298

0

عفو الإستقلال بين السيادة والضغوط.. الجزائر ترسم حدود القرار السيادي في وجه باريس*

 

*بقلم: ضياء الدين سعداوي*

في كل سنة ومع حلول الخامس من جويلية، يترقّب الجزائريون كما السجناء قرارات العفو الرئاسي التي تأتي تزامنًا مع عيدَي الاستقلال والشباب، بما تحمله من رمزية وطنية وتأكيد لروح المصالحة والعدالة معًا.

وفي هذا العام جاءت المراسيم الرئاسية لتؤكد مرة أخرى توجه الدولة نحو إعطاء فرصة جديدة لأكثر من 6500 محبوس، مع تخصيص عناية خاصة لأولئك الذين اجتهدوا داخل السجن وتحصلوا على شهادات تعليمية وتكوينية في إشارة واضحة إلى البعد الإصلاحي للعقوبة واعتبار السجن محطةً للإصلاح لا مجرد عقاب.

لكن ما يلفت الإنتباه في هذا العفو الرئاسي الأخير، ليس فقط عدد المستفيدين بل القائمة الطويلة والدقيقة للفئات المستثناة من هذا الإجراء، والتي حملت رسائل سياسية وأمنية بالغة الدلالة، تؤكد أن "العفو لا يعني التهاون" وأن الدولة حريصة على ترسيخ مفاهيم الردع في وجه الجرائم الخطيرة، سواء تلك التي تمس الأمن العام أو  تهدد الإقتصاد الوطني أو تعبث بوحدة وسلامة التراب الوطني أو تمس هيبة مؤسسات الدولة.

*سيادة العدل في وجه الضغوط*

تأتي هذه القرارات في وقت حساس على المستوى الدبلوماسي خاصة بعد الأزمة التي فجّرها إعتقال الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال الذي أدين بخمس سنوات سجنًا في قضية ذات صلة بالمساس بالوحدة الوطنية، وهي قضية أخذت بعدًا سياسيًا وإعلاميًا في فرنسا التي ما انفكت تضغط صراحة وتلميحًا للإفراج عن صنصال تحت عنوان "حرية التعبير".

*فهل باريس تنتظر عفوًا رئاسيًا جزائريًا يشمل كاتبها المثير للجدل؟*

الجواب جاء ضمنيًا في المرسوم ، قائمة الإستثناءات تضم بالتحديد الجرائم التي يُتهم بها صنصال ، بل وأكثر فإن المرسوم تعمّد أن يضع ضمن لائحة المستثنين جرائم الإعتداءات والمؤامرات ضد سلطة الدولة وسلامة ووحدة الوطن والتمييز وخطاب الكراهية والتجسس ونشر الأخبار الكاذبة التي تمس بالأمن والنظام العام.

*الرسالة الجزائرية أن السيادة لا تُساوَم*

ما يقرأه المتابعون من هذا الموقف هو أن الجزائر قد اختارت أن تجيب على التصعيد الفرنسي بردّ سيادي قضائي هادئ ولكن حازم، مفاده أن قرارات العفو الرئاسي تصدر من قصر المرادية لا من قصر الإليزيه ، وأن "الإستثناء" من العفو ليس عقابًا انتقاميًا بل تطبيق صارم لمبدأ قانوني صريح يشير بأن لا عفو عمّن هدد وحدة البلاد أو استهدف شعبها ورموز سيادتها مهما كانت صفته أو جنسيته أو دعم الخارج له.

لقد حاولت جهات فرنسية عليا أن تربط بين ملف صنصال وبين المبادرات الرمزية لعيد الاستقلال على أمل أن يُفرج عنه "كرمز" لحسن النية، لكن الجزائر فضّلت أن يكون "الرمز" هو فرض القانون على الجميع دون استثناء وخاصة حين يتعلّق الأمر بالسيادة الوطنية.

*الإعلام الفرنسي... حين تختلط حرية التعبير بالمساس بالسيادة*
في الأيام الماضية كثّفت وسائل الإعلام الفرنسية من تناولها لقضية صنصال مقدّمة إياه كـ"سجين رأي"، ورافضة الخوض في التهم الموجهة إليه بل ومتجاهلة السياق السياسي والقانوني للملف ، هذا التضخيم الإعلامي المصحوب بحملات ضغط ديبلوماسي،  فُسر جزائريًا على أنه محاولة "تدويل" قضية قضائية جزائرية صِرفة، وهو ما ردّت عليه الدولة بطريقة واضحة:" القضاء الجزائري مستقل، والعفو ليس بوابة للهروب من المحاسبة".

فبينما ينتظر المحكوم عليه مهلة الطعن أمام محكمة النقض، جاءت المراسيم الرئاسية لتغلق أي مجال أمام التكهنات أو التأويلات، وتقطع الطريق أمام من يروّج لفكرة "الإفراج المجاني" في لحظة تحتفي فيها الجزائر بكرامتها واستقلال قرارها.

*العفو الحقيقي... لمن يستحقه*
حين نقرأ أن مرسوم العفو شمل 297 نزيلاً نجحوا في شهادة التعليم المتوسط وأن بينهم من اجتهد رغم ضيق الزنزانة وضغوط القيد، ندرك أن الجزائر لا تغلق أبواب الأمل لكنها تفتحه فقط لمن يستحق ،فـ"العفو" هنا ليس مكافأة للهوية أو الشهرة بل لصدق التوبة والإجتهاد والإنضباط، لا يُمنح لأن جهة أجنبية طلبت بل لأنه حق أقرّه القانون لمن استوفى شروطه بعيدًا عن حسابات الضغط والتسويق السياسي.

*في الذكرى 63 ... الإستقلال لا يزال يُصان*
ستة عقود وثلاث سنوات مرت على استرجاع السيادة الوطنية، لكن هذه المناسبة ليست مجرّد ذكرى بل إمتحان متجدد لمدى صون الإستقلال من محاولات الإلتفاف والتدخل، وقرار العفو الرئاسي الأخير جاء ليُعيد تأكيد  المبدأ بأن الجزائر اليوم أكثر وعيًا بسيادتها أكثر دقة في قراراتها وأشدّ صرامة في الدفاع عن أمنها وكرامتها.

الذين هلّلوا في باريس لمجرد إحتمال أن يكون صنصال ضمن المعفى عنهم، تجاهلوا أن الجزائر تغيرت وأن زمن "الصفقات الرمزية" قد ولّى ما بعد الإستقلال ، لم يكن فقط تحرير الأرض بل ترسيخ مبدأ "السيادة فوق كل اعتبار" وهو ما جدّده الرئيس تبون برسالة واضحة: "العفو لا يُباع ولا يُشترى".

وبينما يحتفل الجزائريون بعيدهم الوطني تتأكد مرة أخرى حقيقة أن الإستقلال ليس لحظة في التاريخ بل موقفٌ في كل قرار.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services