295

0

" إفعل ولا حرج " فــ " الطريق من هنا" .. جاليتنا في الغرب في غنى عن الفتاوى المعلبة المستوردة !!

إضاءات وإرشادات حول أسس التهنئة في الأعياد لغير المسلمين

 

 

محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا

ونحن على أبواب عام ميلادي جديد 2025 داعين الله في مستهله أن يَخْتِمَ بالبَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ أَعْمَالَنَا، ويجْعَلَ يَوْمَنَا خَيْرًا من أَمْسِنَا، وأن يَجْعَلَ غَدَنَا خَيْرًا من يَوْمِنَا، لا زالت تستوقفني كالعادة - في مثل هذا الوقت مع نهاية شهر ديسمبر وبداية شهر جانفي/ يناير-  بعض سلوكات بل تراهات بعض المتفيهقين من بني قومنا في بلاد المسلمين خاصة المشرق منها  والسعودية وما جاورها تحديدا، بحيث يروج بعضهم لفتاوى ليس لها لا في  العير ولا في النفير، أو كما يصنفها الشيخ محمد الغزالي بـ "فتاوى الفقه البدوي"، كقول بعضهم، بمناسبة العام الجديد :

" الانتقال من سنة ميلادية إلى سنة جديدة لا يعني للمسلم شيئًا !! وإنما هي أيام من أيام الله تعالى كسائر الأيام. فلا دعاء خاص، ولا صلاة خاصة، ولا غيرها من العبادات!! أما العبرة من الأيام فحاصلة كل يوم، ويعني باختصار: الانتقال من تاريخ 31 / 12 إلى 1 / 1 لا يعني لك شيئًا .. فكُن طبيعيًا " !!

مروجين لسلوكات تنفير من مجتمعاتهم ، متناسين أن للغرب مجتهديه وفقهائه ومراجعه أيضا، يعرفون  تمام  المعرفة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، و إن اختلاف الأزمنة والأمكنة وما حوتها من أنواع التغير فإنه لا يسوغ القول بتغير الأحكام الشرعية الأساسية، فما كان حلالا في عصر الوحي حلال أبدا، والحرام يبقى كما هو ولن ينقلب حلالا أبدا، إن الخمر، والميسر، والزنا، والربا، والسرقة، وما أشبه ذلك من المحرمات الثابتة والمعلومة من الدين بالضرورة؛ كلها سيئة عند ﷲ عز وجل وعند المؤمنين، وغير قابلة للتغير بتغير الزمان والمكان، وأما الأحكام التي سبيلها الاجتهاد لعدم ورود النص لتوضيحها، فإنها قد تقبل التغيير، وهو المراد بقاعدة تغير الفتوى، التي لا يجوز إنكارها، وقد كتب العديد من أساتذتنا و مشايخنا و أئمتنا في الموضوع و قتلوه بحثا منذ عقود و عقود، و حتى المتطفلين مثل كاتب هذه السطور كانت له صولات و جولات في الموضوع، وله عدة مقالات و أعمدة للنصح  والصفح نقلا عن علماء عارفين بخبايا الغرب وخصوصياته كالشيخ فيصل مولوي الذي عاش في فرنسا، و الشيخ عصام العطار بألمانيا والشيخ محمود بوزوزو بسويسرا و الشيخ الدكتور العربي كشاط بفرنسا و الشيخ الدكتور الطيب برغوث بالنرويج رحم الله من مات وحفظ من بقى منهم.

ثم ماذا أيضا عن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم :

