145
0
عندما تتحول المفاوضات الى وسيلة لمواصلة ابادة الفلسطينيين. . غزة تبقى الشوكة القاتلة للاحتلال وعقدة لداعميه

عندما تتحول المفاوضات الى وسيلة لمواصلة ابادة الفلسطينيين. . غزة تبقى الشوكة القاتلة للاحتلال وعقدة لداعميه
سعيد بن عياد
المفاوضات غير المباشرة (المتعثرة) بين المقاومة الفلسطينية في غزة وكيان الاحتلال الصهيوني التي تجري بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية مزعومة تواجه عراقيل يضعها الاحتلال، باختلاقه ذرائع ومبرّرات مصطنعة، فيما يواصل حرب الإبادة النازية متجاوزا كل الخطوط بما في ذلك القوانين والاتفاقيات المتعلقة بالحروب وحماية المدنيين وعدم استهداف البنى التحتية المدنية.
الاعلام الغربي يحترف التضليل والدعاية
يستفيد الاحتلال بقيادة مجرم الحرب نتنياهو وعصابته العنصرية من دعم مباشر يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تماما كما كان يفعل سابقه جو بايدن، الملطخة أيديهم الإجرامية بدماء الأطفال والنساء والعجزة، متجاوزين القانون الدولي، غير مبالين بالأمم المتحدة ولا بمنظمات حقوق الإنسان التي أسسوها هم وتغنوا بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كما يمنح الخذلان العربي، بالتواطؤ والخيانة والصمت، الكيان الغاصب نفسًا ليواصل تنفيذ مخطط تدمير غزة، بالتقتيل الممنهج والحصار المطبق بمنع إدخال المساعدات الإنسانية المتكدسة على حدود غزة وفلسطين المحتلة، في مشهد يثير مدى "مصداقية" الحكومات الغربية التي تقف عاجزة عن حماية القانون الدولي وانخراط إعلامها المنحاز في حملة تضليل وتزييف للحقائق انسجاما مع السردية الصهيونية المفبركة المعلنة غداة طوفان الأقصى، باختلاق روايات ومشاهد تستهدف تشويه المقاومة وشيطنة قادتها.
سايس بيكو جديد يتهدد الوطن العربي
المخطط الشيطاني الصهيوني- الأمريكي الذي تعاونت في تسطيره وتنفيذه قوى الاستعمار الجديد، المتحالفة باستهداف قطاع غزة ومن ورائه القضية الفلسطينية برمتها، يعكس توجها لفرض مخطط تقسيم وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وفقا لنسخة "سايس بيكو" جديدة يقودها ترامب، بإطلاق العنان لآلة الحرب الصهيونية لتدمير كامل القطاع وتقتيل أكبر عدد من سكانه بالقنابل والصواريخ والتجويع لإجبارهم على قبول التهجير القسري إلى سيناء والأردن وحتى إلى مناطق أخرى بعيدة.
غير ان هذا المخطط الاستعماري الدموي، لا يزال يواجهُ بمقاومة صلبة من الشعب الفلسطيني، بقيادة المقاومة الباسلة، مُعلنًا منذ بدء حرب الإبادة رفض الخروج من أرضه، وقبول دفع ثمن الحرية والبقاء بالدم والمعاناة في الخيام والعراء تحت القصف والجوع والعطش. لذلك يقدم سكان غزة، العزة، أروع مشاهد البطولة في مواجهة آلة التقتيل الصهيونية، حيث، وبالفعل يقف المقاومون بوسائل بسيطة وصدور عارية وأقدام حافية وأمعاء خاوية كالصخرة، يصدون في كل يوم وفي كل لحظة دبابات ومدافع العدو ومهاجمة قطعان المرتزقة الصهاينة القادمين من فلسطين المحتلة ومن بلدان حليفة للكيان الغاصب، يلحقون بهم خسائر ميدانية مشهود لها تُوثَّق بالصورة والصوت.
المقاومة الفلسطينية تسقط الوهم الصهيوني
لقد أفشلت المقاومة ومعها الشعب الفلسطيني بغزة وفي الضفة المشروع الاستعماري الجديد، الذي يستهدف كل الوطن العربي، وها هو جيش الاحتلال يتعثر في رمال غزة ويتخبط في الضفة وتتلاشى الصورة الوهمية المصطنعة لجيش لا يقهر، وقد رأى العام كيف فرّ أحد الجنود الصهاينة تحت مطاردة مقاوم لحق به ليختطفه قبل أن يجهز عليه ويجرده من سلاحه، في مشهد رجولي فريد. وقبلها مشهد بطولة مقاوم صعد على دبابة للعدو وألقى فيها قنبلة حارقة أنهت حياة 7 جنود جبناء من قتلة الأطفال والنساء، وهناك الكثير من روائع المقاومة التي تتجدد خلاياها بدماء شهداء الحرية والشرف.
