320
0
تزامنا مع يوم الهجرة....الجزائر تستذكر تضحيات الجالية الوطنية في حرب التحرير

أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، ورئيس اللجنة الوطنية لتحضير حفلات إحياء الأيام والأعياد الوطنية، عبد المالك تاشريفت، اليوم، أن الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تولي اهتماما خاصا بالجالية في الخارج، باعتبارها رصيدا وطنيا إستراتيجيا يسهم في بناء الحاضر وصناعة المستقبل
نسرين بوزيان
مظاهرات سلمية بسمو إنساني وروح وطنية
وفي كلمة ألقاها خلال الندوة التاريخية الوطنية بعنوان "بنات وأبناء الجالية الجزائرية بالخارج: قداسة الانتماء واستمرارية الوفاء"، المنظمة بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، أكد تاشريفت أن هذا التاريخ يمثل صفحة مجيدة سطرها أبناء الجزائر في المهجر من خلال مظاهرات سلمية واجهوا بها قمع الاستعمار بسمو إنساني وروح وطنية عالية.
وأضاف أن تلك المظاهرات جسدت أسمى معاني التلاحم بين أبناء الجزائر في الداخل والخارج، وأثبتت أن الإرادة الوطنية كانت واحدة، وأن الهدف المشترك هو تحرير الوطن وبناء الدولة المستقلة.
وبين الوزير أن الجالية الجزائرية في الخارج كانت امتدادا حقيقيا للكفاح التحريري في جبهات القتال بالداخل، حيث قدمت المال والنضال والدعم المادي والمعنوي، مشددا على أنها تعد رصيدا وطنيا واستراتيجيا يسهم في بناء الحاضر وصناعة المستقبل.
موضحا أن إيمان السيد الرئيس بأن قوة الوطن تستمد من تلاحم شعبه ووحدته، هو ما جعل الاهتمام بالجالية الوطنية محورا ثابتا في السياسات الوطنية.
الجالية ركيزة في النسيج الوطني والتنمية
من جانبه، أبرز كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية، المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب، أن الجالية الجزائرية في الخارج كانت ولا تزال نموذجا في الوفاء والانتماء للوطن، مستحضرا تضحياتها ودورها التاريخي في دعم الثورة التحريرية، ومشيدا بقرار رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، القاضي بترسيم الوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء 17 أكتوبر 1961، عرفانا لبطولاتهم وتخليدا لذاكرتهم الوطنية.
كما شدد كاتب الدولة على أن السلطات العليا تولي عناية خاصة لأبناء الجالية بالخارج، من خلال إشراكهم في جهود التنمية الوطنية وتعزيز ارتباطهم بالوطن الأم، انسجاما مع رؤية الجزائر الجديدة المنفتحة على كفاءاتها عبر العالم.
وأكد أن الجزائر تحرص على ترسيخ الحس والانتماء الوطنيين لدى أفراد الجالية، مبرزا أن المكاسب التي حظيت بها هذه الفئة خلال السنوات الأخيرة تعكس العناية الخاصة التي يوليها رئيس الجمهورية لأبناء الجالية، الذين يعتبرهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني، ويسهر على تعزيز مشاركتهم الفاعلة في التنمية الوطنية.
وأشار شايب إلى أن المؤسسات الدبلوماسية والقنصلية وشبكات الدعم تعمل على تقديم مختلف أشكال المساعدة القانونية والتعليمية والصحية، حفاظا على حقوق الجالية في بلدان الإقامة.
وفي سياق ذي صلة، أوضح أن الوزارة عمدت إلى تشجيع أبناء الجالية الجزائرية بفرنسا على إنجاز رسومات حول الذاكرة الوطنية، سيتم تنظيم فعالية خاصة تعرض خلالها هذه الرسومات تخليدا لتاريخ الثورة ترسيخا للقيم الوطنية في أذهان الأجيال الصاعدة.
محطة تاريخية مشرقة
بدوره، قال وزير الدولة وعميد جامع الجزائر، محمد المأمون القاسمي الحسني، إن أحداث 17 أكتوبر كانت محطة تاريخية مشرقة من ملحمة ثورة التحرير التي صنعها أبناء الجزائر الأحرار، وألهمت الشعوب التواقة إلى الحرية والاستقلال.
وأوضح أن أبناء الجزائر في المهجر عبروا من خلال تلك المظاهرات عن انتمائهم العميق لوطنهم ومساندتهم للثورة التحريرية، مؤكدا أن إحياء الذكريات الوطنية يهدف إلى تعريف الأجيال الجديدة بتاريخ الاستقلال وتضحيات من ناضلوا لأجله.
