327
0
تفاح الأوراس بين فائض الإنتاج وقيود التسويق..معركة باتنة لحماية محصول استراتيجي
موسم وفير بطعم القلق

من سفوح جبال الأوراس حيث تنتشر بساتين التفاح على مد البصر، يعيش فلاحو ولاية باتنة هذه الأيام حالة من القلق المتصاعد فرغم الوفرة الإستثنائية لمحصول هذا الموسم يخشى الكثير منهم أن تتحول هذه النعمة إلى نقمة بعد أن ألقى الجدل القائم مع مصالح التجارة بظلاله الثقيلة على السوق.
ضياء الدين سعداوي
بين من يرى في الإجراءات الجديدة "خنقًا للفلاحين" ومن يعتبرها "ضرورة لتنظيم الشعبة"، يجد التفاح الأوراسي نفسه مهددًا بالركود وربما الضياع.
مخاوف الفلاحين: "منتوجنا قد يُرمى في الوديان"
أصوات عديدة من الفلاحين ارتفعت خلال الأيام الأخيرة، محذرة من أن الخرجات الميدانية التي تنفذها مديرية التجارة رفقة أعوان الدرك الوطني إلى البساتين إلى جانب الإجراءات التي تتحدث عن تسقيف و تحديد أسعار التفاح أثرت بشكل مباشر على ديناميكية السوق "التجار لم يعودوا يقصدون البساتين كما كانوا يفعلون سابقًا، خوفًا من المتابعات أو التعقيدات" يقول أحد الفلاحين المنتجين في منطقة وادي الطاقة، قبل أن يضيف بمرارة: "إذا استمرت الأمور على هذا النحو سنضطر لرمي المحصول في الوديان بدل بيعه بأسعار تغطي تكاليفنا".
الفلاحون يجمعون على أن هذه الإجراءات خلقت مناخًا من عدم الثقة وحولت الوفرة الإنتاجية إلى عبء يهدد مصادر رزقهم، في وقت يعانون فيه أصلاً من ارتفاع تكاليف الأسمدة، ندرة اليد العاملة وتقلبات المناخ.
رد مديرية التجارة: "المرافقة لا التضييق"
في مواجهة هذه الٱنتقادات خرجت المديرية الولائية للتجارة بباتنة عن صمتها مؤكدة عبر خلية الإعلام والاتصال أن الخرجات الميدانية تأتي تنفيذًا لتعليمات وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية وأن الهدف منها هو الوقوف على الوضعية الحقيقية للشعبة و تقدير الكميات المنتظرة بدقة كما تهدف إلى حصر المنتجين الفعليين لتوجيه الدعم بعدالة ثم التحسيس بأهمية التصريح بمخازن التبريد.
وبحسب المديرية فإن هذه المتابعات الميدانية تهدف في جوهرها إلى حماية الفلاحين من المتابعات غير القانونية وضمان تسويق المنتوج في ظروف أكثر استقرارًا لا العكس.
إجتماع طارئ و السلطات تدخل على الخط
تزايد القلق في الأوساط الفلاحية دفع السلطات الولائية إلى التدخل ، و وفق مصدر للموقع الإخباري "بركة نيوز"، فقد ترأس الأمين العام لولاية باتنة اجتماعًا موسعًا حضره ممثلو الغرفة الفلاحية، المكتب الولائي للإتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين وفروعه المحلية إضافة إلى مجموعة من الفلاحين الناشطين في شعبة التفاح وبحضور المدير الولائي للتجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية.
الإجتماع كان مناسبة لطرح الإنشغالات بشكل مباشر، حيث شدد الفلاحون على أن الإجراءات الحالية تهدد تسويق المحصول وتكبد المنتجين خسائر قد تدفعهم لعزوف جماعي عن زراعة التفاح مستقبلًا ، وقد وعدت السلطات برفع هذه الإنشغالات إلى الجهات المركزية في محاولة لإيجاد حلول سريعة ومتوازنة.
شعبة التفاح في الأوراس ثروة وطنية على المحك
تعتبر ولاية باتنة من أبرز أقطاب إنتاج التفاح في الجزائر إذ تشير تقديرات فلاحية غير رسمية إلى أن إنتاج هذا الموسم قد يتجاوز 700 ألف قنطار ما يجعلها ركيزة أساسية في السوق الوطنية. وتنتشر بساتين التفاح عبر معظم دوائر الولاية على غرار مروانة، وادي الطاقة، تيمقاد، وأريس، حيث تحولت هذه الفاكهة إلى هوية زراعية واقتصادية للمنطقة.
لكن على الرغم من هذا الثقل الإنتاجي تعاني الشعبة من مشاكل مزمنة منها ضعف آليات التخزين بسبب محدودية غرف التبريد أو سوء تسييرها ، غياب قنوات تسويق منظمة تضمن أسعارًا عادلة و تذبذب في السياسات العمومية بين تشجيع الإنتاج وفرض قيود بيروقراطية.
القضية لا تتعلق فقط بموسم وفير من التفاح بل تمس مباشرة معركة الأمن الغذائي والسيادة الوطنية ، ففي وقت تراهن فيه الجزائر على تعزيز الإنتاج المحلي لتقليص فاتورة الإستيراد، تبدو هشاشة آليات ضبط السوق مصدر قلق حقيقي ، المختصون يرون أن نجاح أي سياسة فلاحية يتطلب مرافقة ذكية ومتوازنة بدءاً بدعم الفلاح في الميدان، تنظيم السوق بآليات شفافة ومحاربة المضاربة من دون خنق المنتج.
بين التنظيم و حرية التسويق
الجدل القائم اليوم يعكس معضلة أوسع ،كيف يمكن للدولة أن تنظم السوق وتحمي المستهلك من المضاربة دون أن يشعر الفلاح بأنه تحت ضغط أو تهديد؟ الجواب وفق بعض الخبراء يكمن في فتح قنوات حوار دائمة بين الإدارة والمنتجين وتبني سياسات أكثر مرونة تسمح بإمتصاص الإنتاج وتصديره عند الحاجة.
مستقبل الشعبة على المحك
بين وفرة المحصول ومخاطر التسويق يقف "تفاح الأوراس" على مفترق طرق، الفلاحون يطالبون برفع التضييقات وضمان حرية تسويق منتوجهم، فيما تؤكد مديرية التجارة أن التنظيم ضروري لحماية السوق ، أما السلطات الولائية فقد وعدت بإيصال الإنشغالات إلى المستوى المركزي.
لكن بين الوعود والواقع يبقى السؤال الأهم، هل يجد التفاح الأوراسي طريقه إلى المستهلك بسعر عادل يرضي الفلاح والمواطن معًا أم أن جزءًا من هذا المحصول سينتهي – كما يخشى أصحابه – في مجرى الوديان؟