وها أنا ذا أعود اليوم، مرة أخرى للموضوع الشائك تلبية لرغبة من بعض الائمة و الدعاة في كل من سويسرا وفرنسا، حيث زودني الأخ عبد الفتاح بن عبد الله بما وصله عبر الشبكة العنكبوتية لأرد على ما ذهب اليه الكاتب والمدون الأردني المشهور، الدكتور الفاضل أياد قنيبي، ومع احترامي الكبير لجهوده الدعوية المعتبرة في العديد من المواضيع الاجتماعية التي يتطرق لها بحكمة و دراية عالية في قنوات اليوتيب، إلا أنه في هذا الموضوع جانبه الصواب نوعا ما، لأنه لم يرتكز في استدلالاته على أي مبرر شرعي، وذهب يفتي بحرمة التهنئة في عمومها، دون غربلة ولاتمحيص، وهذه هي مقدمته، كما وصلتني حرفيا :" تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، كل عام إذا سكتنا لم يسكت الذين يسارعون إلى إباحتها باستدلالات أبعد ما تكون عن العلم! فنقول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم لا تجوز، وكذلك إظهار هذه الأعياد مثل "شجرة عيد الميلاد" وصنع الكيكات (الحلويات) التي عليها شعائرهم.. الخ "، و هذا الكلام من طرف أستاذنا كالدكتور أياد قنيبي تعميم لا ينم عن فهم للواقع و لا تقديرا للأوضاع، لأنه ولا مسلم واحد يعيش في الغرب أو في الشرق يقول بمثل هذا الكلام في عمومه!! هذه العادات الغربية المسلم البسيط في عمومه بعيد جدا عنها ولا يستعملها البتة، و إن قام بها بعضهم فمن باب العادة و ليس من باب العبادة، كما سنوضحه لاحقا.. وأستاذنا نسي أن  جوهر المشكلة هو تساؤل و استفسار بعض الناس في ديار الغرب في مثل هذه الأيام عن أمر آخر، هو قضية تهنئة المسلمين لغير المسلمين بالعيد أو رأس السنة الجديد من عدمه أو العكس، بكلمات واضحة موزونة لا لبس فيها، من تهنئة أو مباركة وتحية كقول القائل: " كل عام وأنتم بخير".

 

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾، لكل الناس مهما كانت معتقداتهم !!

 

في البداية، للرد على هذا الخلط،  يجب الإقرار بفخر و اعتزاز أن هذا الدين جاء للناس كافة رحمة للعالمين، وبالتالي صار بديهيا أن الإسلام يقيم علاقة المسلم بغيره من خلق الله على أساس من الصدق والإحسان في القول، لقوله تعالى : ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83] ، فالقول الحسن مع الناس هو بوصفهم أناسا، كما قال تعالى في الوالدين، (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)، أي بعنوان الولادة، لا بعنوان الإسلام، فيحسن إليهما ولو كانا كافرين - وما اكثر هذه الحالة في بلاد الغرب اليوم - ، على طريقة الأصوليين في التعليل بالمشتق، فعِلَّة القول الحسن والإحسان، هما: الإنسانية والوالِديّة

لما كان الإنسان لا يسَعُ الناس بإحسانه من جهة ماله، مهما كان عنده من المال - أمره تعالى بالإحسان إلى كل مخلوق، وهذا الأمر الإلهي يصلح أن يكون قاعدة تضبط أقوال العبد في كلامه مع الناس، فلا يخرج من لسانه إلا الخير والكلمة الطيبة، ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾:أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك كل كلمة طيبة في التعامل مع الخَلْقِ كل الخلق؛ أي عموم الناس، مسلمين وغير مسلمين، ومن القول الحسن أيضًا الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس العلم، وبذل النصيحة، والسلام مع البشاشة، وطريقة التخاطب العادي بين الناس، وغير ذلك من كل كلام طيب.

 قال سبحانه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[الحج: 24] ومعناه أن الله يرشدهم إلى أقوال، أي يلهمهم أقوالًا حسنة يقولونها بينهم ، فالكلمة الطيبة والقول الحسن هداية الله وفضله لعباده، وقال عز وجل، أيضا : {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53]  هذا القول الحسن مطلوب في كل حين و آن، حتى مع الأعداء في العادات و العبادات

 

" افعل ولا حرج " فــ " الطريق من هنا"  :

 

على ضوء كل هذا، أملي أن يجتهد أئمتنا و مسيري مراكزنا الاسلامية ومؤسستنا في الغرب، أن يجمعوا لنا كل هذه المادة الخاصة بالموضوع، وتتولى ترجمتها هذه الأخيرة أو مؤسسة ما، وتوزع على شكل كتيبات في مثل هذه الأيام المباركات تعميما للفائدة و إنهاء للإشكال الذي تزرعه أبواق فتروع به مجالسنا مع قدوم كل عام جديد، عملا بالعنوان الذي اخترناه لهذا المقال " افعل ولا حرج " و " الطريق من هنا"، و هذا العنوان اقتباس من كتابين لعملاقين من عمالقة الفقه والفكر، الأول " إفعل ولا حرج " عنوان كتاب الشيخ سلمان العودة ( فرج الله كربته، وأطلق صراحه) و الثاني " الطريق من هنا"، للشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه.

