1786

0

يوم العلم ... استذكار لرجل جدد للأمة نشاطها وحررها من قيود المستعمر والجهل

 

ذكرى وفاة العلامة الفذ عبد الحميد بن باديس، تاريخ خلده الجزائريون وجعلوه محطة للعلم والعلماء، تستذكرها الجزائر كعادتها من كل سنة تخليدا  للمسار النضالي والإصلاحي لهذه الشخصية العظيمة.
بثينة ناصري/ نزيهة سعودي

 

سيرة فقيه ثائر يحارب بأنوار العلم ظلمات المستعمر

شخصية العلامة والمفكر "عبد الحميد بن باديس" ولد الامام سنة 1889 بقسنطينة بالجزائر من أسرة معروفة بالعلم والجاه تعلم القرآن وحفظه في سن 13 سنة من عمره على يد الشيخ حمدان الونيسي، سافر الى تونس سنة 1908 حيث واصل تعليمه العالي في جامعة الزيتونة، وفي سنه 1913عاد الى الجزائر أين بدأ نشاطه كمدرس في جامع الأخضر واهتم بنشر العلم والدين، وسافر الى البقاع المقدسة ليؤدي فريضة الحج وهناك تعرف على الشيخ الابراهيمي، وباشر عمله ونشاطه الاصلاحي جاعلا من المسجد منطلقا فاهتم بتعليم الصغار وتوعية الكبار، واتخذ من الصحافة وسيلة فعالة لنشر الوعي الديني والسياسي حارب الخرافات والبدع ورفض فكرة الادماج وأعتبر كل من تجنس بالجنسية الفرنسية مرتدا .

وكان "عبد الحميد بن باديس" مفكرا ومرشدا ومربيا سخر كل طاقاته المادية والبشرية لإصلاح أحوال المجتمع الجزائري، وللحفاظ على الهوية الجزائرية الاسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا، تصدى لفكرة الادماج عن طريق اصدار الفتاوى ونجح في بناء جيل ساهم بقوة في ثورة نوفمبر1954، وتوفي الامام في 16 أفريل 1940 وأعتبر هذا اليوم بيوما العلم له له من دلالات وعبر.

الجزائريون يحتفلون بذكرى رحيل جوهرة العلم والثقافة للعلامة بن باديس

ذكرى رحيل العلامة بن باديس اصطفاه الجزائريين رمزا لهذا اليوم وأحيوا اليوم الوطني للعلم المصادف لـ 16 افريل، في وقت حرصت الجزائر على جعله يوما وطنيا تحتفل به جميع لمؤسسات والهيئات كرمز حي تستحضر فيه بطولات وأمجاد أعلامنا الفكرية والدينية وتكرم بحفاوة بعض الرموز والشخصيات الثقافية والعلمية.

وها هي الجزائر بأبناء جيلها تستذكر حياة العلامة ابن باديس باعتبارها مدرسة يستخلص منها الجزائر العبر والدروس، وبهذا الخصوص أوضح الأستاذ "كمال أبوسنة" عضو المكتب الوطني مكلف الدعوة والإرشاد والإفتاء بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ان حياة الإمام العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله كلها عبارة عن مدرسة يستخلص منها أبناء الجزائر العبر والفوائد، فقد عاش حياته كلها في سبيل خدمة الثلاثي المقدس عنده" الإسلام والعربية والجزائر"، وقد أنفق كل أوقاته من أجل الإصلاح والتعليم، فسعى للتغيير وبناء في مجتمعه الذي كان مهددا في هويته بسبب مخططات فرنسا الشيطانية لإبعاده عن تاريخه المجيد وقيمه وتعاليم دينه، وأسس المدارس والنوادي التعليمية والتثقيفية لينقذ الشباب الجزائري من الجهل والأمية ويبث فيه الوعي الصحيح والوطنية الصادقة حتى يتهيأ بحق للمعركة الفاصلة وهي معركة استرجاع الاستقلال الوطني بمفهومه الشامل.

