27
0
عشبة لسان الثور من وصفة إغريقية للشجاعة إلى إرث أصيل في المطبخ الفلسطيني

اعداد : نسرين بوزيان
يعد نبات لسان الثور، المعروف علميا باسم Borago officinalis، من الأعشاب العطرية ذات الاستخدامات الطبية والغذائية المتنوعة، يتميّز بأزهاره الزرقاء الجذابة التي تشبه شكل النجمة، ويعرف في بلاد الشام باسم "الحمحم"، حيث اكتسب شهرة في الطب الشعبي منذ العصور القديمة، إذ كان الإغريق يعتقدون أن تناوله يمنح الإنسان الشجاعة ويبعث في النفس الجرأة والثقة.
ومع مرور الزمن، أصبح جزءا من التراث العلاجي والغذائي في عدة ثقافات، ولا يزال يستخدم حتى اليوم في الطب التقليدي والحديث.
الأصل والانتشار
تعود أصول نبات لسان الثور إلى مدينة حلب في سوريا، حيث كان يزرع ويُستخدم لأغراض علاجية، ومن هناك، نقله الرومان إلى إنجلترا، ليبدأ بعدها انتشاره في معظم أرجاء أوروبا وغرب آسيا وشمال أمريكا.
خلال العصور الوسطى، أدخله العرب إلى جنوب الأندلس، ومعه انتقل اسمه من العربية إلى اللاتينية، إذ يُرجح أن الاسم العلمي Borago تحريف للاسم العربي القديم "أبو عرق"،الذي تطوّر في اللهجات العامية إلى "بوعرج" ثم "بوراجو"بالإسبانية.
تتكيف هذه العشبة مع البيئات القاحلة وشبه الجافة، وتنمو بشكل طبيعي في المناطق الرملية القريبة من الأنهار، وحتى على سفوح جبال الألب، وتزرع اليوم في عدد كبير من الدول مثل سوريا، العراق، الأردن، فلسطين، لبنان، إيران، تركيا، إضافة إلى دول البحر المتوسط كمصر، تونس، المغرب، الجزائر، وكذلك في فرنسا، إيطاليا، إسبانيا واليونان.
الوصف النباتي
لسان الثور نبات حولي، وقد يزرع في بعض المناطق لعامين متتاليين، يتميّز بساق قائمة، سميكة وعصارية، تميل في لونها بين الأخضر الرمادي والأصفر، وتغطيها شعيرات خشنة، لا سيما في الجزء العلوي. يبلغ ارتفاعه في الغالب أكثر من 60 سنتيمترًا، ما يمنحه مظهرا واضحا بين الأعشاب.
أوراقه بيضية الشكل وكبيرة الحجم، يتراوح طولها بين 11 و21 سنتيمترًا، وتكون مغطاة بشعيرات على الوجهين، أما الأزهار، فهي نجمية الشكل وصغيرة الحجم، لا يتجاوز قطرها 2.5 سم، وتكون عادة باللون الأزرق الفاتح، ونادرا ما تظهر باللون الأبيض.
تجذب هذه الأزهار النحل بكثافة، مما يجعل النبات خيارًا شائعًا في مناطق تربية النحل، كما تُجمع ثماره البندقية الشكل إما من البرية أو من المزارع.
الاستخدامات التقليدية
ارتبط اسم لسان الثور في بعض الثقافات بلقب "زهرة النجوم" نظرا لشكل أزهاره الجذاب، وقد استخدم تقليديا في الطب الشعبي لتوسيع الأوعية الدموية وتخفيف التوتر، كما عرف بخصائصه المهدئة، خاصة في حالات القلق والنوبات العصبية.
وكان يستخدم الجزء الزهري من النبات إلى جانب أوراقه بعد تجفيفها، وتناوله بشكل شاي أو ضمن وصفات عشبية تعنى بتقوية القلب وتحسين المزاج.
الفوائد الصحية
يعد زيت بذور لسان الثور من أكثر أجزاء النبات استخداماً، حيث يحتوي على مجموعة من الأحماض الدهنية الأساسية ومضادات الأكسدة، كما يستخدم لتخفيف أعراض العديد من الحالات المرضية، أبرزها الالتهابات المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، حيث يساعد على تخفيف التورم والألم المصاحب مع الاستخدام المنتظم إلى جانب بعض الأدوية.