أما الكتاب الأول " افعل ولا حرج " للشيخ سلمان بن فهد العودة فقد أراد به مؤلفه رفع الحرج عن المسلمين في موسم الحج، والحفاظ على أنفسهم، نظراً لما يتعرضون له من التزاحم الشديد، والذي ينتج عنه المشقة الشديدة والضرر الجسيم للحجاج، فانتهج منهج التيسير في مناسك الحج، واختيار الأسهل من أقوال العلماء في مسائل الحج، والتوسعة على الحجيج، وهذا المنهج لم يرتضه بعض أهل العلم في الحجاز، علما أن الكتاب قد قدم له الشيخ عبد الله بن منيع والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ عبد الله بن بيه والذي بسط القول في مقدمته - التي بلغت قرابة 30 صفحة- عن مقصد التيسير في الشريعة وفي الحج على وجه الخصوص وتوظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة.

 

أمة كانت في طليعة العالم ألف عام تتراجع في مؤخرة القافلة البشرية:

 

أما الكتاب الثاني "الطريق من هنا" فهو من تأليف العلامة الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) .. الذي ركز فيه على أن تخلف العالم الإسلامي قضية معروفة وإن كانت مخجلة! وهذا التخلف أطمع الأقوياء فيه! بل قد طمع فيه من لا يحسن الدفاع عن نفسه! وشر من ذلك أن هذا التخلف ألصق بالإسلام تهما كثيرة، بل إن عقائد خرافية فكرت في إقصائه ووضع اليد على أتباعه..! متأسفا بقوله :" ولست ألوم أحدا استهان بنا أو ساء ظنه بديننا ما دمنا المسئولين الأوائل عن هذا البلاء".. مبينا "أن القطيع السائب لابد أن تفترسه الذئاب. وقد نهض كثيرون لمعالجة هذا الانحدار، وإزاحة العوائق التي تمنع التجاوب بين الأمة ودينها أو إزالة الأسباب التي جعلت أمة كانت طليعة العالم ألف عام تتراجع هائمة على وجهها في مؤخرة القافلة البشرية.".. شارحا تفرقنا بقوله " رأيت ناشدي الإصلاح فريقين، فريقا يتجه إلى الحكم على أنه أداة سريعة لتغيير الأوضاع، وفريقا يتجه إلى الجماهير يرى في ترشيدها الخير كله.. خاتما ملاحظاته بقوله ( رحمه الله) : إنني أناشد أولى الغيرة على الإسلام وأولى العزم من الدعاة أن يعيدوا النظر في أساليب عرض الإسلام والدفاع عنه، وأن يبذلوا وسعهم في تغيير الشعوب والأفكار، سائرين في الطريق نفسه الذي سار فيه المرسلون من قبل... و الإسلام اليوم يعانى من أمرين: الأول تصوُّر مشوَّش يخلط بين الأصول والفروع، وبين التعاليم المعصومة والتطبيقات التي تحتمل الخطأ والصواب وقد يتبنى أحكاما وهمية ويدافع عنها دفاعه عن الوحي.. و لله في خلقه شؤون." !!

 

التهاني مشروعة بمنظور شرعي، حسب أهل الاختصاص:

 ولكي ابسط الموضوع اليوم من زاوية شرعية بحتة، نقلا عن أصحاب الاختصاص وأنا لست منهم، فقد زودني زميلنا و أستاذنا القدير وأحد الرواد المختصين في الفقه و الفقه المالكي خصوصا، الأستاذ القدير الدكتور وليد مصطفى الشاويش، عميد كلية الفقه المالكي، بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمان، بالمملكة الأردنية، و هو خريج جامعة محمد الخامس، بالمملكة المغربية الشقيقة، كلية الآداب والدراسات الإنسانية، شعبة الدراسات الإسلامية، وحدة الاجتهاد والتطورات المعاصرة، فقد زودنا بدراسات دسمة في ثلاث مواضيع متكاملة، نشرنا قطوفا منها منذ بعض سنوات، ونحاول اليوم الاقتباس من هذا القطوف:

أقول و بالله التوفيق، نقلا عن الدكتور وليد الشاويش و تلخيصا لما زودنا به مشكورا:

في البداية ، يقر الدكتور وليد، " أنه ليست أزمة التعامل مع غير المسلمين في مواسمهم الدينية بمسألة جديدة ولا مستغربة، ذلك لأن قوما اضطربوا في عيدهم إذا وافق يوم الجمعة، وفي مولد نبيهم أحرى أن يضطربوا في أعياد غيرهم!!"، مفصلا ذلك في نقاط منها:

 

أولا :

خلافات فقهية أم أزمات معرفية، بين الشرعي والعادي:

 

 فهذا يعني أننا نعيش أزمة داخلية تعكس صراعات معنوية داخل البيت السني، فليس الأمر مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو ميلاد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام. فقد مضت أحاديث كثيرة ومقالات وفيرة فيما يتعلق بعلاقة المسلمين بالكافرين في مواسمهم الدينية، موضحا بقوله :"  وبعد متابعتي لبعضها ولا أقول جميعها، وجدت أن الأمر بحاجة إلى التمييز بين الشرعي والعادي في تقرير الحكم أولا".