كما تحدث "كمال أبو سنة" عما قدمه الإمام عبد الحميد بن باديس ورفاقه من العلماء المصلحين للجزائر وأبنائها التي لا يمكن إيفاء حقهم ومكافأتهم عليه فيكفي أن العلامة جدد للأمة الجزائرية نشاطها بعد جمود، وحررها من قيود الاستعمار المعنوي من جهل وتقاليد بالية وأعراف ما أنزل الله بها من سلطان.

وبالحديث عن جهوده الجبارة في مجابهة المستعمر اعتبر ذات المتحدث أن ثورة نوفمبر حلقة موصولة بجهاد الإمام عبد الحميد بن باديس، و استذكر بذلك أعضاء 22 الذين أعلنوا الثورة وفجروها منهم من هم من أبناء الجمعية، والمتأثرين بها، مثل  سي بن بولعيد الذي كان تلميذا من تلاميذ مدارس الجمعية وعضوا فاعلا في شعبتها، وسي عميروش الذي كان من أعضاء شعبة باريس النشطين والمؤمنين بأفكارها، وكذا الشهيد العربي بن مهيدي والعقيد لطفي وديدوش مراد،  ويكفي جمعية ابن باديس فخرا أنها أعدت للثورة رجالا قادة وجنودا أطروها إلى غاية استقلال الأرض وكانوا بعد ذلك إطارات خدموا الجزائر في أكثر من مجال وميدان.

 

"الجزائر وطننا، الإسلام ديننا والعربية لغتنا"

تمسك ابن باديس بالهوية الوطنية واستفاد مما انتجه عصره من وسائل حديثة، وقال "كمال أبو سنة" في تصريحه لجريدة بركة نيوز "إنه من الوفاء للإمام عبد الحميد بن باديس أن تخطو المدرسة الجزائرية على نفس خطاه وتهتدي بما سنه من طرق ومناهج للتربية والتعليم، وتهتدي بما كان يدعو إليه من أفكار إصلاحية وتمسك بالهوية الوطنية مع استغلال وسائل العصر للرقي بالمدرسة الجزائرية، فابن باديس كان رجلا عصريا يعيش وقته ويستفيد مما أنتجه عصره من وسائل مفيدة وطرق حديثة".

ومن جهته أثنى على أن الإمام عبد الحميد بن باديس كان رجل علم وتعليم من الطراز الفريد ارتبط منذ نعومة أظافره بالعلم والعلماء ولهذا فهو يرى أن العلم النافع مفتاح كل خير وكل تقدم إذ يجب اتباعه والسير خلفه وهذا ما عبر عنه بقوله:" العلم وحده هو الإمام المتبع في الحياة في الأقوال والأفعال والاعتقادات".

فالجزائر إذا أرادت التقدم خطوات معتبرة نحو الحضارة الراقية والرفاه العادل لا بد أن تعطي للعلم مكانته اللائقة، فلا ازدهار واستقرار بغير علم، ولهذا نجد أن البلدان المتحضرة والمتقدمة تخصص المبالغ الكبيرة للتعليم في ميزانياتها السنوية وتعطي للعلماء المكانة العالية التي يستحقونها.

وقال "كمال أبو سنة" بخصوص الاحتفال بيوم العلم "إننا حين نحتفل بيوم العلم لا بد أن نرسخ في أذهان أجيالنا من الشبان والشابات أن العلم هو الموصل إلى الحياة السعيدة الراقية، وأشير إلى أمر مهم وهو أن العلم المفيد لا بد أن يرتبط بالأخلاق الفاضلة والتربية الصحيحة، لأن العلم بلا أخلاق كالطائر الذي يحاول الطيران بجناح واحد وهذا مستحيل، فالعلم بلا تربية خسران، والتربية بلا علم نقصان".

