماً. وقد يكون ربط الأحكام الشرعية بالأشهر القمرية رحمة من الله بنا؛ أو اختباراً من الله لنا ليرى مقدار تقوانا والتزامنا فتحري الهلال يصعب أحياناً وطالما وقع الخلاف في بداية الأشهر القمرية ونهايتها!!
من بين أركان الإسلام خمس، أربعة منها مربوطة بالمواقيت:
وترتبط أربع أركان من أركان الإسلام الخمسة بالمواقيت والتقويم اليومي والشهري والسنوي، وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكان حساب العرب قبل الإسلام يفتقد لترقيم الأعوام، فسميت السنوات باسم أحداث مهمة مثل عام الفيل وأعوام حرب البسوس، ورغم أن العرب كانوا أمة أمية شفهية، فقد عرفوا أعمارهم وأرخوا أحداثهم بتواريخ مهمة مثل يوم ذي قار المشهود وغيره ورغم عموم استخدام العرب للتقويم القمري قبل الإسلام بقرون، لكن أسماء أشهره وترتيبها تعددت حسب ما رأته كل قبيلة، وقد تسبب ذلك التباين بمشاكل في توقيت الحج إلى الكعبة، وهي ممارسة كان العرب يحرصون على القيام بها بشكل دوري، فتداعى زعماؤهم لتوحيد أسماء الأشهر العربية وترتيبها.. واحتضنت مكة قبل الإسلام اجتماعا ضم سادة قبائل العرب واتفقوا على توحيد أسماء أشهر التقويم القمري، ويعتمد التقويم العربي - الذي أصبح فيما بعد التقويم الهجري الإسلامي- على حركة القمر، ولذلك يصنف على أنه تقويم قمري.
والمسلمون في عمومهم يميلون إلى التقويم القمري لأنه ارتبط بالهجرة وبدأ منها، والتقويم الشمسي ارتبط بولادة المسيح، وهذا سليم ظاهرياً، ولكن هل تعلمون أن بعض أعياد الغربيين مسيحيين و يهود تتبع السنة القمرية، وتدور معها كما يدور رمضان على شهور السنة، فهم لا يستغنون عن التقويم القمري. ونحن أيضاً مثلهم نحتاج للتقويمين معاً الشمسي والقمري، واحد لينظم حياتنا والآخر لينظم ديننا، و نتمسك دائماً بالاثنين معاً لأن الأول يعرفنا أحكام ديننا في بعض العبادات كالصيام وللحج، والثاني يعرفنا فصول السنة والمناخ والدورات الزراعية وأمثالها من الأحداث الأرضية الكبيرة المهمة لنا، والتي يكون لها توقيت ميلادي وليس لها توقيت هجري، لذلك حتى في توقيتاتنا المعاصرة نستعمل التاريخين الهجري والميلادي في آن واحد، مبين ذلك بكلمة " (كذا )هجري الموافق لـ (كذا) ميلادي".
اهتمامنا بالتقويم الشمسي لا نقلد فيه الغرب ولا نتبعه وإنما نهتم بالنظام الكوني العام
و بالتالي، فإنه باهتمامنا بالتقويم الشمسي لا نقلد الغرب ولا نتبعه وإنما نهتم بالنظام الكوني العام الذي كان قائماً منذ خلق الله السموات والأرض والشمس والقمر آيتين من آيات الله، ونحن بحاجة إليه لنتابع الأحداث التاريخية القديمة، وبحاجة إليه لنبقى على اتصال مع الآخرين من مخلوقات الله الذين يشاركوننا الحياة على هذه الكرة الأرضية و تحت سماء واحد، وبيننا وبينهم أغراض ومصالح جمة، ولن نخالف الشرع بهذا إن شاء الله، فالتقويمان - كما يبدو- توأمان متلاصقان ولا يمكن أبداً فصل أحدهما عن الآخر، و إلا ضعنا، في حروب وهمية، كما بيّن ذلك في ثمانينات القرن الماضي، المفكر الوزير مولود قاسم رحمه الله، الذي تكلم عن مشكلة توحيد مواقيت الصيام والأعياد لأبنا الأمة الواحدة، متسائلا مستغربا كيف يختلف المسلمون أحيانا في البلد الواحد و القارة الواحدة، فقال رحمه، باختلافنا في مواقيت هذه المناسبات العملية و العقدية، ُنطمئن عن قصد أو عن غير قصد إسرائيل بجهلنا بثوابت ديننا المتكاملة، لأن وحدتنا مصدر قوتنا، لأنه لو قرر العرب يوما ما الهجوم كرجل واحد على فلسطين لإخراج إسرائيل من أرضنا، لن يتم لنا ذلك البتة كما يتصور، لأننا لا نملك رزنامة مواقيت واحدة، لو قلنا نهجم عليها في أول رمضان أو السابع والعشرين منه، فلن نستطيع ما دامت بداية رمضان في دول المغرب الإسلامي ليست نفسها في دول المشرق وتلك هي مصيبتنا، وسبب تشرذمنا!!" ، أو كما قال رحمه الله...
و بالتالي فكل يوم من أيامنا هي أيام الله و كل شهر كذلك بل وكل رأس سنة جديدة ميلادية أو هجرية، لا فرق، هي أيام جديدة وعلى أعمالنا شهيدة؛ فطوبى لمن تزوّد فيها وعمرها بالصالحات. كما ان اعتماد بعض المسلمين التقويم القمري، لا يلغي الحساب بالتقويمات الأخرى .. و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل.