753

0

الدراجات النارية في الجزائر….شغف الشباب الهاوي ومواجهة الخطر والذهنيات

يعود تاريخ  الدرجات النارية لعام 1885حين قرر المهندس الألماني غوتليب ديملر صنع أول  دراجة نارية في العالم،  ليتم العمل عليها وتطويرها لغاية أوائل القرن العشرين لتصبح بالشكل العام للأنواع الأولى للدراجات مع إضافات جديدة جعلتها أكثر قدرة ومرونة. وقد يرجح البعض النجاح الحقيقي في تصنيع الدراجة النارية  لسنة 1894 خلال دراجة هايلديراند آندوولغمور في ميونيخ بألمانيا،  التي حملت محرك جديد عدل الدراجة بمعدل مبهر أشاد بها الكثير .

أما إذا خص الحديث عن واقع الدراجة النارية في الجزائر فلم تعرف تواجد كبير إلا مؤخرا في بعض المناطق والولايات نظرا لظهور الحاجة اليها التي رغم أهميتها إلى أنها ضلت محطة استنفار وذم الكثير من أفراد المجتمع.

شيماء منصور بوناب

تقوم الشركات الصناعية بإنتاج الدراجات النارية بأحجام وأنواع وأوزان متعددة حسب سن وطلب السائق ، فنميز دراجات مصممة أساسيًا للاستخدام  فوق الطرق المسطحة و المهيكلة، و دراجات معدة للاستخدام خارج الطرق  بما فيها تلك التي خارج المدن أي في الأرياف الوعرة ،  وعليه فكلا الدراجتين مهيئين للاستخدام في مسلكها الخاص بمراعاة التحكم في وضعية القيادة التي تتطلب سن ومهارة معينة لكل شخص.

قيادة الدراجات النارية رياضة تستهوي المراهقين

أما بالنسبة للدراجات النارية المنخفضة (سكوتر) فمن الناحية العلمية هي مخصصة غالبا للمبتدئين والمراهقين أمثال التلميذ ” عبد المؤمن” الذي سرد لنا تجربته مع الدراجات النارية منذ أن كان طفل لا يتجاوز الخمس سنوات ، فيقول:” ولعي بركوب الدراجات النارية بدأت سماته بالظهور عند مزاولاتي ركوب الأحصنة  في غابة بوشاوي التي عرفتني بما يسمى “كواد” الذي يعتبر خطوتي الأولى في قيادة المركبات التي أظهرت  شغفي بالدراجات النارية .”

و يواصل متحدثا عن بدايته في قيادة “سكوتر” في عمر11سنة التي كانت مهد تمرسه في قيادة الدراجات النارية التي لم تمنعه من التعلم و التساؤل في كل تقنياتها و تفاصيلها رغم الإصابات التي تلقاها اثر قيادته فيقول مرة أخرى:” الاهتمام بالدراجات النارية جعلني دائم الانشغال بالبحث في كل جديد يخصها سواء عن طريق المواقع الرقمية أو التحاور مع من يتقنها ، كل هذا الشغف  مكنني من تطوير مهاراتي و صقل موهبتي التي احاول في كل فرصة تحسينها وتنميتها…”

وللتعمق أكثر في الدراجات النارية التي باتت وسيلة العصر و مسقط كل هاوي و رياضي للتعبير عن ميوله الرياضي  يصف لنا  عبد المومن أنواع بعض الدراجات التي تناوب على قيادتها منذ فترة طفولته إلى غاية اليوم ، فيشير إلى الدراجات الهوائية المصغرة التي تكون أكثر خفة ووزن قد تصل سرعتها إلى50 كم/ساعة تكون متماسكة  في الطرق المرصوفة ، وهي من من بين الدراجات التي قد تناسب الهاوين في قيادتهم الأولية كونها تناسب أصحاب البنية الضعيفة ولا تشكل ثقلا على سائقها. بينما الدراجات الكهربائية فتحتوي على محرك كهربائي  تمتاز بالحداثة لما تحمله من تقنيات جديدة تتطلب مهارة لإتقانها .

الدراجات النارية بين الترفيه والحاجة

مؤخرا شاع استخدام الدراجات النارية في الحياة اليومية خاصة في النقل أو التوصيل السريع الذي تعتمد عليه أغلبية المحلات في توصيل مستلزمات زبائنها في وقت وجيز نظرا لما تعانيه شوارع الجزائر من زحمة و عرقلة سير في المدن ، كما نجدها في دوريات الشرطة والأمن العام في عمليات المطاردة أوفي تنظيم المرور الذي يراعي في قيادتها تسهيل عملية الوصول و التنقل بين السيارات.

في حين نجد مختصة التربية الكوتش “نايت مسعود ” تعرف استخدامات الدراجات النارية من منظور آخر يصف رغبة وغاية سائقها فتقول:” قد تكون الدراجات النارية مصدر خوف وقلق عند جميع الأفراد لكن نجد البعض يستخدمها كوسيلة للترفيه أو قد تساء إليها عبر جعلها وسيلة استعراض بحركات خطيرة تهدد حياة سائقها، غير أن ذلك لا ينقص من قيمتها في كونها متنفس لأصحاب التوتر و الضغط فقيادة الدراجة يساعد الفرد على التنفيس عن خلجاته الداخلية التي تقلب مزاجه و تؤثر عليه سلبا.”

يصاغ على ضوء ما تم التعريف به أن قيادة الدراجات النارية يعمل كآلية لدفع رغبات الفرد نحو منظور رياضي ينظم حياة المرء في حالة ما تم تأطيرها بشكل منطقي عبر سباقات أو منافسات .لكن نظرا لغياب الأماكن المخصصة لقيادتها أصبحت تزاحم المركبات الأخرى في الطرقات من شاحنات و سيارات  التي بات في اعتقادها أن سائقي الدراجات النارية هم من قطاع الطرق أو أصحاب جاه لا يحملون روح المسؤولية …..

نظرة المجتمع السلبية لسائقي الدراجات

كشفت لنا الكوتش نايت مسعود في حوارنا معها عن موضوع الدراجات النارية ،الخلفية الاساسية لما يتم تداوله بين عامة الشعب عن سائقي الدراجات النارية فتوضح :”أنه بسبب النظرة الخاطئة الأولية التي أخذها الناس عن أصحاب الدراجات هي من أولت الأوضاع إلى هذا الحال؟ و جعلت الذهنيات متعصبة و عقيمة الوعي تجاه سائقها الذين يعتبرون من منظور الشعب أنهم متمردين و متهورين أبناء أغنياء …”

 

فالمنظور التوعوي اليوم في ترقية ثقافة قيادة الدراجات النارية كهواية و رياضة أو عمل أصبح يراعي شرط” التقبل ” بكونها رياضة بالدرجة الأولى كباقي الرياضات تتطلب قواعد و مبادئ خاصة بها تنظمها الدولة في البداية ثم النوادي والجمعيات.

تغيير الذهنيات عند الجزائريين يعد مشكل عويص نوعا ما خاصة بعد النظرة التشاؤمية المسبقة التي أخذت عن سائقي الدراجات مهما تنوعت أشكالها أو طرق استخدامها ، فاليوم زادت حدة  المشاحنات داخل الطرق بين سائقي السيارات الذين يضيقون على أصحاب الدراجات النارية دون السماح لهم بالسير بشكل عادي، كونهم غير مرغوب فيهم .

هذه المعاملات انعكست سلبا على أصحاب الدراجات بما فيهم “عبد المؤمن” الذي عبر لنا عن تأسفه لمثل هذه السلوكيات التي قال فيها: “توجه العديد من شباب اليوم لقيادة الدراجات النارية يعود لكونها أداة للتنفيس  عن طاقاتهم الكامنة  التي تقابل دائما بالرفض من قبل المجتمع بسبب تهور بعض قائدي تلك الدرجات الذين لا يمكن الاخذ بهم كمقياس لتعميم تلك النظرة بهذا الشكل المجحف ….”

وتابع مؤكدا على ضرورة إفساح المجال لأصحاب الدراجات النارية دون اطلاق التعميم على سلوكياتهم التي توصف بالتهور والتمرد لأن القيادة  تعتمد بالدرجة الاولى على السائق نفسه  كل و شخصيته دون الحاجة لإطلاق شائعات لا تمد بصلة بهوية الفرد  كشخص محب لهذه الرياضة .”

