564
0
تفشي المخدرات.. ورم خبيث ينخر المجتمع الجزائري

المخدرات أكثر الآفات خطورة ، سرطان بات ينتشر كورم خبيث يفتك بالأمة و ينخر بالمجتمع الجزائري، يهدد الشباب ويعصف بالطفولة ، فالخطر لم يعد كالسابق تفاقم الوضع وصار عدد المدمنين في الأحياء يفوق الغير مدمنين ، بين حبوب مهلوسة وحقن سامة ومزيج بين الأدوية ومواد أخرى لانزال نكتشفها،حاولنا معايشة الظاهرة والإقتراب من الضحايا من جهة واستطلاع أراءالمختصين للوصول إلى حلول فعالة للوقاية قبل العلاج.
زهور بن عياد
أطفال فقدو براءتهم
ما يسترعي الوقوف والتدبرهو ولوج البراءة في مستنقع المخدرات ودخولهم هذا العالم المظلم الذي بات يفسد حاضرهم ويهدد مستقبلهم، أمهات تعانين في صمت رهيب أمام إخفاء معانتهن خوفا من نظرة المجتمع ،وبين تجرع مرارتهن خوفا على فلذة أكبادهن، وأمام نقص الوعي وقلة الحيلة يكتمن أمر أبنائهن والقليل من يبحث عن العلاج، إلتقينا بالسيدة أمينة في أحد مراكز معالجة المدمنين، لم نلح في السؤال وراحت من تلقاء نفسها تروي قصة إبنها أسامه وحكايته مع المخدرات قائلة “كنت أعيش حياة عادية رغم بعض المشاكل الزوجية لدي ولدان الأكبر دخل عالم المخدرات وأصبع مدمن على أكثر الأنواع كلفة، وتفاقم وضعه بعد طلاقي، أما الأصغر تعاطى المخدرات وهو في الإبتدائية لم يبلغ حينها العاشرة، لاحظت تغيرات على سلوكة وصرت أتردد على العيادات النفسية ومراكز الإستشارات التربوية ولم أكتشف الأمر إلا بعد سنة حين لا حظت أنه صار كثير الطلب على المال ، ومع الوقت اكتشفت أن الطفل صار مدمنا “.
حقنة مسمومة
شاب في مقتبل العمر، معروف في حي من أحياء القصبة كبائع متجول، يقضي النهار ساعات طوال ليبيع ماتيسر من ملابس وما يتحصل عليه بعد تعب ويوم شاق،يصرفه في حقن قاتلة أودت بحياته منذ أيام، ووجد ميتا على قارعة الطريق في منظر أقل ما يقال عنه أنه ماساة. لم تكن المادة المخدرة صافية، فالغش طال حتى السموم وحسب أحد الشباب الذي يعرفة فحمزة اشترى حقنة مخدوعة حسب قولة، ولأن التجار ومرويجي السموم يبحثون عن مضاعفة أرباحهم ولوكلفهم ذلك موت أحدهم، بسبب مزج مواد أخرى مع المخدر وأدى التفاعل بينها لموت محقق، جعل قصة حمزة تعرف تعاطفا وكأنه قتل وحشي نتيجة سذاجة الضحية وقسوة الجاني، قصة مروعة هزت أرجاء المدينة التي صارت مرتعا للمدمنين ومسرحا للمجرمين. حاولنا الإقتراب من بعض الشباب الذين تربطنا بهم معرفة سابقة منهم أمير ذو 20 سنة، يحكي قصته مع المخدرات قائلا كنت في سن 10 حين توفي والدي وبعده بفترة قصيرة تزوجت أمي وتكفلت جدتي أم والدي برعايتي ويضيف فقد كان أعمامي من مروجي المخدرات وأنا في تلك الفترة أجدها أمامي فكنت أسرق من البضاعة، وأتناولها دون أن يشعر بي أحد وقد جربت في هذه الفترة من حياتي الكثير من الأنواع، وأنا الآن مدمن على الاقراص المهلوسة، حاولت منذ فترة التوقف وفعلا في فترة الحجر المنزلي في عز الوباء توقفت لأكثر من شهر ولكني وجدت صعوبة كبيرة وقد عدت الأن ولكني في قرارة نفسي غير مقتنع بما أفعل خاصة بعد حصولي على معدل ضعيف في الثانوية ولم يسمح لي بإعادة السنة،ويضيف أمير لم أجد يأخذ بيدي جدتي كبيرة في السن ولا تفهمني وأمي منشغلة بحياتها وأولادها الأخرين وأنا أعيش حزينا يائسا لا أحد يشتشعر مأساتي.
البروفيسور صباح العياشي تدق ناقوس الخطر
تؤكد الفروفيسور صباح العياشي رئيسة مخبرالأسرة ، التنمية ، الوقاية من الإنحراف والإجرام، أن المخدرات آفة خطيرة ،وهي لم تمس ممن حرموا من بعض الحقوق و الإندماج، بل مست أيضا شباب وأطفال مازالوا يتمدرسون، وهنا الكارثة الكبرى التي أصبحت تواجهنا، فدخول آفة المخدرات للمدارس بدءا بالإبتدائيات والمتوسطات والثانويات، راجع لمشاكل مختلفة تختلف بإختلاف الموقع الجغرافي وطبيعة الاسرة وثقافتها وباختلاف عدد الأبناء، كما أن هذه الآفة ترتبط إرتباط وثيق بوجود الوالدين معا أو أحدهما او غيابهما بسبب الوفاة أو الطلاق.
