357
0
"تيديكلت تجمعنا "...مبادرة رائدة لتعزيز الوعي الاجتماعي وحماية الشباب من الإدمان

نادية هوام، أخصائية نفسية بخلية الاستماع ووقاية صحة الشباب بمديرية الشباب والرياضة بولاية إن صالح، تمثل نموذجا حيا للتفاني والإبداع في خدمة الشباب والمجتمع.
نسرين بوزيان
طوال مسيرتها، كرست هوام جهودها للتوعية والتحسيس حول مختلف الآفات الاجتماعية، مع تركيز خاص على مكافحة الإدمان على المخدرات.
من خلال مشروعها الرائد "تيديكلت تجمعنا"، تسعى هوام إلى إشراك الشباب في برامج وقائية مبتكرة وفعالة، تهدف إلى بناء جيل واعي ومحصن نفسيا، قادر على مواجهة التحديات الاجتماعية والانخراط في المؤسسات الشبابية.
العائلة خط الدفاع الأول
في حديثها لـ"بركة نيوز"، أكدت الأخصائية النفسية أن العائلة تمثل الدرع الوقائي الأول لحماية الأبناء من الانزلاق نحو السلوكيات الضارة بولاية إن صالح. وأوضحت الفروق بين شباب الجنوب وشمال البلاد من حيث الخصوصيات الثقافية والدينية والاجتماعية، مشيرة إلى أن شباب الجنوب يميلون إلى المحافظة والالتزام بالعادات والتقاليد.
وتقوم العائلات بإشراك أبنائها في برامج صيفية مثل المدارس القرآنية، رغم قساوة المناخ لتجنب الفراغ واستغلاله في سلوكيات غير مرغوبة.
وأضافت أن الخلية النفسية للمديرية تقوم بتقييم مستمر لاحتياجات الشباب، وتعمل على تقديم الدعم النفسي والتحسيس بانتظام لضمان متابعة مستمرة وتحقيق تأثير فعلي على الشباب.
مشروع مبتكر للتوعية ومكافحة الإدمان
أوضحت هوام أن مشروع "تيديكلت تجمعنا"جاء استجابة مباشرة للحاجة إلى حملات تحسيسية متكاملة وفعالة، يساهم في الوقاية من الإدمان وتعزيز الصحة النفسية لدى الشباب.
ويهدف المشروع إلى توحيد جهود جميع المديريات والفنانين وصناع المحتوى والجمعيات والنوادي الشبابية وكل الفاعلين في المجتمع المدني في حملة تحسيسية هادفة.
وقد استندت فكرة المشروع إلى تجارب سابقة في التحسيس بمخاطر المخدرات استعدادا لليوم الوطني لمكافحة المخدرات، حيث كانت الخلية تقوم بزيارات للمتوسطات والثانويات لنشر التوعية حول طرق الوقاية من الإدمان.
استراتيجيات ذكية للتفاعل مع الشاب الخجول
أشارت هوام إلى أن بعض الشباب وخاصة الخجولين، يجدون صعوبة في التعبير عن اهتماماتهم ومشاكلهم أمام الآخرين ، لذلك اعتمدت الخلية طرقا مبتكرة لضمان مشاركة حقيقية دون إحراج، مثل طرح الأسئلة عبر قصاصات ورقية ما سمح للشاب الخجول بالإجابة بحرية والتعبير عن نفسه بشكل آمن.
كما تم توفير رقم هاتف لتلقي الاستشارات النفسية، ليكون وسيلة للتواصل المباشر مع الخلية، مما ساعد على فهم اهتماماتهم ورغبتهم في التخلي عن الإدمان أو مواجهة أي مشاكل اجتماعية.
ومن هنا جاءت فكرة مشروع "تيديكلت تجمعنا"، الذي يهدف إلى التنسيق بين جميع القطاعات في الولاية للوصول إلى كل الأطراف المعنية، لضمان إشراكهم في برامج وقائية وفاعلة، وقد دعم المشروع من طرف مديرية الشباب والرياضة بإن صالح بقيادة أحمد باجودة رغم محدودية الإمكانيات، مما ساهم في تعزيز تأثير المشروع على أرض الواقع.
شراكة فاعلة لخدمة الشباب
ذكرت هوام أنه تم تنظيم الاجتماع الأول مع شركاء القطاعات الذين استحسنوا المشروع ووافقوا عليه، وقد تم تقسيم المشروع إلى أربع ورش تشمل القطاعات الحكومية والجمعيات والنوادي الشبابية والفنانين وصناع المحتوى الشبابي.
كما تم تنفيذ برنامج تجريبي استمر لمدة شهر، شمل المدارس القرآنية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية إلى جانب حملات في المخططات البرية ووسائل النقل، بمرافقة مديريات التجارة والنقل والشؤون الدينية والأسلاك الأمنية.
