130
0
عندما يسخر القلم لخدمة فئة ذوي الهمم

في عالم الأدب والكتابة، لكل كاتب مسلك يختاره، ورسائل يسعى لزرعها في وجدان القارئ، وبينما يتجه الكثيرون نحو الرواية والشعر والنقد، اختارت الكاتبة الجزائرية يوسناج نزهة أن تخاطب منبت الحياة، ألا وهو الطفل، ذلك الكائن النقي الذي يحمل في طياته بذور الغد، وملامح المستقبل.
شروق طالب
ابنة مدينة القليعة بولاية تيبازة، والتي لم تتجاوز بعد السادسة والعشرين من عمرها، وجدت شغفها بالأدب منذ المرحلة الإعدادية، ليتطور مع السنوات إلى مشروع مؤلف وإنساني متكامل.
خريجة جامعة الجزائر 2 بتخصص أدب عربي، وحاصلة على ماستر في المدرسة العليا للأساتذة الخاصة بالصم والبكم، نسجت يوسناج من تجربتها الدراسية والمجتمعية رؤية جديدة للأدب الموجه للأطفال.
رؤية تؤمن بأن التوعية تبدأ من الطفولة، وأن الكلمات حين توجه نحو القلب الصغير، تحدث الفارق المرجو.
من الشعر إلى القصص
بدأت يوسناج رحلتها الأدبية بمجموعتها الشعرية "شعر متدفق"، قبل أن تتجه بكل وعي نحو فئة الأطفال، حيث ألفت سلسلتها القصصية "أصدقاء أحمد"، والتي تتكون من خمس قصص تربوية إنسانية فريدة من نوعها.
ما يميز هذه السلسلة، أنها لا تكتفي بالسرد، بل تخوض في موضوعات قلما تطرح للأطفال كالتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، على غرار أطفال الإعاقة السمعية، إلى الحركية، وصولا إلى طيف التوحد واضطراب التأتأة.
وتسعى يوسناج من خلال هذه السلسة، مخاطبة عقول الأطفال وقلوبهم، وتعلمهم كيف يكون التقبل مفتاح التواصل، والصداقة جسرا لفهم الاختلاف.
أحمد... صديق الجميع
في كل قصة، يظهر الطفل "أحمد" كبطل محوري، يلتقي في كل مرة بصديق جديد من فئة ذوي الهمم.
في البداية، يواجه صعوبة في التقبل والتواصل، لكن شيئا فشيئا، تتشكل بينه وبين الآخر علاقة إنسانية حقيقية، مبنية على الفهم والمشاركة، وهو الهدف المرجو من كل القصة.
في قصة "بطل المباراة"، يتعرف أحمد على طفل أصم، مستلهمة من مشاركة الكاتبة في أسبوع الأصم العربي سنة 2023، المقام في الجزائر.
أما في "ذكاء سامي"، فيلتقي بصديق كفيف يدهشه بذكائه وقدراته الفائقة، وفي "صداقة آدم"، تتناول الكاتبة التوحد في محيط القسم المدرسي، حيث يفك النزاع بالتوجيه التربوي الصحيح، والتي كانت بطلته المعلمة.
وأخيرا، في "أجمل هدية"، نرافق أحمد في اكتشاف عالم طارق، الطفل الذي يعاني من التأتأة، ونفهم معه كيف تتجاوز الكلمات عثراتها بالصبر والتفهم.
الكلمة وسيلة للتغيير
من خبرتها مع فئة أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، سألناها عن احسن طريقة للتواصل مع الاطفال.
تقول يوسناج "التواصل هو جوهر المشكل الذي يواجهه أغلب أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وعندما نعلم أطفالنا كيف يتواصلون معهم، نكون قد فتحنا باب التفاهم والتقبل."
ومن هذا المنطلق، حملت رسالتها إلى المعرض الوطني لكتاب الطفل، حيث عرضت أعمالها، وتفاعلت مع قراء صغار، الذين طرحوا أسئلة كثيرة، ووجدوا إجاباتها في هذه القصص.
سلسلة لغة الإشارة
ومواصلة لمسارها نحو نشر ثقافة التقبل والتواصل بيبن مختلف فئات الأطفال، قامت يوسناج هذه المرة بتأليف سلسلة لتعليم لغة الإشارة الجزائرية للأطفال.
وعن فكرة هذه السلسة، اوضحت يوسناج انها نشأت من احتكاكها المباشر بالأطفال الصم، ومن تعاونها مع المختصة النفسانية والمترجمة حنان حيموم، التي تشاركها ذات الحلم، وهو جعل لغة الإشارة جزءا من ثقافة المجتمع، وخاصة فئة الأطفال.
حيث تسعى السلسلة إلى تقديم دروس مبسطة مثل أيام الأسبوع والفصول الأربعة، بطريقة تعليمية مرئية، مزودة بترجمة إلى العربية والإنجليزية، ليتمكن الطفل من تعلم ثلاث لغات في آن واحد، والأهم من ذلك، تعلم لغة الآخر.
تحديات... لكنها لا توقف الحلم
لم يكن الطريق مفروشا بالورد، على حد تعبير كاتبتنا، حيث واجهتها تحديات عديدة، أهمها الدعم المالي المحدود في بداية مشوارها كطالبة،
بالاضافة الى شروط دور النشر، وكذا قلة المعارض في الولايات الداخلية، ما يجعل الترويج للكتاب تحديا في حد ذاته.
لكن الأصعب من هذا كله، كما تقول، هو التقصير في توفير مساحات وآليات ترفيهية وتعليمية مناسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى نقص الوعي المجتمعي حول طرق التعامل معهم، وهو ما يجعل من مشروعها ليس مجرد مجموعة قصص، بل رسالة مجتمعية متكاملة.
والرسالة التي تصر الكاتبة يوسناج نزهة على إيصالها، بسيطة وعميقة في آنٍ واحد: "لكل طفل، أيًّا كان اختلافه، الحق في اللعب، وتكوين الصداقات، والتواصل".
تعلم لغة الإشارة هو الإدماج الفعلي لفئة ذوي الهمم
وفي هذا الصدد، كان لنا لقاء مع الأستاذة حنان حيموم، المختصة النفسانية التربوية ومترجمة سلسلة تعليم لغة الإشارة.
توضح الأستاذة حيموم أن لغة الإشارة ليست معقدة كما يعتقد البعض، بل هي لغة جميلة وسهلة، وكل ما يتطلبه إتقانها هو الرغبة والاستمرارية.
وبخصوص التحديات التي واجهتها في ترجمة سلسلة تعليم لغة الإشارة، أوضحت أن تبسيط لغة الإشارة عبر رسومات تعليمية موجهة للأطفال يعد من أكبر الصعوبات، إذ يتمثل التحدي في نقل الرسائل بدقة ووضوح مع الحفاظ على الجاذبية البصرية.
وفي رسالتها الموجهة إلى الأولياء والأسر، شددت حيموم على أهمية التوعية، خاصة فيما يتعلق بظاهرة التنمر تجاه الأطفال من ذوي الهمم، قائلة "علينا أن نتعامل مع هؤلاء الأطفال على أنهم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، ومن واجبنا أن ندعمهم ونقترب منهم عبر تعلم لغتهم الأم، ألا وهي لغة الإشارة."
كما شجعت الأولياء على تعلم لغة الإشارة من أجل تعزيز التواصل وفهم أعمق لأبنائهم.
مضيفة "تعلمكم لغتهم سيساعدكم كثيرا على فهم أطفالكم، ومساندتهم، ومنحهم الشعور بالقبول والدعم داخل الأسرة والمجتمع."