 

توثيق مسار العلامة ضمن السياق التاريخي العريق

صدقت أقواله وأنار طريق الجزائريين فكان قدوة الطلاب والعلماء في مختلف جهات القطر الجزائري، عبد الحميد بن باديس عرف كيف يواجه المستعمر وعرف برائد النهضة الإصلاحية بالجزائر، سخر حياته لحماية عناصر الهوية الوطنية "الإسلام والعروبة والأمازيغية" أمام الآلة الاستعمارية التي عملت على طمس الهوية الجزائرية.

وبعث الروح الإسلامية في النفوس، ونشر العلم بين الناس، وكان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها في تحقيق أهدافها، عمل على نشر أسباب الوعي بين أفراد شعبه في المساجد، والمدارس الخاصة التي أنشأها في كامل تراب الجزائر، ووجه ضربة قاصمة للمشعوذين والعملاء وأصحاب الممارسات الضالة وأعد أبناء شعبه لكي يدخلوا هذا العصر بكل جدارة، ويتمكنوا من أن يقفوا الند للند في وجه الغزاة ومن كان يسير في ركابهم.

ومن هذا المنطلق أكد "سعيد بن بريكة" عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين ونائب رئيس لجنة التربية، أن ابن باديس لم يكن شخصا بل كان أمة وعظمة، ومشروعه الإصلاحي لا بد أن يوضع في سياقه التاريخي" وكذا العوائق التي كانت تواجهه سواء من الإستدمار الفرنسي أو من جهل وأمية بعض الجزائريين أو عرقلة أصحاب المصالح والخونة.

وأوضح الدكتور أنه بالرغم من المشروع الاستدماري الطويل الذي استعملت فيه فرنسا كل اساليب الهدم والمسخ إلا أن الامة الجزائرية حافظت على هويتها وتماسكها بفضل إيمانها، مشيرا كذلك في سياق كلامه إلى دور العلم في إصلاح الأمم وصلاحها ورقيها ولذا نجد أول آية نزلت تحث على العلم (اقرأ) وهذا ما اعتمده العلامة ابن باديس أساسا في مشروعه الإصلاحي.

 "الأمة التي لا تفرط في تاريخها ومآثر رجالها يكتب لها التاريخ الخلود والدوام"  

وأبرز الاستاذ بن بريكة في حديثه أن مشاريع الإصلاح لا تنجح إلا بتضحية المؤمنين بها وإلا كانت حبرا على ورق، فابن باديس كان يصل الليل بالنهار تعليما وإرشادا واصلاحا واستعمل كل الأساليب: المسجد ،الصحافة، المسرح، السفر الاتصال الشعر التأليف،  "أن الأمم التي يكتب لها التاريخ الخلود والدوام هي التي لا تفرط في تاريخها ومآثر رجالها". 

 وحسب المتحدث فقد كانت هناك محاولات لإعطاء الرجل حقه والاستفادة من مشروعه الإصلاحي التربوي، لتحصين الأجيال إلا أنها غير كافية ومتواضعة ومحتشمة وخير دليل نقص أدبيات الجمعية في مناهجنا الدراسية ومنزله الذي يكاد يتهدم ولم يرمم إلى حد الآن.

 

أما عن مكانة العلم يقول الأستاذ بن بريكة أن كل الأمم تعتمد على أمرين أولا النية الصادقة والعزيمة للأخذ به والتحكم فيه وثانيا يعتمد على الآليات والأساليب والطرق والبرامج والوسائل لتحقيقه.

وتابع "أقول العامل الأول متوفر من نية وعزم ومحاولات لكن العنصر الثاني لا زال في خطواته الأولى ولا يتحقق ذلك إلا إذا رأينا اكتفاء ذاتيا اقتصاديا صناعيا ثقافيا وكذا مكانة مهابة بين الأمم".