وأبرزت أن هذه الحملات لاقت استحسانا كبيرا من الأهالي الذين طالبوا بتقديم الدعم لأبنائهم المتأثرين بالإدمان.
كما أشارت إلى أن الحملات التحسيسية شملت الأطفال المشاركين في المخيم الصيفي، الذي ضم 130 طفلا، وتم الوصول خلال شهر جويلية إلى 905 أفراد من الأطفال والشباب وحتى الشيوخ.
أثر ملموس في المجتمع
سردت هوام موقفا مؤثرا وقع في السوق، حين عبر أحد الشيوخ عن تقديره للمشروع قائلا: "بارك الله فيكم، أنتم تفكرون في مستقبل أولادنا"، أثارت تلك اللحظة شعورا عميقا بالرضا والإيمان بأهمية المشروع، إذ لم يكن مجرد نشاط رمزي، بل تجسيدا حقيقيا لأثر ملموس في المجتمع.
تحويل الحملات الشكلية إلى برامج واقعية
أكدت هوام أن الهدف الأساسي من المشروع هو تحويل الحملات التوعوية التقليدية إلى برامج وأنشطة عملية ذات أثر ملموس على أرض الواقع.
وأوضحت أن المشروع لا يقتصر على ندوات ولقاءات تحسيسية مؤقتة، بل هو وسيلة فعالة لتعزيز وعي الشباب، وحمايتهم من الانزلاق نحو السلوكيات الضارة، وتهيئة بيئة آمنة تدعم نموهم النفسي والاجتماعي بشكل متين ومستدام.
وأضافت هوام أن المشروع يسعى إلى جذب الشباب نحو المؤسسات الشبابية للاستفادة من الإمكانيات المتاحة وملء أوقات الفراغ بأنشطة مفيدة، بما يساهم في الوقاية من الانجراف نحو الإدمان والسلوكيات الضارة.
وأوضحت أن المرحلة الثانية من المشروع ستتضمن ورشا مخصصة للجمعيات لتعزيز تأثيره وضمان استدامة نتائجه على المدى الطويل.
ولفتت إلى أن هذه الجهود تتماشى مع رؤية وزارة الشباب التي تركز على التوعية المستمرة والهادفة، مشيرة إلى أن المدير المركزي للوزارة أشاد بإمكانية تعميم المشروع على كافة الولايات، لما يحمله من تأثير إيجابي واسع على المجتمع.
الإدمان مسؤولية مجتمعية مشتركة
كما نوهت هوام بأن الإدمان ليس مسؤولية الشباب وحدهم، بل هو نتيجة لمجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة، مثل مشكلات الأسرة كحالات الطلاق، وفقدان أحد الوالدين، وضعف الدعم الأسري.
وأكدت أن الفراغ النفسي والاجتماعي يمثل عاملا خطيرا يفتح الباب أمام الانحراف والإدمان، مما يستدعي شغل أوقات الشباب بأنشطة متنوعة تلبي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، وتمنحهم الإحساس بالانتماء .
حلقة وصل مع الشاب المدمن
وفي هذا الإطار، قدمت هوام مفهوم "الشاب الوسيط" أو ما يعرف بـ"المربي القرين"، يتمثل في شاب منخرط في جمعية أو دار شباب أو الكشافة، يتلقى تدريبا خاصا على مهارات التواصل والاستماع الفعال والحوار والإقناع، إضافة إلى تكوين دقيق حول أنواع المخدرات ومخاطرها.
ويعمل هذا الشاب كجسر ثقة بين المشروع والفئة المستهدفة من الشباب، لاسيما أولئك الذين يعيشون صراعات داخلية أو يخشون البوح بمشكلاتهم. فبفضل قربه منهم وتشابهه معهم في التجارب واللغة والعمر، يصبح قادرا على إيصال رسائل التوعية بطريقة سلسة ومؤثرة، تحدث فرقا حقيقيا في سلوكهم.
وأضافت أن المشروع سيواصل معالجة مختلف التحديات الاجتماعية التي يواجهها الشباب، مثل التنمر وغيرها من الآفات، مع التركيز على حملات توعية مستمرة وهادفة.
وأشارت إلى أن الفريق يواجه بعض الصعوبات بسبب محدودية الإمكانيات، ما يضطره إلى الاعتماد على وسائل بسيطة كالمطويات والقصاصات الورقية، غير أن العزيمة والإصرار على تحقيق الأثر الإيجابي يظلان الدافع الأقوى للاستمرار والمضي قدما في سبيل حماية الشباب.
احتووهم قبل الذرف الدموع
ختمت هوام حديثها بنصيحة للأهالي بضرورة احتواء أبنائهم وتوجيههم وحمايتهم من المخاطر الاجتماعية، مؤكدة على أهمية إعادة الثقة للشباب من خلال وضع برامج ذكية وجاذبة تشجعهم على الانخراط في الأنشطة الشبابية الإيجابية.

