377
0
علي الحمامي ..شخصية ثورية وفكر تحرري ومسيرة نظال في المغرب العربي
منذ مطلع القرن العشرين وحتى منتصف هذا القرن شهد العالم عدة حركات تحررية غيرت مجرى التاريخ، ولعل أبرزها نشاط الحركة الوطنية الجزائرية بمختلف اتجاهاتها وأفكارها، والأهم من ذلك الزعماء والنخب والمناضلين والسياسيين الذين قادوا هذه المقاومة الفكرية والسياسية في سبيل الحصول على حقهم في تقرير المصير، ومن بين هؤلاء نجد شخصية هامة في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية بصفة خاصة والمغاربية بصفة عامة وهو المناضل علي الحمامي.
إعداد شروق طالب
يعتبر علي الحمامي من الشخصيات الجزائرية التي تزخر مسيرته النضالية بعدة محطات تاريخية هامة، بين النظال والمقاومة بالقلم من خلاله مقالاته و رواية "إدريس"، كما سمح تنقله بين مختلف البلدان العربية والأوربية المشاركة في أهم الملتقيات و المؤتمرات لفضح جرائم الاحتلال الفرنسي التي مارسها ضد دول المغرب العربي عموما والجزائر خصوصا.
حياة و منشأ علي الحمامي
ولد علي الحمامي سنة 1902 في مدينة تيارت في منطقة جبلية تسمى عين الحمام في الغرب الجزائري، نشأ وترعرع في أرض الجزائر أصله ومسقط رأسه، وعندما بلغ العشرين من عمره ارتحل مع عائلته إلى المشرق لأداء مناسك الحج، وعلى اثر ذلك استقر رفقة عائلته في الإسكندرية بمصر ردحا من الزمن، ليعود الى الجزائر فواصل التعلم واخذ قدر من المعرفة وفي هذه الفترة تولدت لديه رغبة كبيرة في العمل الثوري الوطني، ليسافر مرة أخرى إلى مصر حتى وفاة والديه في عشرينيات القرن الماضي، ولم يعد إلى الجزائر بعد ذلك لأنه رفض سياسة الاستعمار الذي كان يسيطر على وطنه.
فأخذ يتجول عبر العالم مشتغلا في باخرة تجارية وفي هذه الفترة من حياته نمى ثقافته بصفة عامة، حيث اطلع على الآراء والأفكار الجديدة التي كان ينشرها كبار الكتاب والأدباء، بالاضافة الى اكتسابه المعلومات الكافية عن أحوال العالم بصفة عامة، وهذا ما هيئه للعمل الوطني الذي كان ينتظره.
مشاركة الحمامي في الثورات التحريرية
لطالما كان علي الحمامي يدعو بفكرة وحدة المغرب العربي والعمل على تحريره، وهذا ما دفعه للمشاركة في ثورة عبد المالك الجزائري بالمغرب الأقصى الذي كان هو الاخر يؤمن بفكرة الجهاد من أجل تحريرالأقطار المغاربية وطرد فرنسا من هذه المنطقة.
لهذا تنقل الحمامي إلى شمال المغرب الأقصى حيث تعلم اثناء إقامته بتطوان اللغة الإسبانية فكان يقرأ صحف مدريد وكتابات اسبانية، وبحكم إتقان الحمامي للغتين الفرنسية والإسبانية فقد شارك في ثورة عبد المالك في المغرب وحارب في صفوف مجاهديها، وحسب بعض الروايات التاريخية تقول بأنه وظف في عملية التواصل الجارية بينه وبين الأطراف الأجنبية آنذاك كفرنسا واسبانيا من خلال قراءة مراسلات هاتين الدولتين وترجمتها أو كتابة تقارير أو ردود فعل حولها ثم رفعها إلى عبد المالك، في حين تروي أخرى بأنه كان ضمن صفوف الجيش الذي كان تحت تصرفه لما ذكره القليبي بشأن الحمامي بأنه يجيد الرماية وحارب في صفوف المجاهدين ".
ومواصلة لهدفه في توحيد قوى المغرب العربي في سبيل تحرير المنطقة، قرر الحمامي الالتحاق بالريف والمقاومة مع عبد الكريم الخطابي الذي ألحقت ثورته خسائر كبيرة بالجيش الإسباني الذي تلقى سلسلة هزائم على يد المقاومين، ومن أهم هذه المعارك معركة أنوال في 17 جويلية 1921.
وبعد هذه المشاركة في ثورة الريف ترك الحمامي أرض المعركة لمهمة أخرى حيث أرسله الريفيون مندوب إلى الخارج في محاولة لطرح مسألة الريف أمام عصبة الأمم المتحدة ، وبعد هذا غادر المغرب الأقصى باتجاه العاصمة الفرنسية باريس في سنة 1924 في رحلة تحريرية من نوع آخر.