 

ثانيا :

أصلان محكمان يرد إليهما النزاع:

 

حاولت بيان الحكم الشرعي  من حيث استناده إلى أصل، وميزت بين مشاركة تتناقض مع عقيدة المسلم وشريعته، مما هو نفاق في السلوك وبما يخالف الشريعة، وبين ما هو من العاديات كزيارة المريض، والعزاء، والمناسبات المعتادة، وما هو من حسن القول والعمل الذي أمرت به الشريعة بعنوان الوالدية في الوالدين ولو كانا كافرين، والقول الحسن بعنوان الإنسانية، الذي هو ديدن المسلم.

 

ثالثا :

 المتشابه سبب الخلاف:

 

اعلم أن الخلاف ينشأ من المتشابه، ولما ردت الشريعة المتشابه للمحكم فهذا يعني أنها قطعت دابر الخلاف، وذلك برد المتشابهات المحتملة إلى المحكمات القاطعة، فعندما تقول التهنئة والمباركة والتحية، لا بد من تفسيرها وفق المحكمة فقد تتضمن التهنئة محرما ونفاقا وقد تكون في قصد المكلف من باب حسن القول المأذون به شرعا، كقول المسلم كل عام وأنتم بخير، ومن هنا يكون الواجب هو تحليل القول نظريا، وليس حشد ما في الكتاب مع نسيان الواقع وتجاهله، ولا بد من تفسير المتشابه على ضوء الـمُحكَم.

 

رابعا :

 آية واحدة مـُحكمة جمعت الأصلين الشرعيين:

 

وقد جمعَت الآية الكريمة الأصلين السابقين في بناء الحكم وهذه الآية وهي قوله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) 15، سورة لقمان. وعليه نكون أمام حكمين: تجوز المشاركة في العاديات وهي الأمور العادية من أمور الدينا، ومنعت الآية ما يخالف الشرع، في الأصل الأول: ( فَلَا تُطِعْهُمَا )، والأصل الثاني: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، ودور الفقيه أن ينزل كلا من هذين الأصلين كلا في محله.

 

خامسا :

 تنزيل الحكم على محله المتردد بين أصلين:

 

تجوز المشاركة في العاديات، وتمنع فيما يخالف الشرعيات، نبدأ بتنزيل الحكم على محله في الواقع، مما يعني أن الحكم الشرعي كلي ينطبق على صُور كثيرة في الواقع، بينما هو حكم واحدا، فنشأ الإشكال في تحديد محل الحكم بسبب التردد في معنى: تهنئة، احتفال، تحية، مباركة، مما يعني أن محل الحكم فيه خفاء، وتردد أحيانا بين أن يكون عاديا وأصلُه قوله تعالى :  (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وبين أن يكون مخالفا للشريعة ويتنزل عليه قوله تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا).

 

سادسا:

 محل الحكم واضح في التحريم:

أما ما هو من الواضح فهو المباركة في عقيدة نصت الشريعة بقطعياتها وضرورياتها على بطلانها وهي ولادة ابن الله، وأن الاحتفال بالثالوث مع اعتقاد الإيمان بالإله الواحد، هو من المحرمات في الفروع، ولا أظن أن مسلما عندما يحتفل أو يشارك فهذا يعني أنه يعتقد بالثالوث وينقض إيمانه بسورة الإخلاص.

 

سابعا:

 محل الحكم واضح في الإباحة:

 

أما في العاديات كالعزاء وعيادة المريض، فهذه واضح فيها أنها أمور عادية، وهي في العفو الإلهي وإن خالف فيها بعض الفقهاء، لكنها في دائرة العفو بسبب الخلاف المعتبر.