ووجد أن له دورا في التخفيف من أعراض الربو، إذ يساعد على تقليل التورم في الممرات الهوائية وتحسين وظائف الرئة، مما قد يُقلل من مدة البقاء في غرف العناية المركزة لدى مرضى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة.
من الفوائد الأخرى المهمة لعشبة لسان الثور تحسين صحة الجلد، حيث يحتوي الزيت المستخلص من بذوره على حمض غاما لينوليك الذي يساهم في ترميم البشرة الجافة وتقليل الالتهابات الجلدية، كما يستخدم في بعض المنتجات الموضعية لعلاج حالات مثل حب الشباب والتصبغات.
وقد وجد أن له دورا مهما في دعم نمو الجهاز العصبي للأطفال الخدّج، مما جعله مكونًا في بعض أنواع الحليب الصناعي المخصص لهم.
كما يساهم لسان الثور أيضًا في دعم صحة القلب والشرايين بفضل قدرته على خفض ضغط الدم وتحسين مستويات الكوليسترول في الدم، كما يساعد في تخفيف أعراض الدورة الشهرية لدى النساء، مثل التشنجات وتقلبات المزاج، لما له من تأثير على التوازن الهرموني. وتشير بعض الدراسات إلى أنه قد يساهم في تنظيم مستويات السكر في الدم، وخسارة الوزن، ومقاومة الخلايا السرطانية، ولكن تلك الاستخدامات لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات الدقيقة.
طريقة الاستخدام
تتعدد طرق استخدام عشبة لسان الثور، فيمكن استخلاص الزيت من البذور واستخدامه كمكمل غذائي بعد استشارة الطبيب، كما يمكن تجفيف الأوراق والزهور وتحضير شاي عشبي منها. لتحضير الشاي، تُغلى كمية من الماء وتنقع فيها أوراق وأزهار لسان الثور المجففة لمدة 15 إلى 20 دقيقة، ثم يصفى ويشرب دافئًا، ويمكن تحليته بالعسل لتعزيز الفائدة والنكهة، كما يستخدم النبات موضعيا على الجلد في شكل كمادات أو زيوت لعلاج بعض المشكلات الجلدية.
الآثار الجانبية والتحذيرات
رغم فوائد لسان الثور العديدة، إلا أن استخدامه يجب أن يتم بحذر وتحت إشراف طبي، خاصة عند استخدام زيت بذوره. إذ قد يتفاعل مع بعض الأدوية مثل مضادات التجلط والأدوية الهرمونية، وقد يفاقم من حالات مرضية مثل الصرع، الفصام، أو الاضطراب ثنائي القطب.
كما يحذر استخدامه للنساء الحوامل أو من يخططن للحمل، نظرًا لاحتمالية تأثيره السلبي على الجنين، ويؤدي الإفراط في تناوله أو استخدامه دون توجيه طبي إلى أعراض جانبية غير مرغوبة، خصوصا في حالة وجود أمراض مزمنة.
لسان الثور في المطبخ الفلسطيني
في فلسطين، يعرف النبات باسم "اللسينة"أو "ورق اللسان "، ويستخدم كجزء من التراث الغذائي الشعبي، لا سيما في تحضير أطباق المحشي.
ويعد محشي ورق لسان الثور من الأكلات التقليدية التي تشبه إلى حد كبير محشي ورق العنب أو الكرنب، حيث يسلق الورق ويحشى بخليط من الأرز واللحم والبصل والبهارات، ثم يُطهى مع مرق اللحم والبصل والطماطم حتى ينضج.
ثم يقدم الطبق غالبا مزينا بالبقدونس وشرائح الليمون، ويعتبر وجبة عائلية تحمل طابعا تراثيا اصيلا في البيوت الفلسطينية.
في الختام، يعد نبات لسان الثور من الأعشاب الطبيعية التي تجمع بين الفائدة الطبية والقيمة التراثية، إلا أن استخدامه يتطلب وعيا صحيا وتوجيها طبيا، خاصة مع وجود آثار جانبية محتملة وتفاعلات دوائية.