60

0

اضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956

.. رسالة واحدة لأجيال متعاقبة عنوانها الجزائر أولا ودائما

 سعيد بن عياد

قبل تسع وستون سنة مضت وفي التاسع من شهر ماي انتفض الطلاب الجزائريون في وجه الواقع الاستدماري معلنين التحاقهم بثورة التحرير من بوابة شن اضراب عام شكل بمعيار التاريخ منعرجا حاسما في مسيرة الثورة التي اندلعت بوسائل بسيطة لكن بإرادة صلبة في 1 نوفمبر1954 ايذانا بان الاحتلال الى زوال مهما كلف ذلك من تضحيات بلغت مليون ونصف مليون شهيد. لقد كان للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين دورا فاعلا في بناء الوعي الوطني في أوساط الطلبة على قلة عددهم فكان لمواقفهم تأثير كبير في اوساط الجامعة وبالأخص لدى الطلبة الفرنسيين الذين اكتشفوا حقيقة الاحتلال والممارسات الفاشية للبوليس الفرنسي ضد الجزائريين وبالذات الطلبة.

كان التحاق الطلبة الجزائريين بصفوف الثورة نقلة نوعية في مسار مواجهة الاحتلال الفرنسي من كافة النواحي سواء الحربية أو السياسية والاعلامية والدبلوماسية. شكاو دما جديدا لدواليب حرب التحرير من خلال تولي مواقع قيادية وتوفير خدمات للدعم في المجال الصحي والطبي حيث انجزوا بوسائل بسيطة وشحيحة عمليات لإنقاذ ارواح المجاهدين العائدين جرحى من معارك ضارية في مختلف الولايات التاريخية. وبوصول الشباب من الجامعات والثانويات بالأخص الى معاقل الثورة المجيدة سجلت ديناميكية جديدة جعلت الجيوش الاستدمارية تدرك أن الجزائريين بلغوا درجة من الوعي والايمان بأن لا مجال باي شكل من الأشكال لمهادنة الاحتلال وان اللغة الوحيدة التي يفهمها هي السلاح وان الثورة جمعت كل فئات المجتمع ولا جدوى لمحاولة استمالة فئة معينة بعد أن هجر الطلبة مقاعد الدراسة بكل ما تمثله من فرص عمل راقية ومواقع اجتماعية فيها من الرفاهية الكثير.

ولم تنجح مخططات الادارة الاستعمارية خاصة المصالح الادارية المتخصصة (صاص) التي تحترف الحرب النفسية وتستعمل الدعاية الهدامة في محاولة يائسة لكسر ارادة الطلبة الذي تفطنوا منذ الأول لمشاريع الاحتلال وبرامجه المرتكزة على سياسة "فرّق تسُد". واعطى هذا المستجد في مسيرة الثورة قوة للوحدة الوطنية التي تعززت بتلاحم كافة الفئات الاجتماعية من شتى التوجهات السياسية في مشهد جزائري وطني ضاعف من قوة الصمود في وجه ممارسات التعذيب والحرمان والتقتيل الجماعي فكان النصر للجزائر والهزيمة للاستدمار الفرنسي.

تلك الروح النضالية التي جسدها الطلبة شكلت قاعدة مرجعية للشباب الجزائري بعد استرجاع السيادة الوطنية فاستمرت في أوساط الطلبة من خلال المساهمة عبر جميع المراحل في مسيرة البناء والتشييد ولعل برامج التطوع والخدمة الوطنية خير مثال للالتزام بخدمة البلاد والدفاع عن السيادة الوطنية. ويحتفظ سجل تلك المراحل بحضور قوي للطلبة في انجاز مشاريع التنمية والبناء لتغيير وجه الريف وازالة بقايا الاستدمار من فقر وأكواخ والغام على الحدود الوطنية الشرقية والغربية. وساهموا أيضا في مكافحة الأمية وتوفير العلاج للجزائريين في الجزائر العميقة والصحاري والجبال وكذا شق الطرق على غرار طريق الوحدة الافريقية التي أطرها الطلبة خريجي الجامعة الجزائرية في اطار الخدمة الوطنية وبناء السد الاخضر لوقف التصحر.

وفي سنوات قربة مضت برز الطلبة في الجامعات الجزائرية شريكا فاعلا في التعامل مع جائحة كوفيد 19 التي فرضت اغلاقا كاملا على دول العالم وكان ضروريا أن تعتمد الجزائر على امكانياتها الذاتية وفي مقدمتها الجامعة لإنتاج وتوفير وسائل الوقاية من وباء كورونا لحماية المواطن الجزائري في كل المواقع وبالفعل تحقق الكثير بفضل تلك الروح الوطنية الصادقة والاستجابة السريعة لمتطلبات الوضع الصحي الصعب فنال الطلبة في كل التخصصات شرف خدمة مجتمعهم وحماية بلادهم وفازوا بالاحترام والعرفان لما ابانوا عنه من كفاءة وروح مبادرة تلبية للواجب الوطني.

وبنفس العزيمة والاصرار يواصل الطلبة اليوم السير على خطى السلف الصالح في خوض معارك الثورة العلمية بالتعاطي مع التكنولوجيات الجديدة لتمكين الجزائر من امتلاك قدرات كبيرة في مجالات البحث والابتكار ومواكبة التحولات التي يشهدها العالم انسجاما مع الخيارات الوطنية الكبرى التي تخدم السيادة الوطنية وتوفر عوامل تكريس الامن الوطني الشامل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية. وفي هذا الاطار تبرز اليوم مشاريع مهيكلة ملموسة من خلال استثمارات ضخمة ترتكز في الاساس على العلوم والتكنولوجيا وبالتالي على المورد البشري الجامعي كام هو الحال في قطاع المناجم وتحلية مياه البحر والأدوية والتوجه الى علوم الفضاء.

ومن منطلق الذاكرة التاريخية فان هذا اليوم 19 ماي 1956 يبقى مرجعا في بناء شخصية الطالب الجزائري بحيث كلما غص في اعماق العلوم يبقى متمسكا بهذا التاريخ يستلهم منه تضحيات أسلافه من الطلبة وانخراطهم في خدمة المجتمع وإرتباطهم بالمواطن الذي يشكل صمام أمان الوطن ومنبع الحصانة في مواجهة أي تهديد مهما كان في عالم يعرف حاليا بروز قوى استعمار جديد تغذيه  بقايا الاستعمار القديم الذي لم يهضم تحرر الشعوب ولا يزال يستعمل كل مخططات التآمر والتخريب ضد البلدان الناشئة والدولة الوطنية من خلال توظيف التكنولوجيات الجديدة للاتصال لنشر الدعاية الهدامة وبث الأكاذيب لأهداف جيوسياسية يقف الطلبة في مقدمة الحرب ضدها بالعلم والمعرفة. 

    

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services