وقد تمحورت مداخلات الندوة حول استحضار التضحيات الجسام لبنات وأبناء الجالية الوطنية بالخارج خلال فترة الحركة الوطنية وثورة التحرير المجيدة، والتأكيد على الجهود التي تبذلها السلطات العليا في التكفل بالجالية وتشجيع انخراطها الفاعل في مشروع بناء الوطن.
الجالية سند الثورة
وفي هذا السياق، أبرز الأستاذ المحاضر بالمركز الجامعي مرسلي عبد الله بولاية تيبازة، دحماني تواتي، في مداخلة له تحت عنوان "المهاجرون الجزائريون في فرنسا وإسهامهم في المجهود الحربي للثورة الجزائرية"، أن القيادة التاريخية للثورة الجزائرية أدركت مبكرا الأهمية الاستراتيجية للجالية في فرنسا، لما تمثله من قوة ديموغرافية وانتشار جغرافي واسع، فضلا عن موارد مالية كانت أساسية في تمويل المجهود الحربي للثورة التحريرية.
وأشار إلى أن الرهانات الاستراتيجية للثورة التي تمثلت في فتح جبهة ثانية على التراب الفرنسي من خلال تنظيم سياسي وعسكري وسط المهاجرين الجزائريين، والرد على الحركات المناوئة عبر جمع الاشتراكات المالية وضرب الاقتصاد الفرنسي لإجبار السلطات الفرنسية والرأي العام الفرنسي على مواجهة واقع المفاوضات والاعتراف بالثورة الجزائرية.
جرائم فرنسا ضد المهاجرين
أما أستاذ التعليم العالي بجامعة وهران، الدكتور محمد بلحاج، فقد سلط الضوء في مداخلته على مجازر 17 أكتوبر 1961، متوقفا عند جذور نضال المهاجرين الجزائريين في فرنسا، والظروف والملابسات التي أدت إلى ارتكاب الشرطة الفرنسية وأعوانها تلك الجرائم الوحشية.
وأشار إلى الإجراءات التعسفية التي قام بها المحافظ العام للشرطة الفرنسية آنذاك موريس بابون، وما ترتب عنها من توترات وتداعيات مأساوية، كما عرض مجموعة من الوثائق والصور الأرشيفية التي تبرز حجم القمع الوحشي، وردة فعل الثورة الجزائرية، وعددا من المواقف والبيانات الداعمة للجزائر في تلك المرحلة.
تأسيس أول فيدرالية جزائرية بفرنسا
من جهتها، قدمت عضو فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، المجاهدة فرية قرمية، شهادة حية حول تجربتها في الثورة التحريرية، حيث أكدت أنها قدمت إسهامات كبيرة في دعم الثورة من خلال تنظيم المهاجرين الجزائريين في فرنسا، الذين كانوا العمق الاستراتيجي والمساند الرئيسي لحمل السلاح وكشف انتهاكات الاستعمار.
وأوضحت المجاهدة فرية أنها شهدت لحظات فارقة وأحداثا هامة داخل فيدرالية جبهة التحرير الوطني، خاصة في مناطق مثل ليون، حيث شاركت بفعالية في شبكة الاتصالات ونقل الوثائق السرية التي كانت جسرًا بين الداخل والخارج، وكان دورها محوريا في التنسيق مع قادة الثورة.
كما أدت مهاما أمنية وتنظيمية إلى جانب المجاهدين علي هارون وعبد الرحمن الطاهري، وساهمت في تأسيس أول فيدرالية جزائرية بفرنسا، مما جعلها نقطة دعم قوية للثورة التحريرية.
وفي تصريح لـ " بركة نيوز"، قال أستاذ التعليم العالي في تخصص التاريخ بجامعة الجزائر 2، البروفيسور عبد القادر تومي،إن الصورة العامة للدبلوماسية الجزائرية الحديثة ومعالم مستقبل الدولة تعود جذورها إلى وعي أبناء الجالية الجزائرية في المهجر، الذين خططوا منذ البداية لرؤية دولة قوية ومهابة بين الأمم.
وأضاف أن انتفاضة 17 أكتوبر 1961 كانت محطة مفصلية في تاريخ الجزائر، إذ عبر أبناء الجالية في الخارج عن حبهم العميق للوطن ورغبتهم في أن يعيش حرا مستقلا.
من جهتها، قالت المجاهدة فرية قرمية أنها تعيش في هذا اليوم مشاعر مختلطة بين الحزن والفرح؛ الحزن لما تتذكره من فظائع عاشتها في سجون الاستعمار الفرنسي، والفرح لما تراه اليوم من جزائر مستقلة وحرة، ناضل أبناؤها في الداخل والخارج من أجلها.