 

ثامنا:

 منشأ الإشكال، التردد في محل الحكم وليس في الحكم نفسه:

 

1-      إن الإشكال هو خفاء محل الحكم أحيانا، بحيث يكون مترددا بين أن يكون عاديا أو مخالفا للشرعي، ومثل ذلك قول : كل عام وأنتم بخير، فهي من جهة قول حسن، ويتكرر من المسلمين وغير المسلمين في المناسبات، فأصبح ظاهرة عامة لا تخص المسلمين دون غيرهم.

 

2-      فأصبحت المقولة كالأقوال الحسنة من صباح الخير، ومساء الخير، وكبقية التحيات التي لا إشكال فيها، من حيث معناها الظاهر، فنقول للمسلم في عيد الفطر كل عام وأنتم بخير، وهي لا تعني بداية عام أو نهايته، وكذلك في الأضحى وهو 10- ذي الحجة وليس هذا بداية عام ولا نهايته، مما يعني ضعف ارتباط هذه الكلمة في زمن دون آخر، وهي على ظاهرها في ذلك، فرأس السنة كرِجْليها ويدَيها، ولا تأثير للزمن.

 

تاسعا :

الأصل أن يجري على الناس عرفُهم في كلامهم:

 

1- وعليه فإن كلمة كل عام وأنتم بخير تخضع لعرف المتكلم لا على عرف السامع، والعبرة به مراد المتكلم لا مراد السامع، فالسامع عليه أن يفسر الكلام على وفق مراد المتكلم على مراد السامع.

 

2- ولكن مراد المتكلم يحتمل تخصيصه بالعرف، ولم أجد عرفا يخصص كلمة: كل عام وأنتم بخير سواء من القول أم الفعل، بل معنا المقولة : هو كل خير يحب للإنسان، أما لو أردنا أن نحمل الخير هنا على عرف الشرع، فالخير في عرف الشرع هو الأعمال الصالحة، والشر هو المعاصي، لأن معنى الإيمان بالقدر خيره وشره، أي العمل الصالح هو الخير، والمعاصي هي الشر، وليس على  العرف القولي الحاضر بين الناس بأن الخير هو ما يحبه الإنسان ويسعد به.

 

عاشرا :

هل هناك عرف اجتماعي يخصص كل عام وأنتم بخير؟

 

1- ولكني لما لم أجد عرفا مجتمعيا مطردا من الأفعال ما يخصص مقولة: كل عام وأنتم بخير، فبقيت على ظاهرها، وأن شبهها بالعاديات أقوى، وتصلح أن تكون محلا ليتنزل عليها قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) 83، سورة البقرة.

 

2- ولا يتنزل عليها قوله تعالى في الشرعيات: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)، لأن عبارة كل عام وأنتم بخير عامة مستوعبة لكل خير، ولا أخير من الإسلام في عرف الشرع، أما عرف الناس فلا مخصص له لاشتراك المسلمين مع غيرها في استعمالها، ولا أرى عرفا قوليا أو عمليا يخصص ذلك.

 

حادي عشر:

 إنما الأعمال بالنيات بشرط موافقة الظاهر للشرع:

 

فإذا جاز ظاهر القول للكافر: كل عام وأنت بخير، وحسن النية فلا إشكال، ولكن ربما رأى بعض الدارسين والباحثين أن كل عام وأنتم بخير تتضمن اعتقادا شركيا لو قالها المسلم في زمن دون آخر، فهذا أمر اعتقادي يسأل عنه صاحبه، لا أن يكون حكما عاما على الناس، بأن يقوم بعض الناس بإقامة محاكم تفتيش على النوايا، مع أن القول الظاهر لا يتضمن ذلك، ولا عرف مخصص للقول، لأن العرف لا بد أن يطرد حتى يخصص.

 

ثاني عشر:

 تمييز العادي من الشرعي:

 

1- وأن قول كل عام وأنتم بخير من التحية، مثل صباح الخير، ومساء الخير، و كيف حالك، و طمئني على صحتك، فهي من حيث المعنى معناها وبها أشبه وألصق، وإنما لكل أمرئ ما نوى.

 

2- لذلك لا بد من التمييز بين إقامة الاحتفالات وتقديسها دينيا، وبين التحية المقبولة، التي هي: كل عام وأنتم بخير، محذرا من الكلام الفكري الانطباعي الذي يتحدث بالشعور والعموميات، دون رد الفرع إلى أصله، وإجراء الأقيسة اللازمة في محالها.