 

ابن باديس ركز في مشروعه الإصلاحي على العلم 

ومن جهته أكد" ڨلاتي عبد القادر" سكرتير التحرير لجريدة البصائر بأن ذكرى يوم العلم تختزل الكثير من الأسئلة و الأجوبة حول مسار تاريخ حركة الإصلاح في الجزائر، الشيخ عبد الحميد بن باديس اجتمعت فيه خصال المجدد و العالم و الحكيم و السياسي والمربي فهو كل بمجموع أمة.

 هذه الذكرى تجعل الجزائري دائما يفتخر بأنه يرتبط بمسار حضاري راقي وهو مسار النهضة و مسار حركة التجديد التي قادها الشيخ ابن باديس، و تربط هذا الجيل بتاريخه و ثقافته و بمسار تاريخ هذه الأمة، ولا شك أن العلم هو المعامل الحقيقي لنهضة الأمة.

وقال بالمناسبة "نستخلص من هذه الذكرى الكثير من الدروس لأن المجتمعات البشرية التي تطورت لم تكن بعيدة عن النهضات العلمية، وابن باديس كان يركز في مشروعه الإصلاحي على العلم، ولم يقترب من المجال السياسي فقد كان يريد أن يبني الشخصية الجزائرية التي تعيد الجزائر إلى العالم الإسلامي، وتاريخ هذه التجربة لازالت ثرية في واقعنا الثقافي وكلما ابتعدنا عن مسارنا الحقيقي تأتي الذكرى لتعيدنا إلى المسار من جديد".

كما أوضح  ڨلاتي أن العلامة ابن باديس حاضر في الوعي المجتمعي و السياسي لكن نأمل أن يكون منهجه و حركته الإصلاحية أكثر حضورا في مناهج تعليمنا لينشأ هذا الجيل وهو مرتبط بمسار الحركة النهضوية ، كما دعا أن تستحضر نصوصه و نصوص غيره من شيوخ الجمعية ممن كان لهم دور لتكوين أبناءها و صناعة وعيهم بحقيقة انتماءهم الحضاري و الثقافي.

وفي الأخير يعتبر ڨلاتي أن يوم العلم محطة من أجل استحضار معاني الإسلام كدين لأمة صنعت مجدا حضاري مشهود، مشددا على ضرورة أن تعطى له مساحة احتفال أكبر فممكن أن يكون شهر للعلم مفتوح للمعارض والمسرحيات والمحاضرات كل هذا يضع في هذا الجيل حقيقة قبول أن تكون الأمة تنتمي للحضارة والعلم، كما يلاحظ أنه هناك توجه نحو العلم من جامعات و مراكز ثقافية ودور مسرح كل هذه المؤسسات تعد رافد حقيقي لمسألة الثقافية العلمية

 أفنى العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس عمره بين العلم والجهاد ووهب شبابه من اجل نشر المعرفة في المجتمع الجزائري ومواجهة الاستعمار، مات لتحيا الجزائر لأنه عمل بالعلم والدين، بحيث كان بمثابة الغيث النافع، أحيا الله به الجزائر بعد قحط عاشته لسنوات طويلة، ولا تزال آثاره ومنهجه إلى اليوم، في وقت قدم المثل الأعلى للتضحية في كل ما يملك من أجل وطنه، لذلك فإن العدو فهم جدا دور ابن باديس، حيث جند جميع الوسائل لإطفاء الشعلة التي أنارها ابن باديس قبل وبعد الاستقلال.

لذا يمكننا القول أن هناك مسؤوليات جسيمة ملقاة على عاتق المعلم والمتعلم والعالم والمفكر والفنان لصنع النهضة الشاملة، التي نصبو إليها بالابتكار والإبداع اللذين لا ينتقلان من جيل الى جيل بالوراثة، وإنما بالكد في التحصيل والمغالبة والجدارة والاستحقاق، فالمدرسة مطالبة بتنمية الروح الوطنية وغرس ثقافة العلم للوصول إلى المكانة المرموقة بين الأمم.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services