من جهتها أيضا أفادت الكوتش بأهمية صقل هذه الهواية والرياضة بأسس منظمة قد يفيد تغيير منطلقات أفراد المجتمع الذين باتوا ضحية لما يسمعونه دون القدرة على مواجهة الحقيقة ،التي تفيدهم في تسريع عملية التقبل التي تفرض تنوير ذهنية الأسرة كنواة أولية ثم المحيط الخارجي وصولا بذلك لعامة الشعب من المجتمع الذي مع الأسف لا يزال يعتقد أن  قيادة الدراجات النارية في الشوارع وبين السيارات مخالف للذوق العام .

 قيادة الدراجات النارية….آلية تحفيزية وتربوية

قد يخفى على الكثير من الناس أن الرياضة هي وسيلة تربوية قبل أن تكون رياضية تساعد على تهدئة النفس وتكبح جموحها في الإدمان على بعض العادات السيئة كونها تلهي الفرد عن ما يضره.فتشيد الخبيرة التربوية في هذه النقطة بدور رياضة  قيادة الدراجات النارية في تهدئة الفرد و تربيته على منوال صحيح خاصة بعد جعلها آلية تحفيزية تنشط الرغبة والاجتهاد عند المراهق مع التأكيد على المرافقة الأبوية التي قال فيها والد عبد المؤمن: قصة ابني مع قيادة الدراجات النارية بدأت منذ الصغر حين لاحظت اهتمامه بها ، حاولت دعمه ومرافقته في مجال ولعه عبر تخصيص وقت لممارسة رياضته بشكل لا يتقاطع مع دراسته أو نشاطاته الأخرى وذلك بمرافقة دقيقة وغير مبالغ فيها لأنه كما نعرف أن الطفل والمراهق يحتاج مساحة خاصة به للتنفيس عن ما يختلجه داخليا.”

أما في كون هذه الرياضة وسيلة تحفيزية فتظهر من خلال ما ترويه لنا الكوتش من تجربتها في جلساتها مع عبد المؤمن الذي وضع مصير دراسته تحت رهان الدراجة النارية ؟؟؟؟؟ قد يعيب على البعض فهم الأمر من المرة الأولى لكن بعد التحاور مع المختصة التربوية تجيبنا قائلة: توصلت لاتفاق مع والد عبد المؤمن الذي بدى عليه الحيرة والقلق حيال ابنه الذي لم تكن لديه الرغبة في مواصلة دراسته الا بشرط شراء دراجة نارية تناسب سنه خاصة بعد ظروف تغيير مدرسته التي أزمت الوضع .”

لتواصل مفسرة:” الاستماع لمطالب عبد المؤمن بشراء دراجة نارية كبيرة تناسبه، حسن الوضع وظهر الأمر بوضوح في علاماته في الفصل الأول حيث صار أكثر نشاطا ورغبة في الدراسة بعد عملية التحفيز التي كانت مبدأ أساسي في الاتفاق.”

الخطر المحدق بسائقي الدراجات النارية

كثيرا ما نسمع ونشاهد سيناريوهات الحوادث المكررة في الطرقات بسبب الدراجات النارية والسيارات ، التي باتت تهدد الأرواح يوميا ،وقد يعود ذلك لعدة أسباب متعلقة بأمور السلامة الشخصية أو القوانين أو اهمال غير مسبوق وغيرها من التفاصيل التي تزيد من حدة نفور الشعب تجاه قيادة هذه الدراجات النارية ، فيروي لنا “عبد المؤمن” تجربته في قيادة الدراجات النارية مشيرا لبعض الحوادث التي شاهدها في مسار ممارسته لهوايته فيقول:” قد تكون قيادة الدراجات النارية أمر فيه مجازفة لكن أمور السلامة  تبدأ من ملابس قيادة و اتباع القوانين هي أمور مسلم به لا ينبغي تجاوزها، لكن ذلك لا يمنع مع الأسف الإصابة ببعض الحوادث نتيجة خطأ طفيف أو عطل تقني أو انزلاقات وغيرها من المسببات التي تهدد سلامتنا أحيانا . وهو ما نشاهده غالبا في شكل حوادث سير “.