 

3-  وقد ردَدْت كلمة التحية: كل عام وأنتم بخير، إلى أصل الكتاب، ثم أجريت أقيسة المعنى و أقيسة الشبه، للتأكيد على نفي الكهنوت الديني الذي يقرر أحكاما من غير منهجية، وأنا في هذا ليست مجتهدا، لأن العامي مِثليْ لم يجتهد في أصل الحكم، بل كان اجتهادي هو تحقيق مناط، و الاجتهاد بتحقيق المناط لا ينقطع حتى قيام الساعة، لأنه تنزيل للحكم على محله، وليس إنتاجا للأحكام نفسها، كما يصرح بذلك الإمام الشاطبي، والحمد لله رب العالمين.

 

ملاحظة أخيرة لابد منها في قضية موضوع الإحسان :

 لا بد من ملاحظة الدقة في إنزال النصوص الشرعية  في محلها، فنصوص الإحسان تنزل في محلها، فلا يبارِك المسلم في المنكرات، سواء كانت في مناسبات المسلمين وغيرهم، وكذلك نقول القول الحسن في محله بما لا يُـقِر صاحب منكر على منكره من تناول المحرمات، أو الاعتقادات الباطلة شرعا، بل الواجب هو النصح بالتي هي أحسن وأقوم قيلا، والبشرية اليوم مكلفة جميعا بالإيمان بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران (85).

متى يفهم المتجاسرون على الكلام في العلم بغير تفقه ولا تحصيل:

هنا نتوقف عن نقلنا لما جاء في اجتهاد عميد كلية الفقه المالكي، بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمان، استاذنا الدكتور وليد الشويس، لنفسح المجال لاجتهاد شاب واعد الدكتور محمد هندو أستاذ الفقه و أصوله بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، ورئيس دائرة العلوم الشرعية بمركز الأصالة للدراسات و البحوث .. الذي اغتاظ من بعض الفتاوى الشاذة لبعض المتقولين في تحريم كل ما يقال عن التذكير بمولد النبوي وأنه لا النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا صحبه الكرام قاموا بذلك، فكتب يقول :

متى يفهم المتجاسرون على الكلام في العلم بغير تفقه ولا تحصيل؛ أن الترك النبوي، وهو أعلى مقامات الترك؛ لا ينهض دليلا على المنع، بل دلالاته كثيرة، بل قد يدل على الندب، إذا تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه لحق نفسه، أو إشفاقا على أمته أن يفرض عليها شيء في ذلك زمن نزول الوحي، أو لاعتبارات كثيرة، وإنما المنع بالنهي وقرائنه المعلومة في الأصول، وإذا كان ذلك في الترك النبوي، فما بالك بالترك الصحبوي، وما بالك بالترك الذي مصدره من لا حجة في قوله وفعله أصلا، ناهيك بتركه.

 

قائمة طويلة من اجتهادات الصحابة بعد وفاة الرسول:

 

وقد فعل الصحابة الكرام من متروكات النبي صلى الله عليه وسلم أفعالا عظيمة، بل فعلوا ما ظاهر القرآن والسنة النهي عنه، لولا فهمهم للعلل والمناطات التي ليس للقوّالين المتقوّلين بها فهم ولا إدراك ولا عناية، ومن ذلك ما هو من شأن التعبدات قطعا، وذكر من ذلك، قائمة طويلة، نكتفي بذكرها أدناه كعناوين، على أن نعود لتفسير و تبسيط، أهم ما قام به الصحابة أدناه في مقال مستقل بحول الل، وقد ذكر بعض مشايخنا، اجتهادات الصحابة بعد وفاة الرسول ، بحيث قاموا بالأمور التالية التي تصب في عمق الإسلام ولم يقم بها الرسول (ص) أيام حياته ، منها :

جمع القرآن، ونقط حروفه.

جمع الناس على صلاة التراويح.

الأذان يوم الجمعة في الأسواق.

جلد شارب الخمر.

رأي بعضهم أنه لا رمل في الطواف، وأن المحصب ليس بشيء.

تشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في المسألة اليمية.

حجب الإخوة بالجد، كحجبهم بالأب.

توريث المبتوتة في مرض الموت.

تضمين الصناع.

منع الزواج بالكتابيات.

إيقاع طلاق الثلاث ثلاثا.

ترك قسمة سواد العراق.

ترك تغريب الزاني.

ضرب الدية على أهل الديوان.

قتل الجماعة بالواحد

... إلخ

كل هذه الأمور تحتاج كل واحدة منها توضيحا ومقالا مستقلا للشرح و التوضيح للمعن العام مع أمثلة ننقلها من أهل العلم والاختصاص، سنعود لها مستقبلا بحول الله.

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services