مشاركة الحمامي في النضال السياسي
على إثر انتقال الحمامي في سنة 1924 إلى باريس تعرف على الأمير خالد ، وهذا الأخير عينه على رأس وفد في موسكو أين التقى الحمامي بالزعيم الفيتنامي "هوشي منه" الشخصية المشهورة والمناهضة للإمبريالية، وبفضل وجود الحمامي في موسكو تمكن "هوشي منه" وشخصيات سوفياتية من الاطلاع والتعرف على حرب الريف خصوصا، ووضعية البلدان المغاربية المحتلة من طرف فرنسا عموما .
وبعد اشراف الامير خالد على تأسيس لجنة من أبناء البلدان المغاربية ممن كانوا يستمعون إلى محاضراته، كالحاج عبد القادر والحاج مصالي وعبد العزيز المنور وعلي الحمامي وأحمد بهلول وبانون آكلي، اضطلعت اللجنة بمهام الإشراف على العمال المنحدرين من هذه البلدان المغاربية وتنظيمهم وقد ظهرت أول جمعية سياسية بعنوان " نجم الشمال الإفريقي"، إلا أن الحمامي لم يبق كثيرا في النجم بل انخرط في الحزب الشيوعي الفرنسي فكان يكتب في صحيفة " الإنسانية" فصولا عن شمال إفريقيا، وتغلغل في العمل النقابي حتى صار من العاملين في الكنفدرالية العامة للعمال.
وفي سنة 1949 قرر حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بزعامة فرحات عباس تفويض علي الحمامي من القاهرة وباعتباره مناضلا مع الخطابي في مكتب المغرب العربي لتمثيل الجزائر في مؤتمر كراتشي الاقتصادي للدول الإسلامية المناهضة للاستعمار، وكان تأثير المؤتمر قويا ومحرجا للدول الاستعمارية حيث احتجت الحكومتان الفرنسية والاسبانية لدى الحكومة الباكستانية على المؤتمر وعلى المشاركين فيه الممثلين للبلدان المغاربية.
وبعد انتهاء أشغال المؤتمررجع الوفد المغاربي إلى القاهرة غير أن المنية استعجلتهم في حادث تحطم الطائرة المؤلم يوم 12 ديسمبر 1949 في باكستان، فكان من جملة الشهداء الدكتور علي الحبيب ثامر التونسي، والأستاذ امحمد عبود المراكشي، وعلي الحمامي الجزائري الذي دفن بمقبرة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة يوم 01 جانفي 1950.
الجانب الفكري من مسيرة الحمامي
ولأن الحمامي لطالما كان ذلك المناضل ذو المواقف الثابتة رفض المستعمر الفرنسي عودته إلى الجزائر كما مارس عليه كل أشكال الاضطهاد في أوربا، ولهذا أراد الاستقرار في المشرق العربي سنة 1935 حيث تقدم بطلب اللجوء السياسي فرفض، وقضى ثلاثة أشهر على ظهر السفن في البحار إلى أن توسط له المناضل شكيب ارسلان فلبیت رغبته، وزار الحمامي بلدان المشرق بما في ذلك المملكة العربية السعودية وفلسطين وأقام ببغداد كطالب علم واختص في التاريخ والجغرافيا، ثم عين كأستاذ لمادة التاريخ والجغرافيا لمدة تزيد عن 12 سنة، وطيلة فترة استقراره ببغداد كان منشغلا بالكتابة من سنة 1935 إلى 1947، كما تعرف على الزعيمين عبد العزيز الثعالبي مؤسس الحزب الدستوري التونسي وسليمان باشا الباروني ليقوم بنشاط إعلامي كبير للمناهضة الاستعمار الفرنسي لبلدان المغرب.
وفي اقامته في بغداد ألف قصته المشهورة باسم " إدريس " باللغة الفرنسية في الفترة الممتدة من شهر ديسمبر إلى شهر جويلية 1942، وهي عبارة عن رواية تاريخية مستواحة من تجربته ونضاله في المغرب الأقصى كما تعكس أفكاره وآراءه القومية والفكرية، حيث تعتبر هذه الرواية المُؤلف الوحيد الذي تمكن الحمامي من نشره بسبب الظروف المادية و المعنوية التي عايشها.
و بحكم تجربة الحمامي وثقافته الواسعة وإتقانه للغات عالمية شتى كالفرنسية والإسبانية والإيطالية والتركية، فقد ساهم في تفعيل مكتب المغرب العربي بالقاهرة، كما ساهم بعمل صحفي كبير في الصحف المصرية على رأسها مجلة الأساطير.