وتكمن خطورة المخدارات تقول العياشي” لإرتباطها بآفات أخرى كالسرقة والإجرام، ، لذا فالمجتمع الذي لم يستطع الحد من هذه الافات، آن الاوان له أن يدق ناقوس الخطر ،لان هذه الآفة الخطيرة ستؤثر على مشاريع الطفل المستقبلية، وتجعله دائما في حالة اضطراب، فالمدمن لا يستطيع المحافظة على عمله وهو شخص غير مؤهل لتكوين أسرة، لذا فأي جهد لجهة معينة لا يجدي نفعا، بل يجب تظافر كل الجهود والتنسيق بين مختلف الهيئات، والمؤسسات مع إشراك فعلي للمختصين في علم الإجتماع العائلي وعلم النفس، لكي نجد لهؤلاء الشباب وضعية جديدة بدل من وضعيات أخرى تسئ الى إنسانيتهم “ولمكافحة الظاهرة تقترح محدثتنا إنشاء لجان أحياء على مستوى كل حي ومرافقة الشباب إجتماعيا وتوفيرالعلاج والمتابعة النفسية،لأنهم بحاجة لمن يأخذ بيدهم بمصداقية.
عبيدات خبير دولي: “المخدرات بلغت ذروتها”
تحدث عبد الكريم عبيدات خبير دولي ورئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب، ومدير مركز الوقاية والعلاج من الإدمان ببوشاوي، عن تجربته في العمل الجواري لأكثر من 25 سنة قائلا “المخدرات بلغت ذروتها وانتشرت بشكل خطيرولم يعد بلدنا منطقة عبور فقط بل صارت منطقة واسعة الإستهلاك، والأرقام المعلن عنها ضعيفة مقارنة بالواقع لان الكثير من المدمنين يبحثون عن العلاج ولا يجدونه، لقلة المراكز ومحدودية خدماتها”. وعن الحلول يقول عبيدات “إن لم نتكاتف كجمعيات ومؤسسات لمحاربتها وتكثيف العمل الجواري لن تستطيع أي جهة كانت أن تكافح الظاهرة لأن الأمر خرج عن سيطرة العائلات والأمن “.
سعدون يراهن على العمل الجواري
جمعية قدماء الكشافة الإسلامية من الجمعيات الناشطة في العمل الجواري وقد نظمت عدة قوافل شبانية لمكافحة آفة المخدرات بالإضافة إلى العمل التحسيسي داخل المؤسسات العقابية والجامعات وفي ذات السياق يقول القئد العام مصطفى سعدون “خضعت الأفواج الكشفية إلى تكوينات خاصة لتقوم بعملية التحسييس عن وعي كامل منها بخطورة الآفة، كما فتحنا مختلف مقراتنا للمدمنين لتوجيههم للعلاج وقد رافقنا الكثبر منهم إلى بعض المراكز أين تخلصوا من الإدمان”.وفيما يخص الحلول المقترحة يقول محدثنا “علينا التعبئة الشعبية لكل قطاعات المجتمع وتكثيف العمل الجواري في الميدان وتنسيق بين مختلف الهيئات والجمعيات لتوحيد الجهود للتصدي للظاهرة “.
الودادية تدعو لمراجعة المواد التي تجرم المدمنين
أصبحت آفة المخدرات الأفة الآولى في الجزائر” هذا ما استهل به المكلف بالإعلام عزيز ديال على مستوى الودادية الجزائرية لمكافحة المخدرات وواصل قائلا “الجزائر قد وصلت مرحلة الخطر ولم يعد بوسعنا اليوم الحديث عن الشباب والمخدرات بل أصبح أطفالنا اليوم في خطر من هذه الآفة القاتلة وعلينا تنظيم حملات تحسيسية أكثر إحترافية وإنشاء مراكز متخصصة لعلاج المدمنين “. ومن الناحية القانونية اقترحت الوداديةعن طريق المستشارة القانونية سارة بوقزوحة إلغاء تجريم المدمن وتوجيهه للعلاج والتفريق بين المروج المجرم الذي يستحق العقاب والمدمن الضحية الذي يستحق العلاج وتفعيل المواد الخاصة بهذا الأخير،وتم تقديم هذه المقترحات والنظر في بعض المواد القانونية لوزارة العدل لإعادة النظر في بعض المواد المدرجة في القانون.
إستراتيجية مكافحة المخدرات
اعتمد فريق مركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية “الكراسك” في وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات من 2020 إلى غاية 2024 ، وتتعلق بأربعة محاور رئيسية وهي الوقاية بكل أشكالها والعلاج والتقليص من المخاطر ومحاربة المواد المخدرة. وحسب التقرير الذي قدمه الديوان الوطني لمكافحة المخدارات وإدمانها فالإستراتيجية تقوم على التوازن بين المسؤولية الفردية والجماعية ومسؤولية المجتمع المدني، وهي خلاصة أبحاث ودراسات ورسائل أكاديمية حول الظاهرة، ولتحقيق الأهداف المسطرة يجب إدماج القطاعات الوزارية ومصالح مكافحة المخدرات والأمن والمجتمع المدني، ومن الضروري مواصلة الحوار والشراكة بين مختلف الفاعلين للقضاء على الظاهرة التي باتت تهدد مستقبل الأطفال وتطفئ زهرة الشباب.