مرغَت المقاومة الباسلة الاحتلال في أوحال غزة وأسقطت حكومته من برجها العاجي، لتتعلم الدرس على أيدي شعب مسالم، عنيد ومتطلع للسلام، لكنه شريف، تعرف قيادته كيف تمزج بين التفاوض والمواجهة على الأرض، تحمل آلام وتطلعات شعبها الصامد، الذي انتزع اعتراف شعوب العالم وفي عقر البلدان الداعمة للاحتلال، حيث لا تتوقف المظاهرات في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا للمطالبة بإنهاء الإبادة، بالرغم من القمع والتضييق وسن قوانين جائرة تجرّم الاحتجاج على الإبادة وتدعو لوقف تسليح الكيان الصهيوني والرجوع إلى القانون الدولي.
ترامب وبايدن وجهان لعملة واحدة
لم يسبق أن تعرض القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة بمجلسها للأمن وكذا محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، وهي كلها من صناعة غربية من حيث المبادئ والأسس والأهداف، للتهميش واستهداف صريح من قوى الاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كما يحدث في عهد الرئيس (رجل المال والأعمال) ترامب وسلفه المُتصَهين، جو بايدن، في قطاع غزة، الذي بقدر ما يواصل سكانه الصمود، بقدر ما ترتسم، من تطورات الوضع، معالم مستقبل المنطقة والعالم برمته، في وقت تتصارع قوى الأحادية القطبية والتعددية القطبية في مواقع عديدة كما في أوكرانيا وشرق الصين وإفريقيا وحتى في القارة العجوز أوروبا، المنقسمة على نفسها، تحت ثقل الأزمة المالية وكلفة دعاة الحروب على حساب رفاهية شعوبها ومستقبل الأجيال، مثل الصورة البائسة التي يعكسها الوضع في فرنسا المرهقة بالديون وبذلك تتعرض لشرخ اجتماعي عميق قد يعصف بها، بعد أن انخرطت حكومة الرئيس ايمانويل ماكرون في جناح دعاة الحرب على غزة وتنكرت لمواقفها التاريخية الداعمة لحل الدولتين في فلسطين وعجزت حتى عن عقد مؤتمر دعت إليه مستسلمة لإرادة لوبيات الكيان الصهيوني، التي ألبستها العار الأبدي وهي التي تتغنى زيفا بالحرية والسلام وحقوق الإنسان.
الشرعية الدولية حصانة للسلم والأمن الدوليين
منذ أن شغلت الجزائر عن جدارة واستحقاق، عربيا وإفريقيا، مقعدها غير الدائم بمجلس الأمن الدولي لم تدخر جهدا لحظة لإسماع صوت القانون الدولي، ومن خلاله صوت الشعب الفلسطيني، في المطالبة بوقف حرب الإبادة والانتقال بسرعة إلى طاولة الحل الدبلوماسي لحل الدولتين طبقا لقواعد الشرعية الدولية، وكسر حالة الركود التي يستثمر فيها الاحتلال وداعموه من كبرى الدول تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الأخيرة لم تخجل مرة باستخدامها المغرض والتعسفي لورقة حق النقض (الفيتو) مشجعة الاحتلال على مواصلة إبادة الفلسطينيين، منذ أكتوبر 2023، ولا تزال ترتكب جرائمها أمام عالم فاقد للإرادة تحت طغيان القوة الغاشمة.
وفور تولي الجزائر شغل مقعدها بمجلس الأمن الدولي، في بداية جانفي 2024، سارعت، بمنهجية ترتكز على التواصل والإقناع والعمل الجواري مع مختلف الأعضاء، إلى تحميل المنتظم الدولي المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية في التعامل مع ما يتعرض له الفلسطينيون في القرن 21 ، الذي يتغنى فيه الغرب بقيم ومبادئ برّاقة لا تعير للدماء والكرامة والحرية أي اعتبار أمام المصلحة والهيمنة والانتقام.
ومن منطلق إيمانها العميق والثابت بالحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، طبقا لإجماع دولي تُكرسُه قرارات الأمم المتحدة وتناصره شعوب المعمورة، بما في ذلك الغربية نفسها، سخّر بن جامع، مندوب الجزائر بمجلس الأمن الدولي، ولا يزال دون كلل ولا ملل، كل طاقته بالحجج القوية والرؤية السديدة المستمدة من صميم الدبلوماسية الجزائرية النابعة من صلب ثورة أول نوفمبر المجيدة أساسها حق الشعوب في تقرير المصير ومكافحة الاحتلال، لوضع مجلس الأمن الدولي أمام الحقيقة وكشف مواقف أعضائه أمام العالم، إلى درجة وضع مندوبة أمريكا في الزاوية في أكثر من جلسة، رفعت فيها فيتو الغدر، لتنهار قيمة "بلد الحرية" أمام المجموعة الدولية والشعوب الحرّة، وتعلن واشنطن صراحة أنها مشاركة في حرب إبادة الفلسطينيين، الأمر الذي تأكد في الشهور الأخيرة، عبر منظمة غزة الإنسانية التي تشرف على توزيع المساعدات بالتقتير، لتتحول إلى منصّة لاصطياد الفلسطينيين المرغمين على اللجوء إليها تحت وطأة الجوع، وتم تقتيل المئات من المدنيين الغزيين أمام بوابة منظمة العار والجريمة ضد الانسانية.