199
0
عندما تكرس"مؤسسة صناعة الغد" التاريخ مرجعية للأجيال ومصدر قوة لتجاوز التحديات

بقلم: سعيد بن عياد
الأمر الواقع والتخلف والتبعية ليس قدرا محتوما للمجتمعات والدول. لكل مجتمع مراجعه ومعالمه التي ترشده وتنير له الطريق إلى المستقبل. المستقبل هو التحدي الأبدي لأي مجموعة وطنية ومنها الجزائر التي تمتلك كل الطاقات والمؤهلات بما يسمح لها بتأكيد حضورها في المشهد الدولي صوتا جهورا وموقفا صريحا يثير إعجاب الكثيرين ويقلق كثيرين أيضا.
ولنا في الموروث التاريخي النضالي اثر من درس مثلما أكدته الندوة التاريخية التي نظمتها مؤسسة صناعة الغد يوم السبت الماضي 22 نوفمبر 2025 بقصر الثقافة مفدي زكرياء بالجزائر العاصمة. هذه المؤسسة، صناعة الغد، التي أطلقها ويرأسها الدكتور والوزير الأسبق بشير مصيطفى، ما فتئت منذ سنوات تناضل بالفكر والابتكار وهندسة الرؤى وصقل الأفكار ومرافقة المبادرات لتوفير فضاءات تنير الدرب لصناع القرار في الحقل الاقتصادي والثقافي والمجتمعي والفني، وبعبارة أدق الاستراتيجي، لمواجهة التحديات المتعاظمة والتي سيرتفع سقفها في المديين المتوسط والبعيد. هذه التحدي الكبير لا يمن مواجهته سوى بإدماج كافة الطاقات وحشد ل الإمكانيات أولها البشرية (المادة الرمادية) باعتباره الحلقة الجوهرية لانجاز مسار التغيير الهادئ والمتبصر والناجع مما يعزز جهود انجاز الأهداف الوطنية التي سطرتها الدولة الجزائرية وشرعت في تجسيدها.
ومن بين الطاقات الكامنة التي يمكن الرهان عليها وأبرزتها الندوة تلك المتعلقة بالجالية الجزائرية المتواجدة بالمهجر، حيث تتوفر كفاءات في شتى الميادين الخلاقة للثروة وذات الكفاءة التنافسية بما في ذلك في مجالات الاقتصاد والاستثمار والابتكار بروح وطنية خالصة مشهود لها منذ زمن حرة النضال الوطني من أجل تحرير البلاد وإبان ثورة التحرير المجيدة. وفي هذا الإطار تم الإعلان عن اعتماد مؤسسة صناعة الغد بفرنسا، يقودها باديس فضلاء، واحد من عمداء الإعلام الوطني، الذي أكد الحرص على القيام بل ما تتطلبه مهمة تعزيز ديناميكية انخراط الجزائريين في هذا المسعى الوطني خاصة في أوساط الأجيال الجديدة لتوطيد روابط التواصل مع الوطن الأم ومسايرة التحولات البناءة التي يعرفها وسط نظام عالمي يمر بأزمة هيكلية تدفع بالى بروز اليمين المتطرف في أوروبا وغيرها حيث تتنامى ظواهر كراهية الأجانب والتضييق عليهم من خلال تشريعات ظالمة أو ممارسات سلبية.
بلا كلل ولا ملل لا يتعب رئيس مؤسسة صناعة الغد الدكتور مصيطفى في ترسيخ ثقافة الرؤية الإستراتيجية في كل مشروع أو قرار أو حلم بمراعاة المؤشرات المتغيرة وقراءة جيدة للمعطيات وتثمين للقيم الوطنية الأصيلة المستمدة من بطولات السلف من عظماء الحركة الوطنية والثورة التحريرية الذين يقدمون في الحقيقة درسا أنموذجا في استشراف المستقبل وصناعة الغد من العدم باعتماد الإرادة الصادقة والالتزام الوطني والصدق في العمل لرفع كل تحدّ مهما كان كبيرا وتحويل المستحيل غالى ممكن. وقد اجتهد أساتذة في التاريخ وشخصيات تداولوا على منبر الندوة في إبراز مآثر صناعة ملحمة استرجاع السيادة الوطنية ونجاحاتهم في إقحام الشعب الجزائري في ديناميكية المجهودات الكفاحية والنضالية انطلاقا من تكريس منظومة قيم العمل الوطني عنونها الإخلاص والصدق والشرف للوصول إلى الهدف النبيل بتحرير البلاد والعباد من عقود طويلة من الاستدمار والنهب والقهر والتقتيل والإبادة التي قام عليها النظام الاستعماري الفرنسي الاستيطاني البشع طيلة 132 سنة. ولا تزال المعركة مع التحديات مستمرة تقودها الدولة وسط نظام عالمي غير عادل لا مجال فيه للعاطفة او التردد بقدر ما يتطلبه الموقف انتهاج مسار دقيق برؤية إستراتيجية تحتاج في كل مرحلة للتّحيين والتطوير والتكيف لتجاوز عقبات أو تهديدات أو مناورات تستهدف السيادة الوطنية ومنها القرار الاقتصادي المستقل وهذا بتوفير المناخ الايجابي لجذب مساهمة كل الطاقات والكفاءات والإرادات المخلصة في تعزيز المناعة الوطنية.
وفي الآونة الأخيرة تسجل هجمات ممنهجة كأنها بإيعاز من جهة واحدة وليس ذلك غريبا في وقت تزعج فيه مواقف بلادنا المساندة للشرعية الدولية في أكثر من ملف وقضية على غرار فلسطين المحتلة والصحراء الغربية المحتلة. لقد صدح صوت الجزائر في مجلس الأمن الدولي طيلة سنتين مندّدا بحرب الإبادة في قطاع غزة ومطالبا المجتمع الدولي بتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية من أجل إلزام الاحتلال بوقف جرائمه وتفعيل قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. ويستحق هذا المحور أيضا (القانون الدولي والدبلوماسية) اعتماد أسلوب الاستشراف لجعل مكونات المجتمع في صورة المشهد وتقلباته وإبراز جهود الجزائر في المحافل الدولية بما يقطع دابر التشكيك ويسحب البساط من قوى معادية تستغل الفضاء المفتوح لتسويق مغالطات وبهتان لا يمكن أن يصمد أمام حقائق ناصعة موقعة بالموقف والمواجهة ومن قبل بالتضحيات والعطاء اللاّمحدود في أرض المعركة.