فموضوع السلامة يفرض التحلي بأخلاقيات القيادة ومستلزماتها التي تجنب الإصابة بحوادث خطيرة ، هذا ما أكده لنا عبد المؤمن حين قال” رغم التزامي التام بكل أمور الحيطة والسلامة إلا أنني أصبت كثيرا في مختلف أنحاء جسمي بعدة خدوش وكسور آلت بي إلى المستشفى في الكثير من الأحيان”.

وربما ما يعقد الأمر أكثر هو تداول التنافس على سائقي الدارجات النارية في الطرقات بين السيارات والشاحنات التي تقوم بالضغط عليهم مرارا و تكرارا لأسباب شخصية وغير منطقية دون مراجعة خطورة الأمر الذي قد يهدد حياة الناس.

وعن النصائح التي يمكن تقدمها للذين يقودون الدراجات النارية  للتقليل من هذه الحوادث  يؤكد “عبد المؤمن على “إن قيادة الدراجة النارية يفرض السلامة العقلية للشخص الذي يكون متمكن ومتدرب بشكل مضبوط مع ضرورة الالتزام بالخوذة والملابس الأخرى ثم التشديد في التدقيق و الفحص التقني بشكل دوري للدراجة باعتبارها وسيلة نقل مثل غيرها من المركبات.”

وأضاف في نفس السياق “احترام القوانين المرورية دون الحاجة للتهور أو الاستعراض مع تخصيص ملابس السلامة الخاصة بالفترة الصباحية والليلية التي تتطلب ملابس بألوان ملفتة للنظر ذات ميزة تشبه الإضاءة .”

رسالة للسلطات….. قيادة الدراجات النارية رياضة تحتاج للإهتمام

بعد التفصيل في حيثيات قيادة الدراجة النارية التي أصبحت اليوم متنفس جديد يدرج في الثقافة الرياضية التي تتطلب تأطير ملم بكل تفاصيلها، أشارت لنا في هذا المجال الكوتش نايت مسعود إلى الزامية تفعيل أعضاء المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات في المسار الذي يخدم هذه الرياضة عبر انشاء جمعيات مهتمة بالشأن الرياضي تنظم المسابقات والمنافسات للتقليل من الذعر المحاط بقيادة هذه الدراجات.

كما نوهت إلى جعل قيادة الدراجات النارية مشروع عملي يستفاد به لخدمة المجتمع عبر تنظيم تجمع أو كيان يشرف على قائدي الدراجات النارية بشكل منظم يوجههم  للعمل في مجال التوصيل كما هو الحال عند شركة” يسير” التي تعمل على السيارات .

من جهته أيضا شدد عبد المؤمن على ضرورة ووجوب انشاء أماكن خاصة بممارسة هذه الرياضة ثم صقلها بنوادي حقيقية مهتمة بها بشكل متأطر يكفل للشباب أمثاله ممارسة هوايتهم بشكل احترافي عبر منافسات داخلية وخارجية تمكنهم من تمثيل بلدهم في المحافل الدولية والعالمية في هذه الرياضة التي أصبحت في الجزائر رياضة جد  مهمشة تنتظر نظر السلطات في أمرها.

أما في الجهة القانونية فقد دعا عبد المؤمن  إلى التفصيل في قانون الرخصة المفروضة لسائقي الدراجات النارية التي صادفهم قانون السنتين الذي ينص على توقيفهم وحرمانهم من اجتياز امتحان القيادة بالنسبة للدراجة النارية لمدة سنتين في حالة تحصله على رخصة قيادة السيارات، و الحال مثله بالعكس بالنسبة للدراجة.  وهو الأمر الذي يترك استفهام كبير أمام الشباب الراغب في الحصول على رخصة القيادة للدراجة النارية والسيارة في دفعة واحدة أو سنة واحدة ؟؟؟؟؟ يبقى الأمر معلق إلى غاية التفصيل في هذا المرسوم الذي لم يرضي غالبية السائقين.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services